الدكتور محمد عبداللاه صاحب خبرة طويلة في العمل السياسي من خلال مشاركته لسنوات في الحزب الوطني المنحل.وفي ظل تصاعد الأحداث بعد ثورة25 يناير, عينه الرئيس السابق حسني مبارك أمينا عاما مساعدا للحزب, وأمينا للإعلام علي أمل تجميل صورة الحزب الوطني في الشارع المصري. إلا أن الأمور كانت قد وصلت لغايتها ولم يعد من الممكن الوقوف ضد التيار. علي أن ما يجب أن يقال وبكل أمانة هو أن الدكتور محمد عبداللاه هو أحد المخلصين للوطن, وقد عملوا طويلا لمصلحته, وأن له خبرته الطويلة التي يجب الاستفادة منها في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد. التقينا الدكتور محمد عبداللاه وكان هذا الحوار: ما رؤيتك وتقويمك للمشهد المصري حاليا؟ برغم أني آليت علي نفسي لفترة طويلة الابتعاد عن العمل السياسي, فإن من قرر مثلي الاعتزال يظل شخصا مهموما بالشأن العام كمراقب للأحداث أكثر منه ناشط بالمجال, وبحكم ممارستي في ذلك المجال, سواء بالعلاقات الخارجية, أو الشئون السياسية لمدة عشرين عاما, فأري أن مصر تمر بظروف إقليمية ومحلية صعبة وحرجة, والوضع المصري مقلق للغاية, ولدينا تحديات تواجه الأمن القومي المصري, منها مخاطر الوضع بسيناء التي اعتبرها قضية مهمة جدا, بالإضافة إلي قضية التحديات الخاصة بموضوع المياه والخاصة بالتنمية والحياة في مصر, إلي جانب كل ذلك هناك شعور عام بأن الأداء اليومي غير مرض, وذلك لأسباب عديدة, لأن الخدمات العامة من كهرباء ومياه وحال الطرق نفسها, والمرافق العامة, كلها في تدن, فمن غير المعقول أن يحدث كل يوم تعطل في السكك الحديدية, وحركة الطيران, وكل ذلك يجعل المواطن يشعر بضيق شديد, بالإضافة إلي أن هناك حالة غلاء غير مبررة, حتي إن حجة ارتفاع سعر الدولار التي أشعلت الدنيا بعدها, برغم أن هذا الارتفاع ليس له أي علاقة بالدولار من بعيد أو قريب, أما الأمر الأكثر أهمية الذي يحتاج لمواجهة حقيقية, فهو أمن المواطن. هذا كله بالإضافة إلي حالة التصارع بين مؤسسات الدولة الرئيسية, وتلك أمور يجب استيعابها, وكان يجب أن يتم ذلك مبكرا, لأنه من غير المعقول أن تكون هناك دولة تنطلق نحو البناء والتنمية في ظل صراع بين السلطتين التشريعية والقضائية. ذكرت الخلل والأزمات التي يعيشها المواطن, فهل تعتقد أن المسئول عنها هو النظام الحالي الذي تولي منذ عام, أما النظام السابق الذي قضي30 عاما في الحكم؟ إذا ظللنا ننظر للخلف فلن نتقدم للأمام أبدا, فكل الدول التي تقدمت نظرت لمستقبلها, لأنه يجب ألا يكون ما حدث من أخطاء في الماضي مبررا للتمادي فيها, أو لعدم معالجتها وعدم النهوض بالأمور. المشكلة في إدارة الأزمة. ذا كنت تري أن الأزمات لا يجب إلقاؤها علي النظام السابق, فهل تري أن مشكلاتنا الحالية تعود إلي عدم وجود رؤية وخطط لها؟ هناك مسائل معينة عندما نقيمها بموضوعية يمكن أن نحملها للنظام السابق, لكن هناك مسائل أخري المسئول عنها هي الجهات التنفيذية حاليا, حيث يجب أن تتعامل معها بحزم وليس من خلال الرؤية والخطة, لأنهما دائما يكونان للانطلاق, فكون توافر وتحسن في الكهرباء والسولار ومياه الشرب ليس هذا هو الانطلاق الذي يطمح إليه الناس بمرحلة جديدة عليهم, فالناس دائما تطمح للأفضل, إلا أننا الآن وصلنا إلي مرحلة نتمني فيها أن نثبت علي ذلك الوضع. إذن تري أننا نتراجع ولا نتقدم؟ طبعا.. هناك تراجع حتي علي مستوي تقديم وتوفير الخدمات للمواطنين, برغم أن تداركها لا يمثل مشكلة, ولكن يجب أن يكون واضحا أننا انتقلنا من مرحلة إلي مرحلة, ومن الجمهورية الأولي إلي الثانية, وذلك الانتقال لا يعني أن نستورد ناسا, فكل ما هو حريص علي البلد ومستعد أن يخدم بإخلاص وبجدية يجب استيعابه, فلا يمكن أن تكون هناك روح للإقصاء والتعميم, فإذا كان هناك منحرف, أن يكون الجميع كذلك, فهذا التعميم خطأ, وكذلك التخوين خطأ لجميع الأطراف, والأخطر أن البعض بدأ بطرح شعار التكفير لمن يختلف معه في الرأي. وهل تري أن هذه هي سياسة النظام الحاكم حاليا بأن يكفر من يعارضه؟ ليست سياسة النظام الحاكم, ولكنه المناخ السائد حاليا من الذين يعتقدون أنهم كذلك يخدمون النظام فيصنعون ويتصورون خصومات وهمية مع أطراف كثيرة قد تختلف في الرأي أو الرؤية, لكنها ليست في خصومة, فهناك فرق بين الاختلاف والخصومة, فأي مجتمع ديناميكي يجب أن يكون فيه رأي ورأي آخر قوي. هل تري أن النظام الحاكم والموالين له لا يستوعبون الرأي الآخر؟ هناك تناقض غريب, فرئيس الجمهورية منذ أيام قليلة كان يتحدث عن أزمة المياه, وتحدث بلغة تصالحية, وبعدها بأيام معدودات بمؤتمر تحت شعار نصرة سوريا وقف بعض الذين يرافقون الرئيس نعتوا ووصفوا كل من هو مختلف مع الرئيس بالكفر, فهل يتصور هذا الشخص أنه يخدم الرئيس؟! بالعكس طبعا, فهذا أسلوب ليس حضاريا, لأنه غير مستوعب لطبيعة الاختلاف وحرية إبداء الرأي, فمن حقهم المطالبة بعدم العنف والتظاهرات السلمية, لكن ليس من حقهم اتهام الناس, فهذا يؤجج المشاعر ويزيد حالة الاحتقان. حالة الاستقطاب التي نعيشها من المسئول عنها؟ هل هو النظام الحالي أم المعارضة التي لم تتفق حتي فيما بينها؟ لأول مرة في مصر في الفترة التي نعيشها, تحدث انتخابات رئاسية, والمجتمع في تلك الانتخابات انقسم إلي قسمين, وذلك يحدث في ديمقراطيات كثيرة جدا, وأري أن الانقسام في كثير من مكوناته شيء صحي, لكن يحتاج للاستيعاب للم الشمل. ماذا تعني بوجوب استيعاب الانقسام؟ كيف يحدث ذلك؟ الانقسام بدأ في مصر وقت انتخابات الرئاسة بحيث كان هناك فريق مؤيد وآخر معارض وهم الذين لم يصوتوا للرئيس وذلك لا يعني وجود خصومة لديهم معه ولكن لأنهم لم يروا لديه خطة واضحة لكي يقتنعوا بها. وكان الواجب علي من يأتي بهم الرئيس لإدارة البلاد أن يثبتوا الأداء الأفضل حتي يتم استقطاب من لم يؤيده من قبل ولم يمنحوه أصواتهم وكانت هناك فرصة ذهبية لدي الرئيس, أن يستوعب الجميع وذلك وقت الخلاف حول مواد الدستور فكان الأمر يستلزم عليه جمع رموز المعارضة والسياسة بمصر والتواصل معهم من خلال الحوار وعندما يصل الأمر لطريق مسدود بالحوار يكون الرئيس هو الحكم والفيصل ويتخذ القرار الحاسم لكي يجمع كل القوي السياسية حوله ولكن ذلك لم يحدث رغم أن الانفتاح علي القوي السياسية وتجميعها ليس بالأمر العسير. كيف تري تجميع القوي السياسية أمرا يسيرا مع اختلاف الرؤي في كل الأطراف؟ عسير في الوقت الحالي لأن الأمور اشتعلت ونحن في فترة نحتاج إلي تهدئة, الآن المناخ العام ساخن بالوقت الراهن الأمر الذي يستوجب علي المسئول إذا أجري تعديلا فيجب أن يكون من بين أهدافه أن يستعين بكفاءات لا تثير مشاكل بحيث يساعد التغيير والتعديل علي تهدئة الأجواء وليس اشعالها وهذا ليس عيبا. بماذا تفسر خروج التعديلات التي تشكل الأجواء وهل هي ناتجة عن ضيق افق أم متعمدة؟؟ رغم أني لست من هواة توزيع الاتهامات إلا أن المشكلة أن هناك من يوحي لمتخذ القرار أن التجاوب لرغبات الناس فيه ضعف منه وهذا ما عانينا منه في الفترات السابقة, رغم أن هذا يعود بالنفع علي منفذ القرار والوطن في نفس الوقت حيث انه يكسب أرضية وشعبية من الاستجابة لمطالبهم ورغباتهم مهما كانت نسبة هؤلاء المواطنين صغرت أو كبرت, لان ازدياد الشعبية للرئيس تساعده علي تنفيذ خطته في رؤيته للتنمية. هل تري أن المعارضة تسير في طريق سليم أم أنها ارتكبت أخطاء أسهمت في زيادة الأزمة بمصر؟ طبعا لدي المعارضة أخطاء لكن في النهاية الموضوع لم يصبح قصة المعارضة, لأن كثيرا من القوي المعارضة لم تعد هي تستطيع ان تتحكم في الشارع, فالمشكلة والمأزق الحقيقي الآن أنه يجب تهدئة المشاعر وتلك التهدئة تأتي من خلال استشعار المواطن, فالقصة الآن ليست المعارضة والأغلبية, بل هي استشعار المواطن بانه فعلا يحتاج لعمل واقعي ويري عجلة الإنتاج تدور ويشعر بأمنه يتحقق وليس مجرد إظهار لحسن النوايا, سيحل المشكلة. إذن أنت تري أن احتقان الشارع هو المحرك للمعارضة بالوقت الراهن؟ نعم الاحتقان الكبير بالشارع المصري الآن والمعارضة تستخدمه باللعبة السياسية وتقفز فوق تلك المشكلة رغم أن هذا متعارف عليه بالقواعد السياسية ولكن لاننا لم نعش فكرة المعارضة الحقيقية من قبل علي مدار حقب طويلة ولم نعتد أن تكون تلك الطريقة جزءا من تكتيك اللعبة وأن يحاول كل طرف أن يجذب إليه شرائح تستهدفها سواء كان من جانب المعارضة أو النظام, فالمعارضة تحاول أن تستفيد حاليا من الضيق المنتشر بالشارع ضد الأغلبية لكي تستثمرها لحسابها. لكن بماذا تفسر رؤية النظام والأغلبية بعدم وجود للاحتقان في الشارع؟ هذه المشكلة لانه لا يمكن أبدا لمتخذي القرار ان يهونوا من المشاكل التي يعيشها المواطن رغم أنه ليس مطلوبا تهويلها من قبل المعارضة, والمفترض علي المستشارين للقيادة ان يوصلوا الصورة كما هي للقيادة لكي يتداركوا الأمور ويصلحوا الأوضاع ولكن ما يحدث من عدم رؤية للواقع ذلك دليل اما علي غلق قنوات الاتصال مع الناس أو ان من يحيطون بالقيادة يعيشون بوهم, وذلك موجود ببعض نظريات الممارسة السياسية بأن المسئول عندما يقنع نفسه بان شعبيته انخفضت فسيؤدي لاصابته بالاحباط ولذلك يحاول اقناع نفسه بان شعبيته كما هي بل ازدادت. فالحقيقة والواقع يلزم تقييم الأمور والبحث عن أسباب الاحتقان وانخفاض الشعبية وبهذا يتمكن من أن يحتوي الأمور أما حالة الاقناع بان ما يحدث مجرد شائعات فهذا يعتبر تغيبا عن الواقع الذي يعيشه ما رأيك في الدعوات بانتخابات رئاسية مبكرة؟ لكي نضع الأمور في نصابها فإن الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة هي آلية من آليات النظام الديمقراطي, وهناك مثل لذلك ما حدث مع شارل ديجول بفرنسا عندما ساءت الأمور وتراكمت بعام8691 وحينها قرر ديجول حل البرلمان ودعا إلي انتخابات ورغم ذلك حصل علي أغلبية ساحقة بها, وهذا يظهر المعني الحقيقي للديمقراطية حيث سعي ديجول بنفسه لطلب الانتخابات المبكرة ونال وقتها احترام الجميع وكسب شعبية كبيرة من ذلك. فطرح فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة ليس معناه ارغاما للقيادة للقبول بها ولكن مجرد طرحها هو أحد أدوات الديمقراطية. ما المدة التي يحتاجها أي رئيس لكي ينجز ويشعر الناس بذلك؟ علي الأقل يحتاج الرئيس لعام لبدء ظهور نتاج لعمله بحيث يبدأ بالأمور التي يمكن تفعيلها في الأجل القصير لكي يشعر بها المواطن ومر عام بالفعل علي تولي الرئيس فهل هناك إنجازات تحققت من وجهة نظرك خلال تلك المدة؟ هناك مؤشرات معينة غير مرضية سواء كانت علي مستوي المجال الاقتصادي أو نقص الخدمات المقدمة للمواطن والتي ذكرناها من قبل والتي تعد الترمومتر للمواطن العادي والذي يهمه حل مشاكل حياته وهي الفيصل للرضاء من عدمه تجاه القيادة فالرأي العام حساس والشعب ناقد ودائما يري السلبية خاصة إذا ما كانت تمس حياته ومن يمارس السياسة لا يجب أن يغضب من ذلك.