لم يكن منتظرا أن تتأزم أحوال مصر الي الدرجة المفجعة التي وصلت إليها, بعد مرور057 يوما علي الثورة. يدل هذا الوضع دلالة قاطعة علي غياب الريادة المتفتحة والقيادة الرشيدة بين كبار النظام الحالي ومعارضيه علي حد سواء, اذن لابد للساسة أن يتفكروا في كيفية معالجة الوضع لكي تطمئن الناس وتهدأ النفوس. لقد أدي التخبط المستمر في شئون إدارة الدولة التي فصل النظام عن نصف المجتمع, في نفس الوقت أدت مطالب المعارضة بإطاحة نظام جاء عبر صناديق الانتخابات الي تناثر أصواتها مع الرياح, هكذا تم تقسيم المجتمع الي مشجع ومعارض لا يتفاهمان, ويتحدثان بلغة مختلفة ويتشاجران بعنف شديد بسبب أو بغير سبب, لذلك لابد من التفكر في كيفية وصولنا الي هذا الوضع الكئيب. السبب الأول هو أن داعمي حكم الإخوان, اعتقدوا أن الفوز بالأصوات مهما كانت ضآلة نسبة الفوز هو تصريح رسمي ليفعلوا كيفما شاءوا بالحكومة والدستور والبرلمان, ثم تمادوا في إصدار الفتاوي وحتي تكميم الإعلام, كان هذا خطأ جسيما من كل النواحي, لأن الله يأمر الغالب بحسن معاملة المغلوب, وهكذا فعل قادة الحضارة الإسلامية العظماء, اذن كان بالإمكان جذب أعداد من الناس التي تنتمي الي فكر مخالف للوصول الي الغالبية العظمي رويدا رويدا. السبب الثاني, هو أن المعارضة لم تتعلم من درس فوز الإخوان في الانتخابات, وبدء التخطيط للعمل المجتمعي استعدادا للدورة الانتخابية المقبلة, لم تقم المعارضة بذلك لأنه عمل يتطلب الثبات علي المدي الطويل لشرح إشكالية الأخونة, كذلك كان يلزم التفاعل مع الطبقة المطحونة التي رأت في الاخوان من يفهمها أولا ويدعمها ثانيا, ويعمل علي رفعتها ثالثا, أليست هذه الأهداف ما يجب أن ينبع من فلاسفة الثورة؟ لاشك في أن الخلل المتفشي في كل أنحاء مصر سوف يضر المجتمع بأسره, يمكن أيضا أن يضيع الفشل كل مكاسب الثورة, أسوأ من ذلك, يمكن أن يؤدي الي ضياع جيل كامل أو أجيال عدة. تدل المزايدات الحالية في التظاهرات وإشعال نار الفرقة علي التمادي في المطالب الخاصة, بغض النظر عن المكاسب العامة في هذه الحالة ليس هناك مفر من تغيير لغة التعامل مع الآخر, ولابد من التأني في الحديث دون قذف أو عنف, النجاة من التوتر الحالي لا يتم إلا بالعمل علي التلاقي في منتصف الطريق, علينا أن نوجد مسارا مستقيما لمسيرة مستقبلية والعمل علي اختفاء كلمة أنا, وتهيئة البيئة التي تؤهل استخدام كلمة إحنا. لا يفيد الاحتقان المجتمعي الحالي أحدا علي الإطلاق, لذلك علي كل الأطراف أن تحاول التقارب والعمل الدءوب لتهدئة المناقشات, عندئذ فقط يمكن سماع المطالب والنظر فيها بإمعان وحكمة, اذا لم يتبين ذلك لكبار السياسة من الجهتين ربما يقوم بالعمل المطلوب مجموعات شبابية أحدث فكرا وأكثر حيوية وأقل جمودا فكريا. لقد أثبت التاريخ القديم والمعاصر, علي حد سواء, أن مصر تتوالي فيها الأحقاب المزدهرة والمنكوبة تبعا للقيادات التي تنبع فيها, تحت القيادة الحكيمة تعيش مصر فترات ازدهار ورخاء يحسدها القريب والبعيد, وفي ظل القيادة الواهية المترددة تختفي شعلة الحضارة في مصر حيث تعيش في ظلام وتخبط, ويبيت أهلها جياعا, الفارق في هذه الفترات المختلفة تماما هو القيادة, اذا كانت القيادة ضعيفة مشتتة تختفي شعلة الحضارة وتبقي مصر في سبات عميق لا يليق ببلد كريم, أما عندما تظهر فيها القيادة الرشيدة ذات البصيرة والرؤية, فإنها تنقذ أهلها من الضياع وتستخدم طاقاتهم التاريخية الفريدة في رفعة مكانتها وازدهارها, بعد الثورة الخيار لنا في اختيار قادتنا. المزيد من مقالات د.فاروق الباز