لقد أكدت مبادئ الإسلام, حرية الإنسان في كل أفعاله وأحواله, وأباحت الشريعة تنظيم التظاهرات السلمية, واعتبرتها حقا مشروعا للجميع, وأجازت كل أنواع المعارضة السياسية ما عدا المعارضة المسلحة فقط, التي تحمل السلاح وتهدد أمن الشعب بالفوضي والاضطراب وانعدام الأمن وقطع الطريق, لا لكونها معارضة, بل لأنها بشهر السلاح تخرج عن دائرة المعارضة, وتصبح ممارسة عدوانية ظالمة تعرض الشعب للفتن والمخاطر, وأوجب الفقهاء تطبيق حد الحرابة علي من يروعون الآمنين ويحرقون الممتلكات. وفي ظل الدعوات إلي التظاهر, وانطلاق دعوات التهديد بين مختلف التيارات السياسية, حذر علماء الدين من المساس بالممتلكات العامة وأرواح المواطنين مؤكدين أن الدماء معصومة وأنها أشد حرمة عند الله من الكعبة. ويوضح الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن حق الاحتجاج السلمي هو حق مشروع لأنه من قبيل حرية التعبير عن الرأي من منطلق أن للشعب حقوقا تجاه الحاكم فمن حقهم أن يبدوا ملاحظاتهم عن أمور حياتهم وأن لهم حق النقد عندما تكون هناك أهداف ومصالح عامة للناس جميعا ولا تتحقق هذه المصالح, ومن هنا فإن حق الاحتجاج السلمي يأتي في إطار تحقيق مصلحة عامة وليس مصلحة خاصة لفئة أو فريق من الناس, كذلك ينبغي أن يتم الاحتجاج بطريقة سلمية لا يصحبها أو يقترن بها الاعتداء علي حق الطريق العام أو إيذاء المارة أو الاعتداء علي منشآت عامة أو ترويع المواطنين في الشارع أو في الأماكن العامة التي يتم فيها الاحتجاج السلمي, ومن المهم في هذا الصدد أن يكون هذا الاحتجاج بسبب وجود ملاحظات جوهرية واعتراضات مشروعة علي الحاكم, او لتصحيح مسيرة الحكم, إذا كانت هناك أخطاء تمس مصالح الناس أو تضر بهم لقول الرسول صلي الله عليه وسلم( لا ضرر ولا ضرار), لذلك من حق المواطنين أن يبدوا رأيهم في القضايا العامة وأن يطالبوا حاكمهم بالالتزام لتحقيق أهدافهم بغرض تحقيق أمان المواطنين ورفع الضرر عنهم وتحقيق مطالبهم المشروعة, وذلك لقول الرسول الكريم: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم. محاذير شرعية وأكد الدكتور الجندي أن للاحتجاج السلمي محاذير شرعية ينبغي أن تراعي عند ممارسة هذا الحق, مثل عدم المطالبة بتحقيق أهداف فئوية, أو أن يكون بغرض الوصول للحكم أو الخروج عن الشرعية, كذلك ألا يؤدي إلي مصادمات أو احتكاكات يترتب عليها سقوط قتلي أو جرحي لان دم المسلم وغير المسلم من أبناء الوطن معصوم بقول الله تبارك وتعالي: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون سورة الأنعام, وقول الرسول الكريم: كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه وألا يكون في هذا الاحتجاج قطع للطريق أو تعطيل العمل والمصالح العامة وإلا يكون من شأنه أن يؤدي إلي اقتتال وألا يكون لحساب جهة أجنبية أو بغرض إجهاض مصالح الناس وما اتفقوا عليه من أهداف من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية علي النحو الذي قامت عليه ثورة25 يناير المجيدة, خاصة في الوقت العصيب الذي تمر به البلاد, والذي نحتاج فيه إلي لم الشمل ورأب الصدع, والالتقاء حول مصلحة الوطن لتحقيق الأهداف العامة لحل المشكلات التي نعانيها. لا للمصالح الشخصية من جانبه أكد الدكتور عبدالفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, أن حق التظاهر السلمي كفله الإسلام إذا كان هناك ظلم واقع علي احد واستشعر هذا الظلم ولم تكن هناك وسيلة لرفع الظلم وتخفيف وقعه غير التظاهر والأدلة علي هذا كثيرة, ولهذا فإن التظاهر السلمي الذي لا يترتب عليه إتلاف الممتلكات أو تعطيل مرافق الدولة أو إزهاق الأرواح أو الاعتداء علي احد, ووفق ذلك فإن التظاهر مباح, ولا يوجد من فقهاء الأمة المعتبرين من يمنع حق التظاهر السلمي إذا كان قد توافرت له الضوابط سالفة الذكر يضاف إلي هذا أن بعض فئات المجتمع قد أصبحت تستشعر أن هناك ظلما فادحا, وان هذا الظلم لا يجد وسيلة لرفعه, ولا آذنا مصغية خاصة مع انشغال كل الأطياف السياسية لجني الكثير من المكاسب إذا فاز فصيل ما وتولي السلطة, ولهذا فإن الكثيرين يشعرون بمرارة الظلم الواقع عليهم وهؤلاء لا يجدون متنفسا لهم إلا الإعلان عن طريق التظاهر السلمي, وهذا حقهم الذي كفله الشرع والقانون إذا لم يترتب عليه محظورات شرعية. البعد عن العنف وأكد الدكتور رأفت عثمان, عضو هيئة كبار العلماء, أن حرية الإنسان في إبداء رأيه كفلها الإسلام بوصفها حقا من حقوق الأفراد والجماعات, وكما هو الشأن في كل الحقوق فإن ممارستها مشروطة بألا تضر بالآخرين, ولهذا لم يكن من حرية الرأي مثلا: الغيبة( أي ذكر الآخرين بما يكرهون) والنميمة( وهي الإيقاع بين الناس) ولا من حرية الرأي سب الناس والاعتداء عليهم بالألفاظ القبيحة والشتائم, ويستحق مرتكب هذه الأفعال العقوبة التي يقدرها الحاكم والمجتمع, وهي عقوبة( التعزير) وهي عقوبة غير مقدرة متروكة للحاكم والمجتمع لبعض الأفعال التي لم ترد عقوبة محددة لها في شريعة الإسلام كالحبس او الغرامة المالية, كما أنه ليس من حق أحد أن يتلف شيئا من ممتلكات الناس أو ممتلكات الدولة في أثناء الاشتراك في مظاهرة تعترض علي أي أمر وتطالب بأمر من الأمور, ومن الواجب شرعا أن تكون التظاهرات خالية تماما من أي عنف او إضرار بالآخرين وألا تؤدي إلي تعطيل مصالح الناس أو مصالح الدولة وإلا دخلت تحت نهي الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله( لا ضرر ولا ضرار). وأوضح الدكتور رأفت عثمان أن إبداء الرأي له وسائله المشروعة التي يمارس من خلالها كالصحافة والتليفزيون والندوات والكتب ونحو ذلك بالأسلوب العفيف البعيد عن التهجم علي الآخرين باللفظ الجارح أو بالكلمات المتضمنة للسخرية, لقوله تعالي: ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون.