هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    سعر الذهب اليوم السبت 4-10-2025 بعد الارتفاع الكبير بالصاغة.. عيار 21 الآن بالمصنعية    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    أول تحرك من الرئيس الفلسطيني بعد قبول حماس خطة ترامب ووقف إسرائيل عملياتها بغزة    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    «شغلوا الكشافات».. إنذار جوى بشأن حالة الطقس: 3 ساعات حذِرة    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    وسائل إعلام فلسطينية: إصابة شابين برصاص الاحتلال خلال اقتحام قلقيلية واعتقال أحدهما    مصرع فتاة وإصابة آخرين في حادث تصادم سيارة بسور خرساني بمنشأة القناطر    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    اليوم.. إعادة محاكمة شخصين في خلية بولاق الدكرور الإرهابية    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    اليوم، الهيئة الوطنية تعلن الجدول الزمني لانتخابات مجلس النواب    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    موعد امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل.. التعليم تحدد تفاصيل أول اختبار شهري للطلاب    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    "حماس" تصدر بيانا هاما ردا على خطة ترامب-نتنياهو.. ومحللون: رد ذكي وشامل    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم يكن شعارهم حاكم غشوم خير من فتنة تدوم:
ثورة المصريين علي الحكام الظالمين
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 07 - 2013

'لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة وهادمي الأمم.. وما أتي عليهم قادم بخير إلا إلتقموه كم تلتقم الأم رضيعها.. وما أتي عليهم قادم بسوء إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب.
. وهم أهل قوة وصبر وجلد وحمل.. ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج علي رأسه.. وإن قاموا علي رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه.. فأتقي غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم.. وأنتصر بهم فهم خير أجناد الأرض'.. هذه كانت وصية الحجاج ابن يوسف الثقفي للقائد الأموي طارق بن عمرو.. تلخص طبيعة هذا الشعب المصري الوطني الذي يثور ضد كل ظالم متجبر.. ولم يكن قتلا بإراقة الدماء.. ولكنه قتلا بإبعاده عن كرسيه.. وهذه لمحات من ثورات هذا الشعب...
سنوات حرب وبلاء وثورة علي بيبي الثاني
'هذه سنوات حرب وبلاء'.. هذا ما كتبه الحكيم المصري' إيبوور' ليصف لنا ما آلت إليه الأمور في عهد الملك بيبي الثاني الذي حكم94 عاما وشهد نهاية حكمه ثورة ضخمة, فقد ضعفت الحكومة المركزية في عهده بسبب شيخوخته, وزاد سلطان حكام الأقاليم وزادت ثروتهم وزادت الأعباء علي كاهل الحكومة وتعطلت المصالح واشتدت المظالم مما أدي إلي قيام ثورة علي الظلم وعلي الحكم وحتي علي الآلهة وقد صور نتائج هذه الثورة في أواخر الأسرة السادسة' إيبوور'
ويصور لنا إيبوور ما وصلت إليه الأمور في نصوصه التي ترجمها الدكتور عبد المنعم أبو بكر مثلما وردت في كتاب تاريخ وحضارة مصر القديمة للدكتور سمير أديب:
ما هذا الذي حدث في مصر.. إن النيل لا يزال يأتي بفيضانه.. وليس هناك من يقوم بحرث حقله.. لماذا حقا أصبح الفقراء يمتلكون الكنوز.. إن من كان لا يملك نعلا أصبح الآن من الأثرياء.. لماذا أصبح الموتي يدفنون في النهر.. إن النهر أصبح جبانة وجعل الناس منه مكانا للتحنيط.. لماذا حقا عم الحزن الأشراف.. بينما ساد الفرح والسرور الفقراء.. لماذا حقا انتشرت القذارة في البلاد؟.. ولم يعد لمصري ثوب أبيض اللون في هذه الأيام.. لماذا حقا قد اختفي الضحك من البلاد.. لقد حل محله العويل والبكاء.. لماذا حقا ضرب بقوانين البلاد عرض الحائط.. وأخذ الناس يطأونها بأقدامهم.. انظر كيف أصبح نساء الأشراف متسولات.. ومن لم يمتلك خرقة ينام عليها أصبح اليوم وهو صاحب سرير.
