لا شك أن نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية, والتي سيطر عليها تيار الإسلام السياسي متمثلا في حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين, فقط, بل ومن جانب شريحة كبيرة من المجتمع وبخاصة الشباب, الذين استمعوا إلي تصريحات العديد من قيادات التيار الديني عبر وسائل الإعلام المختلفة, معظمها يرفض الدولة المدنية بمفهومها الشامل, ويدعو للدولة الدينية. إلي جانب ما صرحت به بعض القيادات السلفية ضد المسيحيين, مما أدي لوجود حالة من الاضطراب في نفوس الكثيرين منهم داخل مصر وخارجها. نعمل أن مستقبل المسيحيين في مصر مرتبط ارتباطا كليا بمستقبل مصر بمسلميها ومسيحييها, فمستقبل مصر هو مستقبل الأجيال الحالية والقادمة التي تمثل الحاضر والمستقبل. ولو نظرنا إلي خريطة الانتخابات البرلمانية اليوم نجد أن تيار الإسلام السياسي يتصدر المشهد, يليه التيار الليبرالي ممثلا في عدد من الأحزاب مثل الكتلة المصرية, والوفد, وغيرهم. هذه الأحزاب ومعظمها حديثة العهد لم تستطع أن تجد لها موقعها مناسبا علي الخريطة السياسية, عكس الإخوان المسلمين الذين نجحوا طوال عشرات السنوات السابقة وفي ظل القبضة الأمنية الحديدية عليهم, أن يتواجدوا وسط الساحة وأن يقدموا لشرائح بعينها من المواطنين الدعم المالي والإجتماعي, وهو لاذي فتح أمامهم أبواب البرلمان علي مصرعيها. أما التيار السلفي والذي تعد نتائجه حتي الآن مسار دهشة الكثيرين, فقد نجح باستخدام لغة الدين وبخاصة وسط الطبقات الشعبية والفقيرة في الوجه البحري, أن يحتل المرتبة الثانية بالمشاركة مع التيار الجهادي, ليشكلوا معا الصف الثاني من صفوف التيار الإسلامي. أما عن مشاركة المسيحيين, فلم يطرأ عليها جديد من حيث نتيجة العضوية, ولكن أتوقع مع إعلان نتائج القوائم أن يكون لهم تمثيل أفضل من الأعوام السابقة. ولو نظرنا إلي الخريطة البرلمانية للمسيحيين في مصر نلمس أن أحداث ثورة1919 تجلت فيها مظاهر الوحدة الوطنية في الحركة المشتركة للأقباط والمسلمين. حيث كانت القيادة الوطنية بزعامة سعد زغلول واعية منذ البداية من أهمية موضوع الوحدة الوطنية والتي باركها ودعمها الشعب كله والتي أفرزت شعارات تقدمية مثل الدين لله والوطن للجميع عاش الهلال مع الصليب حيث شارك الأقباط في الحياة السياسية بقوة ووطنية خلال هذه الفترة, والتي يمكن اعتبارها من أزهي فترات الوحدة الوطنية. حيث كان المرشح القبطي في دوائر كلها مسلمين وكان ينتخب بصرف النظر عن ديانته. فهكذا وجود الأقباط فعالا علي الساحة السياسية. فكانت فترة تاريخية خصبة من حيث اختفاء التمايز الديني وبناء الدولة العلمانية وتقلص دور الدين علي الساحة السياسية إلي أن قامت جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن البنا بالمطالبة بالحكم الديني في مصر ورغم هذا تصدي له الوفد ورفض هذا المطلب الديني وانتصر المجتمع المدني الديمقراطي حتي قيام ثورة32 يوليو.2591 أما عن وضع الأقباط بعد الثورة: فيلاحظ المعاصرون أن عهد عبدالناصر لم يحدث فيه أن أثيرت الفتن الطائفية بالكم الذي حدث في العصور المتتالية. وعلي الرغم من أن ثورة يوليو2591 قامت علي تنظيم سري بحت للضباط الأحرار ولم يكن ضمنه أي قبطي ينتمي إلي الصف الأول. لكن رحب الأقباط شأنهم شأن بقية أبناء الشعب بقيام الثورة. وحينما ألغي عبدالناصر الأحزاب السياسية في يناير3591 مستثنيا جماعة الأخوان المسلمين. لم يعد من الممكن لأي قبطي أن يرشح نفسه للانتخابات أن ينجح مادامت لا توجد أحزاب يستند إليها. ولهذا ابتكر عبدالناصر ابتكارا جديدا لم يمارس من قبل طوال الحياة البرلمانية