الجيزة تستعد للعام الدراسي الجديد.. وزير التعليم والمحافظ يفتتحان 3 مدارس جديدة.. الانتهاء من كافة أعمال الصيانة والمرافق.. وتوفير 619 فصلا جديدا    محافظة أسيوط تدشن مبادرة "صحح مفاهيمك" بالتعاون مع الأوقاف الأحد    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    وزير الأوقاف يشارك في قمة أستانا لتعزيز حوار الأديان بحضور عالمي واسع    الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار بعد خفض الفائدة الأمريكية    قرار جديد لرئيس الوزراء، الاستيلاء المباشر على أراضٍ لتنفيذ مشروع الطريق المزدوج بالغربية    ملك إسبانيا يشيد بالشراكة الاستراتيجية مع مصر ويؤكد متانة العلاقات الثنائية    منحة كورية ب7.5 مليون دولار لإنشاء مركز للتدريب وبناء القدرات في مصر    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    وزير الخارجية: إطلاق منصة مصر الصناعية الرقمية لتسهيل الإجراءات وتحفيز مناخ الأعمال    عاجل- حصاد 24 ساعة دامية في غزة.. 79 شهيدًا و228 مصابًا وارتفاع إجمالي الضحايا منذ 7 أكتوبر إلى أكثر من 65 ألف شهيد    الحل القانوني للقضية الكردية وأبعاده    دراسة: كيم جونج أون غير راض عن مستوى التعويضات التي حصلت عليها بلاده من روسيا مقابل نشر قواتها    كومباني يشيد بتركيز لاعبي بايرن بعد الفوز على تشيلسي في دوري الأبطال    مفاجأة، إمام عاشور يستعد للرحيل عن الأهلي في يناير    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ببني سويف    خنقها الدخان.. تفاصيل مصرع طفلة في حريق شقة سكنية بأوسيم    تموين الفيوم تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق ومواجهة جشع التجار    ضبط المتهم بإنهاء حياة زوجته بمساكن الأمل في بورسعيد    قبل انطلاقه الليلة، أسعار تذاكر حفل آدم ومروان خوري ومحمد فضل شاكر بجدة    10 ورش تدريبية وماستر كلاس في الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب    في زيارة مفاجئة، نائب وزير الصحة يوجه باستبعاد مدير مناوب بمستشفى قطور المركزي بالغربية    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    انطلاق منافسات نصف نهائي مصر المفتوحة للإسكواش ولقب السيدات مضمون    حقيقة تفاوض الأهلي مع الألماني فيليكس ماجات لتدريب الفريق    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الخميس 18-9-2025 بمنافذ المجمعات الاستهلاكية    ملك إسبانيا: 60 شركة إسبانية مستقرة في مصر وتشارك بمشروعات كبرى    ترامب يهاجم الأمير هاري.. ويؤكد: أمريكا وبريطانيا نغمتين للحن واحد    الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع فى قطاع غزة وتطالب بحماية المدنيين الفلسطينيين    وزارة التعليم تعلن تفاصيل تقييم طلاب المرحلة الثانوية فى التربية الرياضية    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين فى حادث تصادم أتوبيس مع سيارة نقل بطريق مرسى علم    تعاون بين وزارتى التضامن والصناعة لرعاية المسنين المحالين للتقاعد    تزامنًا مع عودة المدارس.. «الطفولة والأمومة» يطلق حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف والإساءة    أيمن بهجت قمر ناعيا يمنى شرى: كانت إنسانة رائعة وجميلة    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    تكريم الإعلامي سمير عمر فى ختام المؤتمر السنوى الأول للإعلام العربي ببنغازي    سؤال برلماني بشأن واقعة اختفاء إسورة أثرية نادرة من المتحف المصري بالتحرير    الإمام الأكبر يكرم الأوائل في حفظ الخريدة البهية.. ويؤكد اعتزاز الأزهر برسالته    تحالف الأحزاب المصرية يدشن «الاتحاد الاقتصادي» لدعم خطط التنمية وحلقة وصل بين الحكومة والمواطن    من هو معلق مباراة الزمالك والإسماعيلي والقنوات الناقلة في الدوري المصري؟    التأمين الصحي الشامل تعلن إجمالي شبكة مقدمي الخدمة الصحية للمتعاقدين مع المنظومة    القرفة العيدان أفضل ولا الأكياس الجاهزة؟.. استشاري مناعة توضح الفوائد والأضرار    نيللي كريم توضح سبب غيابها المحتمل في رمضان 2026    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثاني لكلية طب الأسنان بجامعة الجلالة    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    خواكين فينيكس وخافير بارديم وإيليش يدعمون الحفل الخيرى لدعم فلسطين    مصروفات المدارس الخاصة صداع في رأس أولياء الأمور.. والتعليم تحذر وتحدد نسبة الزيادة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    بيان ناري من غزل المحلة ضد حكم مباراة المصري    الشرع: أمريكا لم تمارس الضغط على سوريا.. والمحادثات مع إسرائيل قد تؤدي لنتائج الأيام المقبلة    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسة وخمسون عاما من العشق الصافي
نشر في صباح الخير يوم 01 - 03 - 2011


احسان عبدالقدوس
كانت برودة الإسكندرية في شجار مع شمسها، فلم تكن خيوط الشمس قادرة علي الانتصار، ولم تكف البرودة عن الضغط علي أسنانها وهي تطلب المزيد من الانتصار علي الشمس.
وكان العام هو السادس والخمسون من القرن الماضي. وكان شارع بوالينو - الشعبي تماما - يضج بالحلم أن تقوم ثورة يوليو بالقضاء علي مشكلات أي إنسان كائنا من كان. لكن خطوات الثوار علي أرض الواقع لم تكن بنفس سرعة أحلام أهل الإسكندرية.
وفي هذا الزمان جاء مولود يحمل خلاصة أحلام جيل شاب ينتمي إليه كاتب هذه السطور، وكان المولود هو مجرد مطبوعة أسبوعية تحمل شعارا «للقلوب الشابة والعقول المتحررة». جاء هذا المولود ليقول لي عبر سطوره المطبوعة إنه بطاقة شخصيتي وطريق حياتي الذي سوف أسير فيه لأصل إلي أيامنا هذه.
وبين الأيام القديمة الحية في الذاكرة ووصولا إلي أيامنا تلك، كانت معارك الرغبة في تحقيق الأحلام، وانكسارات مازال طعمها مريرا تحت اللسان، وعلي قدر الفخر بتأميم قناة السويس وبناء السد العالي، علي قدر الانكسار حين اندقت أعناق أحلامنا في الخامس من يونيو من عام 1967 لنفيق علي إعادة بناء القدرات ولنبني من جسور الدم والرجال أياما من الفخر في أكتوبر 1973 ولكن الطريق من أكتوبر1973 حتي أيامنا هذه ازدحم أيضا بأحلام انكسرت حتي وصولنا إلي أيامنا هذه، أيامنا التي لا تعرف شمسها حقيقة ما يدور في شتائها، وسخونة أحداثنا اليومية لا توحي للعيون قدرة علي تحديد ملامح الطريق الذي نسير فيه جميعا، فإذا كانت الحرية هي حق الاختيار، فلابد أن نعرف أن «الاستقرار المزعوم» قد صار مجرد معطف لركود قاتل، وتفننت قلة في نهش اللحم الحي للمصريين جميعا، فصارت الأيام غيظا والقهر أنفاسا، وازدحمت القلوب ببراكين كبت له قيظ، يفوق الاحتمال. ولم أكن قارئ كف للمستقبل حين كتبت علي صفحات «صباح الخير» يوم غرق العبارة السلام بأن جثث من غرقوا بها ستزدحم بها صناديق أي انتخابات، وحين تم تجاهل أصوات الغرقي في أقرب انتخابات حدثت من بعد ذلك، صار الزيف يلون أيامنا، نخرج من سحب الزيف إلي الحلم من جديد. ترنو ذاكرتنا إلي أيامنا القديمة لأننا صرنا نخاف من الأيام الجديدة.
