دهمني خيال غريب. رأيت جماعة الاخوان المسلمين تتسلق ساعة التاريخ لتحاول إجبار عقاربها ليعود الزمن المصري الي ما قبل مجيء محمد علي لحكم مصر, كي تزدحم الأسواق بالجواري والعبيد, ويزدهر عصر المماليك و الملتزمين الذين احترفوا سرقة الكحل من العيون. دهمني هذا الخيال حين سمعت عن وهم الخلافة التي اتخذت من الاسلام معطفا لفسادها, فحرمت الدين الجليل من جوهره, وركزته في شخص رجل واحد اسمه الخليفة, ولعل مشاهد مسلسل حريم السلطان خير شاهد علي رعونة الخلافة في آخر طبعاتها قبل أن تطردها ساعة التاريخ خارج ردهات الزمن, ودفعني هذا الخيال الي جملة كتبتها هنا في واحدة من مقالاتي محدثا جموع الاخوان المسلمين أعرف منكم أسماء القتلة ولا أعرف لكم أسماء الأبطال. وليست سطوري رقصا علي جثة ذلك الحكم الذي كنسته الجموع من عرش مصر, ولكنها رصد لملامح ما فعلته ساعة التاريخ بعد أن قامت بقياس مدي مواءمة حكم تلك الجماعة للعصر الذي نحياه, فقررت أن تقاوم هذا الحكم بحشد فريد لم ير العالم مثيلا له منذ بدء التفكير السياسي علي الكرة الأرضية, كما أقرت صور قياس الجموع عبر الأقمار الصناعية. بدت سخرية ساعة التاريخ من قياسها لبدء لعبة الخداع, حين شهد ميدان التحرير شخص الرئيس المعزول وهو يفتح سترة البدلة يوم انتخابه, داعيا من يريد اغتياله أن يبدأ اطلاق الرصاص, وأشرقت في أعماق المكان لمحة من أمل بأن يتحرك رئيس مصر بين سكانها دون خوف أو وجل. ولكن شاء الرجل أن يغتال تلك اللمحة من الأمل حين بدأ يحكي بداية مختلفة لا نعرفها عن تاريخ مصر, وكأن تاريخنا بدأ لحظة تأسيس جماعة الاخوان المسلمين عام1928, وتجاهل بطبيعة الحال الجملة الأخيرة التي اختتم بها حسن البنا علاقته بالاخوان حين قال عن قتلة النقراشي باشا( ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين). ظن الرجل لوهلة أن تروس ساعة التاريخ التي تيبست في عصر مبارك لمدة ثلاثين عاما قد حولت مصر الي بقعة من ركود زاعق, وتوهم أنه قادر علي تجاهل ماجري منذ نهاية الخلافة العثمانية وخروجها من بر مصر المحروسة. وعلي وهم تيبس تروس ساعة التاريخ, وكان من المضحك أن هذا التنظيم السري المسلح; اتهم عموم المصريين بالكفر علي لسان الراحل سيد قطب, و لم تكن ثورة يوليو قد نسيت التاريخ غير الأخلاقي لجماعة الاخوان, حين تجاوبوا وتعاونوا مع أجهزة المخابرات البريطانية والفرنسية في أثناء التحضير للعدوان الثلاثي علي مصر عام1956. وكأن قرار تأميم قناة السويس الذي أدمي الدول الكبري أيامها, قد نال أيضا من قلوب الاخوان المسلمين كراهية لبناء السد العالي الذي اعتبره الكون مشروع القرن العشرين في العالم الثالث. وشاءت الظروف أن يجري اعتقال الاخوان في صيف عام1965, في قمة رحلة بناء السد العالي, ومن الوقائع التي لاتمحي من ذاكرة كاتب هذه السطور رؤية المهندس صدقي سليمان وزير السد العالي يوم الرابع عشر من أغسطس1965 وكيف كان واقفا بين عمال بناء السد, ورأي صدقي سليمان أن قائد أحد التراكتورات علي وشك الاغماء فما كان منه الا ان صعد علي التراكتور ليوقفه وينزل السائق ويأمر قائد السيارة الجيب التي كان يستخدمها في تنقلاته بأن يصحب سائق التراكتور الي المستشفي, وواصل وزير السد العالي قيادة التراكتور بنفسه ليكمل المهمة الي أن جاء بديل لسائق التراكتور. وكانت مصر تغني أيامها مع عبد الحليم حافظ من كلمات صلاح جاهين علي مدد الشوف مدنة ومدنة.. دي لصلاتنا ودي لجهادنا توهم محمد مرسي وتنظيمه أن ساعة التاريخ التي تيبست في ظل حكم مبارك, يمكن أن تمحو من ذاكرة المصريين أن ثورة يوليو هي من نقلت مصر من دائرة المستعمرة البريطانية خلف البحر المتوسط الي دائرة الدولة الفاعلة في ثلاث قارات والتي تهتز عواصم العالم الكبيرة لأي خبر يخرج منها. وأسرع محمد مرسي منذ لحظة توليه حكم مصر محاولا إجبار ساعة التاريخ علي العودة الي ما قبل عهد محمد علي, فراح يلعن كل ما جاء من بعده, ولم يلتفت الي أن ساعة التاريخ ماكرة, فهي التي زمجرت راغبة في أن تفسح للأجيال الشابة مكانا في المستقبل, وأن زلزلة ما جري يوم الخامس والعشرين من يناير ليست كما وصفها عندما قال( وهل يمكن أن يتحرك الاخوان المسلمون وراء شوية عيال ؟). ولكن تنظيمه تحرك علي جهد ودماء( شوية العيال) ليقف في ميدان التحرير فاتحا سترة بدلته متحديا, ثم لينكمش من بعد ذلك في جحافل من سيارات الحراسة. ولم يلتفت محمد مرسي الي أن الزعامة السياسية والثورية كانت تتطلب البناء علي ماسبق من ثورات لا أن يبدأ اعادة تشكيل وعي الجماهير علي مزاج جماعة الاخوان. أدعي أنا كاتب هذه السطور أن جمال عبد الناصر كان آخر الزعماء المصريين الذي وعي قيمة ساعة التاريخ فلم ينكر جهد من سبقوه, ولعل ذلك هو واحد من أسباب تشكل قلبي علي هيئة هذا الزعيم الذي أجبر ساعة التاريخ علي الدوران بما يصنع التقدم واللحاق بالعصر, أكتب هذا وأنا الذي كثيرا ما غضبت منه محاولا نزعه من قلبي لعديد من الخلافات, ولكني كلما حاولت نزعه بيدي من قلبي فالمفاجاة تحدث; وهو أن يدي لا تقوي علي أن يظل قلبي خارج صدري لذلك أترك القلب ليعود الي موقعه وهو علي هيئة جمال عبد الناصر. لمزيد من مقالات منير عامر