في مصر منذ القرن التاسع عشر فابتكر أسلوب تعيين الأقباط من مجلسي الشعب والشوري. فقرر إداريا قفل عشر دوائر اختيرت بدقة حيث التواجد القبطي محسوس وملحوظ وذلك بأن قصر الترشيح علي الأقباط وحدهم. وظل هذا المبدأ معمولا به إلي أن أعطيت سلطة تعيين عشرة أعضاء لرئيس الجمهورية. وحينما اصطدمت جماعة الإخوان المسلمين مع رجال الثورة بسبب التنافس علي السلطة, أراد عبدالناصر أن يزايد علي جماعة الإخوان بإعادة الدولة الدينية بعد نحو150 عاما علي ظهور المجتمع المدني في عصر محمد علي. كما راح يزايد عليهم تكتيكيا وذلك بإصدار عدة قرارات مثل: إنشاء جامعة الأزهر جعل الدين مادة أساسية في مختلف مراحل التعليم انشاء إذاعة القرآن الكريم وغيرها. ثم جاء عهد أنور السادات وهو ربيب وتلميذ الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين. وكان التيار الناصري واليساري شبه مسيطر علي البلاد وفي الجامعات والنقابات والأجهزة الأعلامية. الخ. وقد أراد السادات أن يضرب هذا التيار فارتمي في أحضان التيار الديني الأصولي وأفرح عن جميع المعتقلين الإسلاميين. وشجع علي إنشاء تنظيمات للجماعات الإسلامية للوقوف ضد التيارات اليسارية والناصرية. فبدأ السادات بتعديل الدستور المصري بأن أضاف إلي المادة الثانية من دستور سنة1791 الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. ولقد ساعد السادات الجماعات الإسلامية علي بسط نفوذها في الجامعات والنقابات وبدأت شكاوي الأقباط تتصاعد وبدأت بذور الفتنة الطائفية تنمو بمباركة السادات. وتبني السادات كل ما هو ديني ودعم هذا التيار الديني لحمايته وتحقيق أغراضه ودعم موقفه وإذا بالرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فقد هبت عاصفة التعصب ودمرت طاقم القيادة السياسية باغتيال السادات. ولا شك أن موقف السادات المتشدد في عملية بناء وترميم الكنائس وتطبيق الشروط العشرة والخط الهمايوني أدي إلي حدوث عنف طائفي أولها حادث حرق الكنيسة في الخانكة في نوفمبر.2791 وتشكلت لجنة برلمانية برئاسة المرحوم د. جمال العطيفي. وأصدر العطيفي تقريرا كان ضمن توصياته إصدار ثانوي موحد لبناء دور العبادة. وللعلم فان هذا التقرير الذي صدر عام2791 مازال حبيس الأدراج من مدارس الأطفال إلي أعلي مستويات الدولة واختفت شعارات الدين لله والوطن للجميع عاش الهلال مع الصليب وحل محله شعار الإسلام هو الحل. وهكذا انحدرت الأحوال في البلاد من الدولة لليبرالية الديمقراطية إلي الدولة شبه الدينية الثيوقراطية مهمتها نشر التعصب والكراهية بين أبناء الدوين الواحد. وفي عهد مبارك استمرت الفتن الطائفية. وأستمر الإعلام في مهاجمة المسيحية وإتهام المسيحيين بالكفر وكذا رأينا وضع الأقباط ينحدر منذ النصف الثاني من القرن الماضي أي منذ قيام ثورة يوليو2591 وهكذا وصل وضع الأقباط بعد أن كانوا شركاء في الوطن شركاء في القيادة السياسية متواجدين تواجدا مع اخوتهم( في الوطن) المسلمين في ظل النظام الليبرالي الديمقراطي منذ عصر محمد علي الكبير حتي32 يوليو.2591 ومنذ ثورة يوليو أصبح الأقباط علي هامش الحياة السياسية غير شركاء في الوطن بعيدين بل مستبعدين من المراكز القيادية وسلطات اتخاذ القرار مهمشين في كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلام والصحافة لآن سمة العصر هو الانتماء الديني قبل الانتماء للوطن. ختاما: أعيب علي وسائل الإعلام نشر تصريحات قادة التيار الديني, وبخاصة السلفي التي يهاجمون فيها المسيحيين ويتهمونهم بالكفر, ويؤكدون أن ما لا يعجبه أقوالهم عليهم بالخروج من الوطن. المزيد من مقالات نبيل نجيب سلامة