في إطار السعي لتعميق وترشيد الحوار الوطني حول واحدة من أهم القضايا التي تواجه مصر الآن وفي المستقبل, وهي تلك المتعلقة بالخلاف حول اتفاقية عنتيبي وازمة المياه في حوض النيل والتي يزيد من حدتها ترافقها مع شروع اثيوبيا في بناء شبكة من السدود علي النيل الازرق, عقدت وحدة دراسات السودان وحوض النيل بالمركز حلقة نقاشية حول هذا الموضوع بالغ الاهمية والحيوية بالنسبة لمصر. وقد افتتح اللقاء مدير المركز ضياء رشوان, ثم أداره هاني رسلان. حيث قدم الورقة الرئيسية الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري والموارد المائية الاسبق والذي كان مسئولا عن إدارة هذا الملف في واحدة من اخطر مراحله بعد ان بدأت الخلافات العميقة حول عدد من البنود الهامة بالنسبة لمصر في التفجر, وقد شارك في النقاش عدد كبير من الأساتذة والمتخصصين. حقائق أساسية قدمت الورقة تناولا شاملا لمختلف ابعاد الازمة, وتضمنت في المقدمة الحقائق والمعلومات الاساسية المتمثلة في أن اجمالي موارد المياه في حوض النيل تصل الي حوالي1700 مليارمتر مكعب لا يصل منها الي مصر والسودان كما هومعروف الا84 مليارمتر مكعب, وان كميات الامطار في الحوض موزعة علي ثلاثة اقسام, ثلثها في الهضبة الاستوائية والثلث الثاني في جنوب السودان والثالث يتمثل في الامطار التي تهطل علي الهضبة الاثيوبية. كما اشارت الورقة الي أن الفواقد التي تضيع في البرك والمستنقعات في الحوض تصل إلي150 مليار متر مكعب سنويا, وان تأثير المشاريع التي قد تقام في دول الهضبة الاستوائية علي حصتي مصر والسودان محدود, أما مشاريع الهضبة الاثيوبية والسودان فسوف يكون لها أثر بالغ علي مصر. وضع مصر المائي أشارت الورقة أيضا إلي أن الإحتياجات المائية الحالية لمصر تزيد عن75 مليار متر مكعب سنويا بما يفوق كثيرا الموارد المتاحة بنسبة30% ويتم تغطية العجز عن طريق إعادة الإستخدام, وان نصيب الفرد من المياه أقل من700 متر مكعب/ السنة, سوف يصل إلي350 متر مكعب/السنة في عام2050 وذلك بافتراض الحفاظ علي حصتنا المائية الحالية. مع الاخذ في الاعتبار ان المخزون الجوفي في الصحراء الغربية غير متجدد ولا يسمح بأكثر من3-5 مليار متر مكعب سنويا لمدة50-100 عاما, وأن تحلية مياه البحر ذات تكلفه مرتفعه ولا تزيد كمياتها حاليا عن200 مليون متر مكعبا. تأثير مشاريع أعالي النيل أشار الدكتور علام الي ان تنفيذ المشروعات والسدود المقترحة سيترتب عليه فقدان مصر لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية, مع إنخفاض في كهرباء السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي, بالاضافة إلي توقف العديد من محطات مياه الشرب علي النيل والعديد من الصناعات. وكذلك تأثر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وتعتمد علي التبريد من مياه النيل, وتدهور نوعية المياه في الترع والمصارف, مع تداخل مياه البحر في المنطقة الشمالية, وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية. سلبيات الإتفاقية الإطارية بعد استعراض مراحل المفاوضات المختلفة وتطوراتها التفصيلية ونقاط الخلاف التي وصلت الي طريق مسدود بقيام خمس دول بالتوقيع المنفرد ثم انضمام بوروندي مؤخرا, أشارت الورقة إلي أن توقيع مصر علي إتفاقية عنتيبي بوضعها الحالي, تضمن لدول المنابع