ويوجه اللوم إلي الملك قائلا.. لديك الحكمة والبصيرة والعدالة.. ولكنك تترك الفساد ينهش البلاد.. الحقيقة أنك أوصلت البلاد إلي هذا الدمار.. والحقيقة أنك تتفوه كذبا
وكانت نتيجة تلك الثورة أن سقط الحكم وكان هناك ذبح لكبار الموظفين والمسئولين, وانتشرت العصابات, وانتشرت السرقة والنهب, مما أدي في نهاية الأمر إلي سقوط الأسرة السادسة بعد فترة قليلة.
ثورة طيبة وقتل الوصي
كانت طيبة هي قلعة ثورات المصريين ضد ظلم الحكام البطالمة وأعوانهم, فعندما تولي بطليموس الخامس الحكم في عصر البطالمة كان مازال طفلا, وكان' أجاتوكليس' الوصي علي الملك والمتحكم في البلد, وسيطر أجاتوكليس علي مصر بكل ظلم, وكان الشعب ينتظر من يقود قيادة ضده, إلي أن ظهر القائد' تليبوليموس', واندلعت الثورة, وكانت نظرية المؤامرة تسيطر علي الوصي, فقد قبض علي أشخاص ظن أنهم علي اتصال بالقائد الثائر, ولاقوا التعذيب للاعتراف بوجود مؤامرات عليه, وقام الجنود بمحاولة الوصول إلي الملك, وشعر' أجاتوكليس' بالخطر, فأعلن استعداده للتنازل عن وصاية الملك وسلطته هو وأقاربه وكل ما يملك مقابل حياته. ولكن الشعب رفض, وطالبوا بالقصاص من المجرمين, وبدأت مذبحة انتهت قتل' أجاتوكليس'.
ثم قام الشعب بتعيين' تليبوليموس' وصيا علي الملك, ولكنه كان ظالما وإداريا فاشلا في تصريف أمور الدولة, واستولي علي الأموال من خزانة الدولة, وأهمل إدارة شئون البلاد, وفقدت مصر أملاكها في الخارج, فثار الشعب من جديد وتم عزل هذا الوصي, وتم تعيين أوصياء جدد إلي أن تم تتويج بطليموس الخامس ملكا فرعونيا, وأرسل الملك جيشا ضد الثوار لمحاصرتهم وأعطي الملك الأمان للثوار فاستسلموا ولكنه غدر بهم وأعدم بعضهم لتعود الثورة من جديد بصورة أقوي لدرجة إعلان استقلال طيبة, وتم القضاء علي الثورة بصعوبة, ولكنها اندلعت في الدلتا, واضطر القصر الملكي إلي إلغاء الضرائب القائمة وصدر عفوا شاملا عن الجنود المصريين الذين انضموا إلي الثورة, ومنح كهنة أمون امتيازات جديدة, وأعطي بعض المصريين مناصب عليا في الجيش والإدارة.
الوالي المعزول
تسببت ثورات المصريين في عزل العديد من الولاة في العصر العباسي, ومنهم حنظلة بن صفوان, والذي ثار ضده أقباط مصر فحاربهم وهزمهم, ولكن الثورة لم تنته إلي أن تم عزله, وهناك أيضا حسان بن عتاهية التجيبي والذي ثار عليه الجند وعزلوه بأنفسهم, واعترض أهل مصر علي ولاية حنظلة مرة أخري ومنعوه من دخول البلد وحاربوه وهزموه, وهناك أيضا الحوثرة بن سهيل الباهلي الذي ما إن وصل مصر إلا وأجمع الجند وأهل مصر علي منعه من الدخول ولكنه دخلها رغما عنهم, وبعث حوثرة في طلب رؤساء مصر فجمعوا له فضرب أعناقهم, ولكن لم تهدأ الأوضاع في البلاد إلا عندما عزله مروان بن محمد.