في أيامنا القديمة التقينا نحن علي صفحات هذه المطبوعة بنسيج القدرة علي أن نخترق الواقع لنستجلي ما فيه. كان بيننا أحمد بهاء الدين الذي علمنا أن الصحفي ليس أن تكون صوتا لحاكم أو مجرد تشنج وأنت ترفع صرخة المحكوم، بل محاولة استكشاف حقيقة المسافة بين الاثنين لتردمها بحلول تراها جادة.
وعلي صفحات هذه المطبوعة علمنا فتحي غانم أن علي أي منا أن يختار واحدا من طريقين، إما أن يكتب لقارئ واحد هو رئيس البلد أيا كان اسمه، أو يكتب للقراء الذين يمولون هذه المجلة، وكان فتحي غانم يعلم أن جيلي كله مدين لجمال عبدالناصر بالكثير، ولكن ديون عبدالناصر التي حملناه إياها كانت كأغنية صلاح جاهين الذي كثيرا ما شدا بها «قلنا يا زعيمنا قلوبنا أهه» وأشهد أني رأيت المصريين يلعبون بجبال أسوان حين أقاموا السد العالي، كان ذلك في يوم الرابع عشر من أغسطس من عام 1964 وذهبت في عز الصيف لأري كيف يمكن أن يعمل المصري تحت صهد أغسطس الذي تبلغ فيه الحرارة نهارا إلي الخامسة والأربعين. ورأيت هناك الرجل الذي يندر أن يجود الزمان بمثله هو المهندس صدقي سليمان. رأيته بين العمال والمهندسين. وحين أصاب الإغماء واحدا من قادة «التراكتور» حمله بين ذراعيه لتذهب به سيارة جيب إلي المستشفي، وصعد هو إلي التراكتور، محاولا إتمام عمل الذي أصابه الإغماء، ولكن مهندس الموقع أصر علي أن يكمل هو عمل السائق.
أضحك إلي حد البكاء حين أقارن بين صورة صدقي سليمان باني السد العالي، وبين عاطف عبيد الذي رأس مجلس وزراء مصر من أجل تفكيكها وبيعها لمن يسمون المستثمرين. أتذكر أنني كتبت رافضاً ذلك، وأوضحت بصريح الكلمات أن فلسفة يوسف بطرس غالي تهدف إلي تحويل مصر إلي قرية خلفية مثلها مثل بنما أو جواتيمالا. ولم ينتبه أحد.
وإذا كان الواحد منا يتذكر الآن، فالتذكر ليس بحثا عن براءة، بل تأكيد جديد وقديم علي أننا ننفذ تعاليم من علمنا أن أمام أي كاتب طريقان، طريق التعبير عن القراء، أو طريق نقل التمجيد في القيادة للقراء، الطريق الأول هو الأفضل للكرامة، والطريق الثاني هو إهدار كرامة الكاتب.
ومازال صوت صلاح حافظ، وهو يؤكد أن الكلمة قوية بالفعل والكاتب مجرد كائن يمكن أن يهزمه الوجود خلف القضبان أو المعتقل.
ومازلت أتذكر يوم خروج صلاح حافظ من المعتقل بعد عشر سنوات قضاها في الواحات. كانت نظارته قديمة للغاية، مليئة بالشروخ، وملابسه رثة بغير حد. وكان قد حضر إلي «روزاليوسف» ليلتقي بصلاح جاهين. ولم أكن قد تعرفت عليه شخصيا قبل ذلك، فقد تم اعتقاله حين كنت في الشهادة الإعدادية وعمري أربعة عشر عاما. ولكن التعرف علي قيمته ككاتب وصحفي جاءت حين بدأت العمل في روزاليوسف واختارني الشاعر صلاح عبدالصبور كي أنضم إلي الكوكبة التي تعيد صياغة تحقيقات زملائي، وأراد إحسان عبدالقدوس أن يدلني علي طريق التميز في أداء مهمتي الجديدة، فقال لي ما لا أنساه: أرجو إنك تدرس كويس إزاي صلاح حافظ كان بيكتب باب «أسرار» وباب «انتصار الحياة».
وكانت رقة إحسان عبدالقدوس في تعامله مع الشباب أكبر من خيال أي أحد. وكان يعرف كيف يبرز أفضل ما فيهم شرط أن يساعدوه علي ذلك. وعندما سألته عن مميزات صلاح حافظ قال «هو من أندر من أنجبتهم روزاليوسف، ولكن عقيدته الماركسية قادته إلي المعتقل. وهكذا جاء اللقاء مع ما كتبه صلاح حافظ قبل أن يحدث اللقاء الشخصي معه. وعندما أخبرت أستاذنا كامل زهيري بهذا اللقاء طالبا منه أن يصعد من مكتبه بالدور الرابع من روزاليوسف إلي الدور الخامس حيث مكتب صلاح جاهين الموجود به صلاح حافظ، قال لي الجملة التي لا أنساها أبدا «الكاتب هو ما أنجزه فعلا، لا ما ينوي أن يكتبه. ها أنت قد تعرفت علي صلاح حافظ من أسلوبه وكتاباته قبل أن تلتقي به وجها لوجه». وصعد كامل زهيري ليرحب بصلاح حافظ وليتبعه من بعد ذلك إحسان عبدالقدوس الذي قدس بلا نهاية موهبة صلاح حافظ. ولا أدري لماذا فضل صلاح حافظ أن تكون عودته بعد الاعتقال إلي مجلة آخر ساعة بدلا من روزاليوسف. ولكنه عاد إلينا بعد ذلك بسنوات. وتولي بعد مجيء عبدالرحمن الشرقاوي مسئولية تحرير روزاليوسف كرئيس تحرير ومعه فتحي غانم. وكان أي منهما يصر علي أن تكون الكلمة قوية عندما تجد من يسمعها، وهي أيضا تبقي في ضمير من يقرأها وتحفظ ضمير من كتبها.
ولكن حدث الخلاف بين عبدالرحمن الشرقاوي وفتحي غانم وصلاح حافظ كمسئولين عن روزاليوسف وبين الرئيس الراحل أنور السادات فعزل الثلاثة لتبدأ أيام من كرب محسوس في مطبوعات روزاليوسف.
ورغم تعنت السادات معنا في روزاليوسف، فقد حملنا له مودة إصداره لقرار حرب أكتوبر، وهو من أتاح لقواتنا المسلحة أن يديرها أفضل أبنائها، فاستطعنا هزيمة إسرائيل. ولكن القطط السمان بدأوا في الظهور من بعد تلك الحرب المنتصرة ليسرقوا نتائج تلك الحرب لحساب انفتاح أهوج، صدق فيه قول الأستاذ أحمد بهاءالدين «انفتاح سداح مداح» واستطاع بعض من أثرياء الطبقة الجديدة الذين أحاطوا بالسادات، فأوغروا صدره ضد كل الباحثين عن العدل الاجتماعي، وبدأ في عهده بزوغ القطط السمان، وجماعات الإرهاب التي قتلته، لنعيش من بعد ذلك في لحظات ميلاد القطط السمان لأسماك القرش التي التهمت العديد من خيرات هذا البلد، لتأتي من بعد ذلك حيتان مدربة علي امتصاص دم البشر مع حالة تفاخر بأن أكثر من ستين بالمائة من المصريين يعيشون علي بطاقات التموين ويتلقون الدعم.
ثلاثون عاما من امتصاص دم المصريين يا إلهي
ولن أنسي يوم عرفت عام 2000 أن المنهوب من أموال مصر يزيد علي ألف مليار دولار، هكذا كان الرقم الذي سألني زميل عمري رءوف توفيق، وكان يتحمل مسئولية رئاسة تحرير صباح الخير «لقد قرأته في تقرير للأمم المتحدة». ونشر رءوف مقالي، فلم يمنع رءوف نشر المقال، كان يعيش دائما مع زفرة أسي، لأن كل ما كنا نحلم به كان يتساقط أمامنا، أقول ذلك عن رءوف وهو ذلك الهادئ الذي تغلي أعماقه كالبراكين وهو من لم يمنع مقالا لأحد أو من أحد.
وهكذا جاءت لنا خطوات عبدالشكور شعلان من صندوق النقد لتتآمر مع خبرة عاطف عبيد في تجريد المصريين من كل ما حققوه عبر سنوات ثورة يوليو من مكاسب. وكانت خطوات عاطف عبيد تذكرني دائما بما كتبه فرانز فانون فيلسوف الثورة الجزائرية، من أن الثورات يتم سرقة إنجازاتها عبر هؤلاء المتعاونين مع قوي الاستعمار القديم أو الجديد. ولا أحد باستطاعته إنكار أن فيلسوف تدمير القطاع العام هو عاطف عبيد هذا الذي سهل مضغ إنجازات زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، ووضع تلك الإنجازات تحت ضروس طبقة شرسة، وتآكل جهد عزيز صدقي الذي رسم من خلال عهد جمال عبد الناصر خطة تصنيع مصر.
أتأمل وأقارن بين جهد زكريا محيي الدين وابن شقيقه محمود محيي الدين. فزكريا أتاح عشرات الملايين من فرص العمل عبر التصنيع، ومحمود محيي الدين استمر في تنفيذ سياسة عاطف عبيد في بيع عظام الكرامة المصرية حين عرض علي سبيل المثال لا الحصر بيع عمر أفندي، تلك المأساة التي مازالت تراوح مكانها كحكاية تنازل عن شركة كانت تكسب؛ فصار من عملوا في بنائها جوعي ومشردين. وهو من حاول بيع شركة الحديد والصلب لمن كان يتلمظ علي كل موقع يمكن مصمصة عظام من بنوه، وهو أحمد عز.
هل ما أكتبه الآن هو ممارسة لرياضة تسجيل المواقف، بدعوي أني كتبت وقلت وفعلت؟ طبعا لا.
لأن هناك غيري كتب وهناك غيري قد قام بالتنبيه، ولكن آذان القادة كانت بعيدة وتصر علي أن تسمع فقط هتاف من يمجدونها، حتي جاءتهم الطامة الكاشفة؛ تلك الطامة التي انفجرت بغرور أمين التنظيم السياسي السابق أحمد عز، الذي شاء أن يهزم إرادة المصريين بتلك الانتخابات الهزلية، وكأنه قد توهم أن باستطاعته أن يجعل عظام المصريين مثل كرسي الحمام الذي كان يضعه ليصعد عليه أثناء قراءته لبيانات الكمبيوتر المخاتل، ووقع الرجل فريسة غرور صاعق عندما سمح لنفسه علي مستواه الشخصي أن يقوم بتعيين رجال مهمتهم مساعدته في ارتداء حذائه حين يخرج من صلاة العيد. وكان عمي البصيرة السياسي هو من جعل الجميع لا يرقبون أيدي غرقي عبارة السلام في البحر الأحمر، تلك الأيدي التي خرجت من البحر الأحمر لتدخل أي صندوق انتخابات حقيقي، ولم يستمع أحد إلي همسات أصوات الغرقي وهي أيادي من تجمعوا عند خروج أحمد عز من المحكمة في بوكس الشرطة كي تهز السيارة وكأنها العبارة التي ستغرق به، ولكن الشرطة أنقذته من الغرق في دمائه قبل أن تتم المحاكمة لنري فيها تفاصيل ماجري منذ أن دخل هو وعصابته إلي المواقع الحساسة التي تفننت في نهب ثروات هذا البلد المنهك. ولا أدري هل ستتم محاكمته بأنه كان واحدا من الذين وقفوا وراء دفع عشرات الشباب إلي التحرش بالبنات أثناء أيام الأعياد، حين استولي هو علي صناعة الحديد في مصر المحروسة، وصار العثور علي شقة من غرفة واحدة هو أمر يشبه انشقاق السماء عن ليلة القدر. ولذلك لم يكن للعيد معني عند المراهق إلا لمس جسد أي فتاة يراها في الشارع، فمادام العثور علي عمل شبه مستحيل، ومادام حلم بناء أسرة تم تحويله إلي أرقام مليونية في حسابات فريق أحمد عز وشركائه من عصابة النهابين للمال، فلماذا لا ينفجر الجنون الذي لا أخلاق له في شكل تحرش، أو في شكل زني المحارم الذي رصدته جمعيات أهلية في المناطق العشوائية، حيث يعتدي الأخ علي شقيقته أو الأب علي ابنته. ومازلت أذكر حكاية عم إبراهيم الذي مات وهو يتبول علي نفسه بعد أن شاهدته ابنته المراهقة وهو في حالة ممارسة لعلاقته الحميمة مع أمها وعندما حاول أن يتظاهر بالنوم طالبته أن يستكمل ما كان يفعله، فهي تعلم احتياجات كل رجل، كما علمها صاحب المحل الذي يمنحها عشرة جنيهات كلما سمحت له باحتضانها، وأنها اشترطت عليه أن يحافظ علي عذريتها. وهنا راح الأب يصرخ ويبكي ويضرب البنت إلي أن صحبته أسرته مستشفي الحسين الجامعي، ومنه إلي مصحة عقلية ليموت هناك.