التخلص من إلتزاماتها نحو الاتفاقيات القائمة, كما تضمن لها التخلص من حق الفيتو لدول المصب( الإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق) علي سدودها ومشاريعها الزراعية, بالإضافة إلي الإعتراف بحق الدول المنبع في حصص مائية خصما من حصتي مصر والسودان, كما سوف يصبح من حق دول المنبع تغيير العديد من بنود وملاحق الاتفاقية بالأغلبية. مع ملاحظة ان الاتفاقية لم تدرج مشروعات إستقطاب الفواقد في بنودها. تحديات السدود الإثيوبية التقرير المبدئي لمخطط مواقع وسعات السدود الأثيوبية علي النيل الأزرق يتضمن أربعة سدود كبري, وهي كارادوبي و بيكو أبو و مندايا و بوردر بسعة اجمالية حوالي150 مليار متر مكعب أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ايراد النيل الأزرق, وقدرة كهرومائية7100 ميجاوات بالاضافة الي التوسع زراعيا في حوالي مليون فدان. والملاحظ أن أثيوبيا أطلقت في الأونة الأخيرة اسم سد النهضة علي سد بوردر ولكن بأبعاد معلنة أكثر ضخامة بسعة تخزين لهذا السد وحده إلي أكثر من60 مليار متر مكعب وبارتفاع يصل الي150 مترا وقدرة توليد كهربية تزيد عن5000 ميجاوات أي أكثر من ضعف السد العالي مما يضاعف من آثاره السلبية علي كل من مصر والسودان. ومن الملفت للنظر أن دراسات وتصميمات هذا السد قد تمت في سرية تامة وفي غفلة من مبادرة حوض النيل وبدون علم مصر والسودان. وتجدر الإشارة إلي أن العنصرين الرئيسيين للتأثيرات السلبية للسدود الإثيوبية علي مصر يتمثلان في السعة التخزينية لهذه السدود وفي استهلاك المياه في الزراعات المروية, حيث أن السعة التخزينية للسدود ستكون خصما من مخزون المياه أمام السد العالي, وبالتالي ستعود ظاهرة الجفاف والعجز المائي في سنوات الفيضان المنخفضة للظهور, أما المياه التي سوف تستخدم للري ستكون خصما مباشرا من حصتي مصر والسودان السنوية. والعنصرالثانوي الذي قد يؤثر أيضا في ايراد النهر ولكن بدرجة أقل كثيرا يتمثل في السياسة التشغيلية للسدود. وأشارت الورقة إلي أن نتائج الدراسات المصرية الحديثة للسدود الأثيوبية أظهرت أنه حتي في حالة قيام إثيوبيا بإنشاء هذه السدود وملئها خلال فترة40 عاما كاملة فانها سوف تتسبب في حدوث عجزا مائيا لدولتي المصب أثناء سنوات الملء, وأن هذا العجز سوف يحدث مرة علي الأقل كل4 سنوات ويصل العجز المائي الي8 مليار متر مكعب في السنة كحد أقصي وذلك في حصة مصر وحدها ويحدث عجزا مماثلا في حصة السودان, وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي20% سنويا(600 ميجاوات سنويا).وفي حالات اخري حددتها الورقة فان العجز في حصة مصر قد يصل إلي14 مليار متر مكعب من حصة مصر وحدها ومثلها من حصة السودان ويصبح متوسط النقص في انتاج كهرباء السد العالي وخزان أسوان حوالي500 ميجاوات في السنة. وفي سيناريو ثالث قد يصل عجز المياه الي19 مليار متر مكعب لمصر ومثلها للسودان مع انخفاض انتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بحوالي1000 ميجاوات سنويا. فوائد السدود الاثيوبية أشار الدكتور علام إلي أن الأضرار العديدة للسدود الأثيوبية علي دولتي المصب لا تعني أنها عديمة الفوائد, وان أهم هذه الفوائد تقليل المواد الرسوبية الواصلة الي السودان ومصر, والمواد الرسوبية تمثل للسودان مشكلة ملحة حيث تقلل