كثيرة هي الأسئلة التي تلح علي بشأن الحالة المصرية بعد25 يناير, بيد أن السؤال الذي فرض نفسه خلال الفترة الأخيرة بإلحاح هو لماذا تدور البلاد في فلك نخبة محددة الأسماء ثبت يقينا أن كثيرين منهم اعتلوا موجات ثلاث في عام واحد. وثبت يقينا أن غالبيتهم فشل في أداء دوره المنوط به ورغم ذلك ما زال يطرح نفسه في مقاعد المقدمة والإدارة, بل الأدهي والأمر أن منهم من ثبت يقينا أنه ليس أهلا لثقتنا التي وضعناها فيه, لكن ما في صدورنا تجاهه يبدو أنه لم يصل إليه بعد, والمشترك بين هؤلاء جميعا أنهم يحملون أسماء رنانة لا تخطئها أذن متي سمعتها فهم من المشاهير ولا شك في هذا.25 يناير2011, كان المصريون علي موعد مع التغيير, وفي30 يونيو كانوا مع تغيير جديد, وبينهما محطات أخري من التغيير حينا والإصلاح حينا والانتكاس حينا ثالثا, بيد أن كل هذه المحطات لم ترحنا بتغيير وجوه تصورنا أن الثورة ستكون أول ما ستكون عليهما, ولقد اعتمد هؤلاء أساليب محددة الخطوات في التعامل مع كل تغيير فأولي الخطوات الاختفاء المؤقت وثانيتها الظهور التدريجي باتجاه دعم من تكون الكفة لصالحه وثالثتها القفز للأمام وطرح أنفسهم كما لو أنهم هم صانعو التغيير. حالات ثلاث سأقف أمامها, بالمعني والدلالة وليس بالاسم, توضح في مجملها مدي حاجة البلاد لنخبة جديدة. أولي هذه الحالات: يرتبط بثلاثة ممن ارتبطوا في أذهاننا بالثورية والتغيير وكلهم أساتذة في واحدة من كليات القمة في مصر, أحدهم منتم للتيار الإسلامي والثاني يصنف بأنه إسلامي وسطي التوجهات والثالث ليبرالي, ورغم اختلاف التوجهات اجتمعوا جميعا علي أمر أول هو الشهرة وثان وهو طرح كل منهم نفسه علي أنه رجل مبادئ والثالث أن كلا منهم له خطيئته المرتبطة بكليته صاحبة الفضل عليه والتي منحته مكانته التي سوق بها نفسه لدي الآخرين. فالأول والثاني يفترض أنهما في أجازة خارج البلاد وفق الأوراق التي قدماها للكلية بينما هما يقومان بالتدريس في جامعات خاصة ويتعاقدان مع فضائيات ويكتبان للصحف دون النظر إلي طلابهم بمحاضرة واحدة أما ثالثهما فقد تقدم بأجازة ثلاثة أشهر ليقضيها في فضائية الجزيرة وبعدها يعود ليقوم بالتدريس في8 جامعات في وقت واحد وليأتي لطلاب كليته ببديل له ليس من صفوف الكلية ليستوي مع زميليه في أن الأولوية للمال لا للمبادئ أو للعلم الذي دائما ما يتحدثون عنه. الحالة الثانية: فهي لواحد من نخبة الرئيس الأسبق مبارك وقبيل الحادي عشر من فبراير2011 قفز من المركب الذي كان واحدا من سكان الدرجة الأولي به بل كان يوما مستشارا لربانه, وحين تولي الرئيس السابق محمد مرسي مسئولية رئاسة الجمهورية شنف آذاننا بالدور التاريخي للإخوان المسلمين في حرب عام48 وقبيل خروج الشعب ضد مرسي طرح هذا المثقف الرائع نفسه مؤرخا وإعلاميا قادرا علي غزو عقول الجميع حتي من غير محبيه. وقس علي هذا الكثيرين من أعضاء جماعة النخبة في مصر ومنهم من غير موقفه علي الهواء ومنهم من طرح الموقف ونقيضه. الحالة الثالثة: كانت لمرشح رئاسي نال من أصواتنا الكثير, فأثناء وجوده ضيفا بأحد البرامج التليفزيونية, وأثناء فاصل إعلاني, سمعته بحكم عملي في المحطة, إذا به يقول لمقدم البرنامج, ما رأيك فيما قلت؟ هل تريدني أن أعدل الكفة؟ اسألني عن البرادعي وسأذكر لك كذا وكذا لأنني لا أريد أن أخسره فلا أحد يعرف ما الذي سيكون في الأيام القادمة؟ وبدا أن المرشح المحترم يتلاعب بمشاعرنا من خلال كلماته الثورية أحيانا والناعمة أحيانا ولا يعبر عن مبادئ كما كنت أتصور.هذه بعض من حالات لأعضاء في جماعة النخبة المصرية وقس علي هذا الكثير والكثير ويشتركون جميعا في أمر رئيس هو سد المنافذ علي القادمين الجدد إلي عالم النخبة, خاصة الثقافية والإعلامية, وكأنما لا يريدون بينهم إلا من هو مثلهم, ليكون من مقتضيات المرحلة طرح نخبة جديدة من خارج رغبات تلك النخبة التقليدية التي تتحمل جانبا أكبر من مسئولية عدم الاستقرار الذي تعيشه مصر سياسيا وثقافيا علي الأقل. فمصر تستحق الآن نخبة قادرة علي الإطاحة بموروث الأفكار الجامدة وقطع شرايين الارتباط بأية أفكار سوي الوطنية والمواطنة ومواجهة أي استهداف للبلاد وفق أية أجندات خارجية. لكن صناعة النخبة ليست بالأمر اليسير, فهي تتطلب ممن بيده القرار استخدام آليات موضوعية ومحايدة في الوصول لمن يستحق أن يكون بين صفوف هذه النخبة, وعلي أولئك القادرين علي العطاء أن يتقدموا, فلا هذا وقت للتراجع أو التخاذل أو التخلي عن المسئولية الوطنية, وعلي الذين أخفقوا وثبت فشلهم أن يتواروا ويختفوا من المشهد العام, قبل أن تبعدهم الجماهير. لمزيد من مقالات ايمن عطية