يبدو أن تقرير اللجنة الثلاثية لتقييم آثار سد النهضة, وموافقة إثيوبيا عليها, سوف يفتح باب الأمل من جديد, حول إمكانية تخفيف مخاطر إنشاء سد النهضة الإثيوبي علي مصر, بعد أن أكد التقرير النهائي وجود أخطاء في تصميمات السد , و أوصي بإجراء تعديلات في التصميم الحالي, وكذلك تغيير وتعديل أبعاد وحجم السد قبل الشروع في التنفيذ, ووضع جدول زمني يوضح إيرادات نهر النيل علي مدي الأعوام ال60 عاما المقبلة, مع التأكيد علي ضرورة إجراء دراسات استكمالية للتأكد من سلامة وزيادة معدل أمان السد لإزالة المخاوف السودانية من احتمالات انهياره! ويبقي السؤال: ما هي التصميمات المطلوب تعديلها في عملية بناء السد؟.. وهل ستضمن التعديلات المطلوبة في المواصفات تأمين حصة مصر من مياه النيل؟ هنا يقول الدكتور مغاوري شحاته دياب خبير المياه العالمي إن التصميمات الأصلية لسد الحدود أو ما سمي فيما بعد بسد الألفية, وأخيرا أطلق عليه الإثيوبيون سد النهضة, تم وضعها بمعرفة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي عام1964( وهو جهة حكومية) بحيث تكون أبعاد السد ومواصفاته مناسبة, لتكوين بحيرة تقدر سعتها التخزينية بنحو11 مليار متر مكعب من المياه, ومن ثم قدرت دراسة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي ارتفاعه آن ذاك بنحو يتراوح بين40 مترا و45 مترا علي اقصي تقدير, وامتداد محدود يصل إلي نحو ألف متر.. وبشكل مفاجئ, تم تغيير التصميمات, كما تم تعديل مواصفات بناء السد, حيث قامت شركة إيطالية فيما بعد عام2005, بإعداد تصميمات جديدة للسد, عقب إعلان إثيوبيا عن خطتها لإنشاء4 سدود يأتي في مقدمتها سد النهضة, المقرر إقامته علي الحدود الإثيوبية السودانية, غير أن الشركة الإيطالية قامت بوضع التصميمات الجديدة وفق دراسات غير مكتملة, الأمر الذي دعا اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم آثار سد النهضة, للتوصية في تقريرها- بإعداد المزيد من الدراسات. وجاء في التصميمات الجديدة التي وضعتها الشركة الإيطالية لمشروع سد النهضة- والكلام مازال للدكتور مغاوري شحاته دياب- أن ارتفاع السد يقدر بنحو145 مترا, وبطول1850 مترا بغرض زيادة السعة التخزينية في بحيرة بين المنخفضات يصل طولها إلي60 كيلو متر أمام السد وبمتوسط عرض300 متر, بحيث تصل كمية المياه التي سيتم تخزينها إلي نحو74 مليار متر مكعب.. ومن ثم يجب العودة إلي التصميم القديم الذي وضعه مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي, بمواصفاته التي ذكرناها آنفا, وعلي الحكومة المصرية أن تتمسك بذلك بشدة لأن التصميم الحالي- والذي طالبت اللجنة الثلاثية بتعديله- سيفقد مصر نحو9 مليارات متر مكعب من التدفق المائي السنوي إلي مصر( تكفي لزراعة5,1 مليون فدان), كذلك تخفيض الفاقد الهيدروليكي لعامود المياه أمام جسر السد بمقدار15 مترا, ومن المعروف أنه كلما زاد ارتفاع المياه في بحيرة السد, كلما زادت القدرة علي توليد الكهرباء بفعل فارق المنسوب امام السد( في البحيرة), وخلف السد ايضا, الأمر الذي سيحقق معدلات أمان معقولة, ويقلل من احتمالية انهيار السد جزئيا وكليا بفعل الموجات الزلزالية أوالضغط الهيدروليكي علي جسم السد, أو بفعل عمليات النحر بالطبقات الموجودة أسفل منطقة السد. تأثيرات سلبية وتكمن بقية الآثار السلبية- والكلام مازال للدكتور مغاوري شحاته دياب- في أن السد سيحجز نحو74 مليار متر مكعب من المياه علي مرحلتين: الأولي هي مرحلة الملء حتي مستوي التوربينات التي سوف تستخدم في توليد التيار الكهربائي من خلال15 فتحة يتم تشغيلها بفتحها وإغلاقها طبقا لأسلوب إدارة السد, ومن ثم ستتحكم إثيوبيا في تحديد كمية المياه التي ستمر من خلال الفتحات, وهذه الكمية من المياه- وفقا لما ذكره المسئولون الإثيوبيون- والتي سيتم تجميعها علي مدي6 سنوات بواقع خصم12 مليار متر مكعب من الكمية المتدفقة نحو السودان ومصرسنويا, ستؤثر علي الاحتياجات المائية للبلدين, ناهيك عن التأثير الممتد خلال فترات التشغيل. والسؤال الآن: إذا لم تكن الدراسات التي اعتمدت عليها الشركة الإيطالية غير مكتملة, فكيف استطاع الخبراء المصريون تحديد مخاطر بناء سد النهضة علي مصر؟ - د. مغاوري شحاته دياب: الخبراء المصريون الذين أثاروا هذه المخاطر, ورصدوها يتحدثون من واقع بيانات حقيقية وواقعية من خلال الدراسات الجيولوجية والهيدروجيولوجية والمناخية, وغير ذلك من المحددات التي تم وضعها علي نماذج حسابية تمكنهم من التنبؤ بما هو محتمل من سيناريوهات تختص بتشغيل هذا السد في ضوء مواصفاته المعلنة, والآثار المحتملة له سواء كانت يجابية أو سلبية دراسات غير كافية والحال كذلك, يؤكد الدكتور عادل عامر الخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية أن الدراسات التي قدمها الجانب الإثيوبي بشأن السد لم تكن كافية لإثبات عدم الضرر علي مصر من بنائه, وهو ما دفع باللجنة الثلاثية إلي المطالبة بإجراء دراسات إضافية يقوم بها الخبراء الدوليون في اللجنة, وعددهم4 خبراء متخصصين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية, والأعمال الهيدرولوجية, والبيئة, والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود, مشيرا إلي أن تأثير السدود الإثيوبية علي مصر يتمثل في السعة التخزينية للسد وفي استهلاك المياه في الزراعات المروية, فكلما زادت السعة التخزينية وزادت المساحة المروية زادت الآثار السلبية. السعة التخزينية للسدود ستكون خصما من مخزون المياه أمام السد العالي الذي يستخدم لسد العجز المائي لايراد النهر في السنوات التي يقل فيها الإيراد عن قيمته المتوسطة, وبالتالي ستظهر- بعد إنشاء هذه السدود- ظاهرة الجفاف والعجز المائي في سنوات الفيضان المنخفضة كما كان الوضع قبل بناء السد العالي, أما المياه التي سوف تستخدم للري ستكون خصما مباشرا من حصتي مصر والسودان السنوية. والعنصر الثانوي الذي قد يؤثر أيضا في إيراد النهر ولكن بدرجة أقل كثيرا يتمثل في السياسة التشغيلية للسدود,وهو ما كشفته نتائج الدراسات المصرية الحديثة للسدود الأثيوبية أنه حتي في حالة قيام إثيوبيا بإنشاء هذه السدود وملئها خلال فترة40 عاما كاملة فإنها سوف تتسبب في حدوث عجزا مائيا لدولتي المصب أثناء سنوات الملء وأن هذا العجز سوف يحدث مرة علي الأقل كل4 سنوات ويصل العجز المائي إلي8 مليارات متر مكعب في السنة كحد أقصي وذلك في حصة مصر وحدها ويحدث عجزا مماثلا في حصة السودان, وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي20% سنويا(600 ميجاوات سنويا). وبعد الفترة المقترحة للإنشاء والملء واستخدام السدود لتوليد الطاقة فقط فان نسبة حدوث العجز سوف تقل إلي مرة كل8 سنوات مع زيادة في قيمة العجز الأقصيمن8 مليار متر مكعب ألي14 مليار متر مكعب من حصة مصر وحدها ومثلها السودان ويصبح متوسط النقص في إنتاج كهرباء السد العالي وخزان أسوان حوالي500 ميجاوات في السنة. أما في حالة استخدام مياه السدود في الأغراض الزراعية فسوف يزداد نسبة حدوث العجز المائي ليصبح مرتين كل5 سنوات بواقع( مرة كل2.5 سنة) ويصل العجز إلي19 مليار متر مكعب سنويا كحد أقصي في حصة مصر ومثلها السودان( أكبر من إجمالي حصة السودان التي تبلغ18.5 مليار متر مكعب), ويقل إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بحوالي1000 ميجاوات سنويا. وفي الآونة الأخيرة أطلقت إثيوبيا اسم سد النهضة أو سد الألفية علي سد بوردر بسعة تصل أكثر من60 مليار متر مكعب وبارتفاع يصل الي150 مترا وقدرة توليد كهربية تزيد علي5000 ميجاوات أي أكثر من ضعف السد العالي مما يضاعف من آثاره السلبية علي كل من مصر والسودان. ومن الملفت للنظر أن دراسات وتصميمات هذا السد قد تمت في سرية تامة وفي غفلة من مبادرة حوض النيل وبدون علم مصر والسودان.