أري وجوه من قادوا «صباح الخير» التي علمتنا خلال الخمسة والخمسين عاما أن نكون أنفسنا وأن نرصد الواقع، لا بغرض تسجيل المواقف ولكن بغرض امتلاك القدرة علي رصد أي جزء من الحقيقة.
ها هي ملامح محمود السعدني تعود إلي ذاكرتي ضاحكة من فرط توقعه لما حدث. وها هي ملامح العم حسن فؤاد تضيء سماء الذاكرة لتعلمنا أن الإنسان لا يعيش بالهتاف ولكن بالقدرة علي الإبداع.
ها هي طاقة لويس جريس - أطال الله عمره وحفظه - تذكرنا بما استطاع أن يوصينا به كل أسبوع بأن يكون الواحد منا قابلا للتعلم.
ها هي قدرة رءوف توفيق ترنو إلي ما شاهدته من أفلام سينمائية، وما كتبه من مقالات عن ضرورة انتصار الصحيح علي الخطأ تؤكد أننا لم نضل الطريق.
وها هي خطوات الأبناء ترحب عبر جيل جديد لم يرفض سطرا عبر السنوات لكاتب أو محرر، وإن كانوا يرصدون حقيقة كشف الحقائق دون صدام قد يطيح بالمجلة، كما حاول الرئيس السادات من قبل.
حرص رشاد كامل أن يرصد التاريخ ويغرق في تفاصيله ليعود لنا حاملا أسرارا وأسراراً.
أما محمد عبدالنور الذي يقود سفينة صباح الخير التي تحمل أجيالاً متعددة، فأشهد له أنه من طبق ما أوصانا به كامل زهيري بأن ينشر كل ما يتم إعداده من مقالات أو أخبار أو وقائع، فليست مهمتنا الصدام ولكن مهمتنا الكشف.
أما أنت ياجمال كامل، فها هو حلمك يعود إليك بأن تظل صباح الخير نبضا شابا، وها أنت يا عبدالغني أبوالعينين الذي وضعت بعضا من ملامح كل من روزاليوسف وصباح الخير، ها هي ضحكتك تجلجل في خيالي، وأنا أحدثك في أيام مرضك الأخير بأن مصر قد تقوم بتسميم من يحاول مضغ مستقبلها.
ليست السطور السابقة إبراءً لذمة أو إنكاراً لجهد أو محاولة للحصول علي براءة ما، فليس منا من يقدر علي عمل سياسي، فقط نحن نعيش كما قال الطيب صالح السوداني الجليل مثل «سالم» حادي القوافل وقائدها والذي يحاول استكشاف طريق للقافلة أثناء ليل الصحاري المترامية الأطراف.
عشنا هذا الدور عبر أجيال بدأت من عام1956 وحتي الآن، عشنا دوامة حب وعشق صاف لا نتلمس براءة منه أو شفاء لأنه يجري في شرايين حياتنا كما تجري دماء الحفاظ علي حياة أي منا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.