قتل شر ملوك مصر
تولي الولاية علي مصر في العهد العباسي الوالي موسي بن مصعب سنة167 ه, ولم يتحمله الشعب سوي عشرة أشهر, فقد ثاروا عليه لظلمه, فقد عرف بتشدده مع الناس, وزاد الخراج علي كل فدان الضعف, وفرض ضرائب علي الأسواق والدواب وارتشي في الأحكام, فثار الشعب عليه, وخرج لقتالهم فقتلوه, فهي من أشهر ثورات أهل مصر ضد الولاة في العصر العباسي, ويقول المؤرخ ابن تغري في كتابه' النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة'( كان موسي هذا من شر ملوك مصر, كان ظالما غاشما, سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته' إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها' فقال الليث: اللهم لا تقه منها)
ثورة البشموريين تهز الخلافة
تعتبر ثورة البشموريين من أكبر وأشد الثورات في عصر الولاة, وكانت في فترة حكم الخليفة المأمون, وبالرغم من أن البعض صورها علي أنها ثورة دينية قام بها الأقباط ضد المسلمين إلا أن المؤرخين يجمعون علي أنها كانت ثورة اجتماعية ضد ظلم الوالي عيسي بن منصور وشارك فيها مسلمون, حيث أنه ضاعف ضريبة الأرض الزراعية' الخراج' وكذلك الجزية عشرات المرات مما دفع بأقباط مصر إلي أن يقوموا ببيع أبنائهم حتي يستطيعوا دفع الضرائب وأمام هذا الظلم لم يجد البشموريون أمامهم سوي الثورة.
وأهل بشمور كانوا في شمال الدلتا وبالتحديد في تلك المنطقة الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد وكانوا يعملون في إنتاج ورق البردي وصيد الأسماك إلا أن ظلم الوالي' عيسي بن منصور' كان سببا في حرق منازلهم وكنائسهم بل القضاء عليهم, وكان الوالي يرغمهم علي دفع الجزية, ولاقوا التعذيب, وتم سجنهم وضربهم, وقتل منهم أعداد كبيرة, فأعلنوا الثورة علي الوالي وقاموا بطرد عمال الدولة ورفعوا راية العصيان ورفضوا دفع الجزية وتواصلت الاحتجاجات إلي أن عم الغضب جميع أنحاء البلاد وأمام هذا الغضب تنصل الخليفة العباسي المأمون مما فعله واليه, ولكن عندما شعر بخطورة الثورة أرسل أخاه المعتصم علي رأس جيش قوامه أربعة آلاف جندي لإخمادها, ولكن لم يهدأ أهل بشمور مما اضطر المأمون إلي إرسال جيش آخر بقيادة' أفشين التركي' ولكنه فشل هو الآخر في إخماد الثورة واضطر المأمون أن يزحف من بغداد إلي مصر علي رأس قوة حربية لإخماد الثورة التي فشل في إخمادها كل قواده وقام باستدعاء الأنبا ديونيسيوس البطريرك الأنطاكي والأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط, وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد الثورة فكتب البطريرك يوساب خطابا إلي البشموريين حاول أن يقنعهم بعدم قدرتهم علي مقاومة الخليفة بالسلاح وأن ينصرفوا عن عزمهم في مواصلة الحرب ولما اتضح أن هذا الخطاب لم يؤثر فيهم, أرسل لهم الخطاب تلو الخطاب ملحا في رجائه, غير أن البشموريين عقدوا العزم علي مواصلة الثورة حتي لو كلفهم الأمر فناءهم وانضم إليهم الفلاحون العرب المسلمون الذين استقروا في مصر, فأخذوا يصنعون الأسلحة لمحاربة الخليفة علانية, فدارت الحرب الضارية بين جيش المأمون وأهل بشمور كان نتيجتها تدمير مساكن البشموريين وهدم كنائسهم وحرقهم وقتلهم ولما رأي المأمون كثرة القتلي أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم ثم سافر ما تبقي منهم إلي أنطاكية وكان عددهم ثلاثة آلاف مات معظمهم في الطريق أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد, وعلي الرغم من فشل الثورة في الوقوف أمام كل هذا العذاب إلا أنها سطرت
ثورة جياع.. والعسكر يعزل الوالي