من أعمار سدودها. وثاني هذه الفوائد توليد الكهرباء لصالح الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا ولكن تكاليف هذه الكهرباء مقاربة لتكاليف الكهرباء المولدة من محطات الغاز حاليا. أما الفائدة الثالثة فهي تنظيم تصرفات النيل الأزرق علي مدار العام بدلا من تدفقه الحالي فقط خلال موسم الفيضان, وذلك يفيد أيضا السودان في أراضيها الزراعية بالمنطقة الشرقية. وأشارت الورقة إلي أن بعض هذه الفوائد قد يكون وراء موقف السودان الأكثر ميلا للموافقة علي السد. ولكن هذه الفوائد مجتمعة أقل كثيرا من الأضرار التي ستلحق بكلا البلدين, حيث يزيد العجز المائي الناتج عن السد( في السودان وحده) عن كامل حصته المائية. خريطة الطريق رغم أن السدود الأثيوبية تمثل حلما إثيوبيا قديما للتحكم في مياه النيل الأزرق, بل لتحقيق أرباح من خلال تصدير الطاقة الكهربائية الي الدول المجاورة لتصبح أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي بالعملة الصعبة ولتعظيم دورها السياسي في القرن الأفريقي وحوض النيل كمنتج رئيسي للطاقة, فانه لن تكون هناك جدوي اقتصادية لهذه السدود بدون مباركة مصر والسودان لهذا المخطط وشرائهما جزءا كبيرا من كهرباء هذه السدود.حيث لا يتوافر لإثيوبيا حاليا, البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب ونقل واستخدام معظم الكهرباء الناتجة عن هذه السدود. وبدون مشاركة مصر والسودان لا يوجد مستخدم آخر لهذه الكميات الضخمة من الكهرباء الا من خلال نقلها عبر أراضي السودان أو مصر. وبالتالي فإن عدم مشاركة مصر والسودان سيؤدي الي تعطيل مخطط انشاء السدود الإثيوبية- علي الأقل- حتي يتم استكمال البنية التحتية الإثيوبية الكافية لاستيعاب كميات الكهرباء الضخمة التي ستولدها هذه السدود, وقد يستغرق ذلك عدة عقود من الزمن. وتجدر الاشارة الي أن مصر كانت وتجدر الاشارة الي ان مصر كانت قد رفضت دراسات الجدوي لهذه السدود لعدم الأخذ في الاعتبار الآثار السلبية علي دولتي المصب وتم ارسال ملاحظات مصر منذ منتصف العام الماضي الي سكرتارية مبادرة حوض النيل, والي المكتب الفني لحوض النيل الشرقي, والي البنك الدولي والسوق الأوروبية, وفي الوقت الحالي يجب الاستمرار في الحوار مع المانحين ومع الصين توضيحا للآثار السلبية العديدة لهذه السدود وتأثيراتها العنيفة علي كل من مصر والسودان وأن هذا الموقف ليس ضد التنمية في إثيوبيا بل حماية لحقوقنا المائية ومستقبل أمتنا. أما اللجنة الثلاثية التي جري الاعلان عنها منذ ابريل الماضي لدراسة سد النهضة الذي بدأ البناء فيه بالفعل, فإنه ليس هناك ما يدل علي أن هذه اللجنة الثلاثية ستكون لها الصلاحية للتوصية بالغاء المشروع بعد البدء في تنفيذه. وقد تكون أقصي صلاحياتها اصدار توصيات بسياسة تشغيلية للسد وعدد سنوات تخزين المياه للتقليل من اثاره السلبية علي دولتي المصب. مع العلم بان تعديل السياسة التشغيلية لن يكون ذا تأثير كبير علي تخفيف الأثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية علي مصر حيث أن معظم هذه الأثار السلبية سوف تنتج عن تخزين كميات المياه الضخمة أمام السد ومن استخدامات المياه في الزراعة. وأشارت الورقة إلي أنه من المهم عدم حصر مناقشات هذه اللجنة علي سد النهضة فقط في معزل عن السدود الأخري المقترحة علي النيل الأزرق كمخطط متكامل واستعراض آثارها السلبية المحتملة علي كل من مصر والسودان. كما يجب أيضا علي اللجنة الثلاثية أن تقوم بدراسة البدائل الفنيه لهذه السدود مثل انشاء سلسلة من السدود الصغيرة لتوليد الطاقة للاستهلاك المحلي ولتوفير المياه لبعض المشروعات الزراعية المحدودة بدون احداث أضرار ملموسة بكل من مصر والسودان أو الرجوع للتصميم الأصلي لسد بوردر بالرغم من آثاره السلبية علي مصر ولكنها سوف تكون أقل كثيرا عن آثار سد النهضة. عدم توقيع اتفاقية عنتيبي من صالح دول المنبع قبل دولتي المصب العودة الي مائدة المفاوضات للاتفاق حول النقاط العالقة في الاتفاقية الاطارية لكي تحظي بتوافق جميع دول الحوض. والعودة العادلة لن تتأتي الا بالاتفاق أولا بين دول الحوض علي تجميد الاتفاقية الاطارية لفترة زمنية معقولة يتم الاتفاق عليها ويتم أثناء هذه الفترة العودة الي التفاوض الجاد حول النقاط العالقة. أما في حالة رفض دول المنابع العودة للمفاوضات الجادة, فإنه لا يمكن لمصر توقيعها بالنظر الي نواقصها العديدة. وفي الوقت نفسه يجب ان نأخذ في الاعتبار أن مصر والسودان ليستا طرفا في هذه الاتفاقية الاطارية وبالتالي فهي لا تلزمنا بأي التزامات قانونية أو مؤسسية. وفي هذا الاطار تشدد الورقة علي أن الاتفاقية الاطارية بدون مشاركة مصر والسودان تفقد معظم مميزاتها بالنسبة لدول المنبع لأنها لا تحقق لهم التحلل من الاتفاقيات القديمة القائمة مع كل من مصر والسودان ولا تحقق لهم الا مكاسب سياسية محلية محدودة. كما أن الدول التي وقعت الاتفاقية الاطارية تقع خمس دول منهم في الهضبة الاستوائية, ويجمعهم إطار مشترك هو تجمع دول شرق إفريقيا ولن تضيف لهم هذه الاتفاقية أي جديد. وهناك أيضا تجمع مماثل لدول بحيرة فكتوريا ليست له الفاعلية المأمولة بالرغم من مرور سنوات طويلة علي انشائه. أما الدولة السادسة التي وقعت علي الاتفاقية الاطارية وهي أثيوبيا فهي لا تشترك مع الدول الاستوائية في الحوض المائي بل تقع هي واريتريا في منبع الحوض الشرقي لنهر النيل وليس بينها وبين بقية دول المنبع الأخري أي قواسم مشتركة داخل الحوض. وتختتم الورقة بأنه في حالة رفض دول المنبع العودة للمفاوضات الجادة فانه ينبغي علي مصر أن تقوم بالتنسيق والمشاركة مع السودان باغلاق ملف الاتفاقية الاطارية, وعدم جعلها ورقة ضغط أو ابتزاز. أو علي الأقل الاعلان رسميا علي تعليق عضوية مصر وتجميد مشاركتها في الأنشطة علي النحو الذي سبقنا إليه السودان. مع الاخذ في الاعتبار ان ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال عدم تعزيز العلاقات مع دول الحوض أو وقف برامج التعاون الثنائية. إن رد الفعل الضعيف سوف يشجع الدول المانحة علي الاستمرار قدما في دعمها لدول المنبع وسوف يشجع دول المنبع علي اتخاذ سياسات أكثر تشددا في مزاعمها حول حقوقها في حصص مائية. وقد حظيت الورقة بمناقشات مستفيضة استمرت حوالي اربع ساعات متصلة تناولت مختلف الجوانب الفنية والقانونية والسياسية والاقتصادية, علي وعد بعقد لقاءات اخري لتغطية كل وجهات النظر المطروحة, سعيا وراء رؤية موضوعية متوازنة تحمي حقوق مصر وأمنها ولا تتصادم مع تطلعات وطموحات باقي دول الحوض في اطر معادلة تعاونية تحقق المنفعة للجميع وليس لطرف علي حساب اطراف اخري.