فيما أكد هنري فيرهوفن طالب الدكتوراه بجامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة في بحث نشره المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية يونيو2011: ان السدود الأثيوبية تمثل مكونا رئيسيا من إستراتيجية إثيوبية قومية لتحويل أثيوبيا من دولة ضمن أشد دول العالم فقرا حاليا حيث يقع ترتيبها رقم171 من182 دولة علي مستوي العالم الي مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول فترة2020-.2025 تقدر كميات الطاقة الكهرومائية التي يمكن توليدها علي الأنهار المختلفة في أثيوبيا, حوالي45000 ميجاوات منها20000 ميجاوات من النيل الأزرق وروافده.اضافة الي أهداف أخري منها اعطاء دور القيادة لإثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل, واحتكار الطاقة الكهربائية في المنطقة, واستغلال السدود في الزراعات المروية في أثيوبيا وخاصة في حوض النيل الأزرق باحتياجات مائية في حدود5 مليار متر مكعب سنويا. قواعد دولية ويعود الدكتور محمد عبد العزيز أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة بني سويف بالذاكرة إلي عام1959, حين تم توقيع الاتفاق مع السودان, والتي تقدر حصة مصر من مياه النيل بنحو55 مليار متر مكعب من المياه سنويا, يضاف إليها نحو35 مليار متر مكعب مياه الأمطار والمياه الجوفية, مشيرا إلي أن الاتفاقيات المتعاقبة بشأن مياه النيل منذ الاستعمار البريطاني كفلت توزيع حصص الموارد المائية بين دول الحوض, وحتمية موافقة مصر علي ما يقام من مشروعات مائية علي النيل بما يضمن عدم تأثير المخصصات المائية وفقا لهذه الاتفاقيات, وقد ظل الإطار القانوني والسياسي لهذه الاتفاقيات مدعوما من قبل القوي الكبري والمنظمات الدولية ذات الصلة. وبالنسبة لموقف مصر القانوني, إزاء ما اثير من منازعات بشأن اتفاقية عنتيبي, والممارسات المائية لبعض دول الحوض التي من شأنها تخفيض نصيب مصر من مياه النهر, فإن موقف مصر القانوني سيجد سندا قويا في أحكام القانون الدولي العام ذات الصلة, والتي تضع العديد من الضوابط المتعلقة بحقوق الدول المشتركة في حوض نهر دولي, بما يضمن تحقيق العدالة بينها, ومن تلك القواعد المعروفة, قواعد هلسكني التي أقرتها جماعة القانون الدولي في عام1966, واخذت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام1997, والتي تنص علي ضمان عدالة توزيع المياه فيما بين الدول المنتفعة, وهذه العدالة لا تعني توزيع المياه بنسب متساوية, وانما بنسب عادلة تأخذ في الاعتبار طبوغرافية النهر, والظروف المناخية السائدة سوابق الاستعمال وكذلك تحديد الاحتياجات الاقتصادية, والاجتماعية, لكل دولة وفق حجمها السكاني, وأيضا مدي وجود مصادر للمياه بها, وتفادي الإسراف, وعدم الضرر بالدول الأخري الشريكة في حوض النهر.. ووفقا لقواعد القانون الدولي- والكلام مازال لأستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة بني سويف د. محمد عبد العزيز, فإنه لا يحق لأي دولة إقامة منشآت أو أن تستثمر مياه النهر بما يضر الدول الأخري إلا بناء علي اتفاق, كما أنه لا يحق لأي دولة يمر بها النهر إقامة منشآت علي النهر أو استخدام مياهه بدون الإبلاغ المسبق لدول الحوض, فإذا اعترضت تلك الدول, فلابد من الدخول في مفاوضات مباشرة للتوصل إلي اتفاق, علي أن تتوقف الدولة سبب المشكلة أو الأزمة عن استكمال المشروع لحين البت في النزاع, فإذا فشلت المفاوضات يجب إحالة النزاع إلي التحكيم الدولي للفصل فيه.