في كتابه' عجائب الآثار في التراجم والأخبار' روي الجبرتي ما حل بمصر وفقراءها سنة1107 ه وحدوث ثورة جياع, وقال' اجتمع الفقراء والشحاذون رجالا ونساء وصبيانا وطلعوا إلي القلعة, ووقفوا بحوش الديوان,وصاحوا من الجوع فلم يجبهم أحد, فرجموا بالأحجار, فركب الوالي وطردهم', فنهبوا مخازن الغلال الحكومية, وأضاف الجبرتي' وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها, وحضرت أهالي القري والأرياف, حتي إمتلأت منهم الأزقة, واشتد الكرب حتي أكل الناس الجيف, ومات الكثير من الجوع, وخلت القري من أهاليها, وخطف الفقراء الخبز من الأسواق, ومن الأفران, ومن علي رؤوس الخبازين, ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطب وبأيديهم العصي, حتي يخبزوه بالفرن, ثم يعودون به', واستمر الوضع إلي أن تم عزل علي باشا والي مصر
ثم تولي الحكم الوالي الجديد إسماعيل باشا.. ويقول الجبرتي' ولما استقر في الولاية ورأي ما في الناس من الكرب والغلاء, أمر بجمع الفقراء والشحاذين, وأمر بتوزيعهم علي الأمراء والأعيان, كل إنسان علي قدر حاله وقدرته, وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبا, وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء, إلي أن انقضي الغلاء, وأعقب ذلك وباء عظيم, فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء, فصاروا يحملون الموتي من الطرقات, ويذهبون بهم إلي مغسل السلطان إلي أن انقضي أمر الوباء في آخر شوال'.
لم تكن سيطرة الوالي علي أزمتي الغلاء والوباء آخر مآثره, فمع مرور الأيام أخذت مآثره تتوالي, فأكبر له الناس مثلا قيامه بالقبض علي شيخ اسمه محمد الزرقاني كتب حجة وقف مزورة, وأمر الوالي بحلق لحية الشيخ الزرقاني وتشهيره, ثم أمر بنفيه إلي جزيرة الطينة, وأبهرهم قيامه بمحاسبة باشا إسمه علي المنفصل تهرب من أداء الضرائب, فتم تشميع منزله وبيع ممتلكاته, ولهج الناس بالثناء علي الوالي عندما قام في يوم ختان ولده إبراهيم بالتكفل بمصاريف ختان2336 غلام من أبناء الفقراء وأمر لكل غلام بكسوة كاملة ودينار, ومع توالي قراراته العادلة الحكيمة ظن الناس أنهم وجدوا أخيرا حلمهم في حاكم عادل يدوم عدله إلي الأبد.
لكن الوالي تغيير في سياساته بعد ذلك, بناءا علي نصيحة مدير إدارة ضرب النقود الذي كان يهوديا اسمه ياسف, واستطاع أن يقنع الوالي بخطة جديدة يقترحها لزيادة ما يتم تحصيله لخزينة الدولة, فأشهر الوالي النداء بالقرارات الجديدة في شوارع مصر, ويقول الجبرتي' فاغتم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلي الأمراء وراجعوهم في ذلك, فركب الأمراء وطلعوا إلي القلعة وفاوضوا الباشا فجاوبهم بما لا يرضيهم, فقاموا عليه قومة واحدة, وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع عن تسليمه', وتصاعد الخلاف بين الوالي وأركان دولته الذين كانوا أكثر إدراكا منه لغضب الشارع, وبعد شد وجذب قرر الوالي أن يضحي بمساعده فيضعه في الحجز امتصاصا للغضب, لكن مطالب الشارع كانت قد تصاعدت بسبب تأخر الوالي في اتخاذ القرار, ويضيف الجبرتي' وفي ثالث عشر رمضان قامت العساكر علي ياسف اليهودي وقتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة, وقامت الرعايا فجمعوا حطبا وأحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة', ويضيف الجبرتي' قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة إسماعيل باشا سنتين'
يا رب يا متجلي.. إهلك العثمانلي
تتوالي ثورات المصريين التي لم تنقطع في أي عهد سواء ضد الحاكم أو الغازي, وتصل إلي جولة أخري من ثورات لخلع الحاكم, وذلك بخلع أحمد خورشيد باشا الوالي التركي سنة1805, الذي يستقدم معه أفراد حراسته من الجنود الذين يثيرون الرعب في قلوب أهل القاهرة بسبب فظائعهم, كما أغلقت المحال وانتشرت الفوضي بعد أن بدأوا يقتحمون المنازل ويغتصبون النساء ويخطفون الأطفال, فتجمع الأهالي يخرجون وجها لوجه لمواجهتهم, ويتمردوا علي خورشيد باشا, وكان أشهر هتاف في هذا العصر' يا رب يا متجلي.. إهلك العثمانلي', و' الظالم يرحل', وتركزت زعامة الثورة في السيد عمر مكرم نقيب الأشراف, والشيخ عبد الله الشرقاوي وأحمد المحروقي كبير تجار القاهرة, وألتف الشعب حولهم لعزل خورشيد باشا, وتلبية مطالب الشعب التي تمثلت في رفع المظالم عن الشعب وعدم جباية أموال جديدة, وأن يقيم الجنود في الجيزة بعيدا عن العاصمة ولا يسمح لهم بدخول القاهرة حاملين أسلحتهم, وفتح طرق المواصلات بين القاهرة والصعيد.
وقال الجبرتي' حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالا إلي الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من الدالاتية الذين أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهرا, ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضا, ولم يستطيعوا التخلص منهم إلا بتسلق ونط من الحيطان, وركب المشايخ وصعدوا إلي القلعة حيث مقر خورشيد باشا وشرحوا له الحالة المتردية التي تعيشها البلاد والعباد فكتب فرمانا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلي أصحابها فلم يمتثلوا, وخاطب المشايخ الوالي العثماني أحمد باشا خورشيد مرة أخري وأخبروه بعصيان الدالاتية فقال أنهم سيسافرون بعد ثلاثة أيام, لكن المشاكل ازدادت ولم تتوقف أعمال السلب والنهب, فاجتمع المشايخ يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرج الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلي الباشا فأرسل مبعوثا إلي الأزهر لكن المشايخ كانوا قد انتقلوا إلي بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم, فذهب إلي بيت الشيخ الشرقاوي وحضر السيد عمر أفندي مكرم وغيره فكلموه ثم انصرف وعند خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه, وفي الأحد الثاني عشر من صفر ركب المشايخ إلي بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتي امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا قائلين شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم وهتف الأولاد يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثمانلي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك, وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع, فحضر الجميع واتفقوا علي كتابة عرضحال بالمطالب الشرعية ففعلوا ذلك'
ولكن الوالي يرفض مطالب الشعب, وعندها يقرر زعماء الثورة طرده من منصبه وتولية محمد علي مكانه, ووفقا لرواية المؤرخ الرافعي فقد التقي السيد عمر بمستشار خورشيد( عمر بك) فوقع بينهما جدال قال فيه البك: كيف تنزلون من ولاه السلطان عليكم؟ وقد قال الله تعالي: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم, فأجابه السيد مكرم العالم الأزهري: أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل, وهذا رجل ظالم, حتي السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه, فقال عمر بك: وكيف تحاصروننا وتمنعون عنا الماء والطعام وتقاتلوننا؟ أنحن كفرة حتي تفعلوا معنا ذلك؟ فأجابه الأزهري الوسطي: لقد أفتي العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم لأنكم عصاة..
ويصف الجبرتي ما حدث' تمنع محمد علي أولا ثم وافق بعد إلحاح فأحضروا له( كركا) وعليه قفطانا, وقام السيد عمر مكرم والشيخ عبد الله الشرقاوي فألبساه له وقت العصر ونادوا به في المدينة, ولكن خورشيد باشا رفض اعتزال الحكم فحاصره محمد علي والجند الألبان في القلعة ليظل سجينا, وعاشت مصر حالة من الفوضي, حتي أصدر السلطان فرمانا في9 يوليو1805 فاضطر خورشيد إلي مغادرة القلعة وحكم محمد علي بإرادة الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.