اللجنة العامة تستعرض نشاط البرلمان وتقر موازنته التقديرية للعام المالي 2025/2026    بعد الصراع الإيراني الإسرائيلي.. بورصة وول ستريت تستعيد خسائرها    شركات الطيران الإسرائيلية تسعى لإعادة العالقين في الخارج    اندلاع حريق متعمد غربي طهران    خاص - الأهلي يضاعف غرامة تريزيجيه    مصرع تاجري مخدرات بحوزتهما 2 طن حشيش في مطاردة دامية بالدروب الصحراوية    الداخلية تضبط المتهم بفيديو السلاح الأبيض في دمياط    ارتفاع الأمواج يغلق شواطئ العجمي.. والرايات الحمراء تحظر السباحة في غرب الإسكندرية    ذكريات تترات الدراما المصرية تشعل مشاعر الحنين فى حفل كامل العدد بالأوبر    بروتوكول تعاون بين قصور الثقافة ومحافظة أسوان لإدراج مسرح فوزي فوزي ضمن خريطة البرامج السياحية    الرئيس النمساوي يبحث مع زيلينسكي سبل إنهاء الحرب "الروسية الأوكرانية"    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    وزيرا الشباب والعمل يشهدان احتفال مرور 10 سنوات على انطلاق «مشواري»    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    بالتعاون مع «الدواء المصرية».. الجامعة الألمانية بالقاهرة تنظم ورشة عمل عن «اليقظة الدوائية»    رئيس جامعة كفر الشيخ يتسلم نسخا من المشروعات التدريبية لشعبة الصحافة بكلية الآداب    ضبط قائد سيارة "ربع نقل" وضع إشارة خلفية عالية الإضاءة حال سيره بالجيزة    تفاصيل القبض علي المتهم بتقييد نجلته وسحلها بالشارع في حدائق أكتوبر    المشدد 10 سنوات لسائق توك توك خطف طفلة بالشرقية    برلمانية: وحدة الصف الداخلي والالتفاف الشعبي حول القيادة السياسية باتت ضرورة وطنية    إيران تعلن إسقاط 3 طائرات مسيرة إسرائيلية    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    الجامعة الألمانية تنظم ورشة عمل مع هيئة الدواء والمهن الطبية عن اليقظة الدوائية    رئيس جامعة المنوفية والمحافظ يدشنان قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    حقيقة استبعاد محمود تريزيجيه من مباراة بالميراس البرازيلي    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    وزير الزراعة يفتتح ورشة العمل الأولى لتنفيذ استراتيجية إعلان كمبالا للبحث والتطوير الزراعي في أفريقيا    الثانوية العامة 2025.. أبرز المعلومات عن كلية علوم الرياضة للبنات بالجزيرة    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    النفط يرتفع مع تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام تنظم ندوة حول قضية حياة أو موت
مصر وحوض النيل‏...‏ إلي أين يجري مستقبل مياه النهر؟

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن وجود أزمة في مياه نهر النيل‏.‏ إلا أن الحديث تحول إلي جدل حامي الوطيس في الآونة الأخيرة‏,‏ أعدها للنشر: محمد السيد نبيل السجيني هاني فاروق
شارك في الندوة محمد البرغوثي إبراهيم السخاوي مروة توفيق محمد فؤاد
وخاصة في ظل سعي دول المنابع إلي بناء السدود, وهو ما أثار لغطا كبيرا حول مدي تأثير ذلك علي حصة مصر من مياه نهر النيل مستقبلا, وبالتالي علي حاضر مصر المائي الذي شهد هبوط متوسط نصيب الفرد من المياه فيه إلي مادون خط الفقر المائي المحدد دوليا ب ألف متر مكعب, حيث وصل في مصر إلي ما دون ال900 متر, وهو أيضا ما يثير القلق الشديد إزاء المستقبل. ومع تكثيف مصر الرسمية والشعبية محاولات التقارب مع دول المنابع, خاصة بقيام رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف بزيارة كل من أوغندا وإثيوبيا هذا الأسبوع, وما سبق ذلك من زيارات لوفد الدبلوماسية الشعبية لنفس الدولتين, قررت الأهرام تبني هذا الملف بالنقاش في محاولة لدراسة وفهم أبعاد القضية مع الخبراء المختصين بعيدا عن الجانب الرسمي من خلال الندوة التي شارك فيها كل من الدكتور إبراهيم نصر الدين عميد معهد الدراسات والبحوث الافريقية بجامعة القاهرة, والدكتور مهندس محمد أسامة خبير الموارد المائية, والدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية, والباحث حافظ أحمد بمركز بحوث الصحراء شعبة مصادر المياه والأراضي الصحراوية, أكد المشاركون أنه لا توجد أزمة حالية تمسنا في مياه نهر النيل, وأن الحديث يدور حول توقعات مستقبلية وفقا للأرقام التي تتحدث عن مستقبل المياه في افريقيا, خصوصا في ظل إرجاء الجانبين الإثيوبي والأوغندي مؤخرا التوقيع علي اتفاقية عنتيبي الإطارية لدول حوض النيل حتي تنتخب مصر رئيسا وبرلمانا لها.
الأهرام: لا شك في أن قضية المياه هي قضية مصيرية, كما أنها متعددة الجوانب الفنية والقانونية والسياسية والتاريخية, وحتي السيكولوجية, وهو الأمر الذي يلزمنا بتوصيفها..
د. نصر الدين: بداية, أحب أن أعرب عن معارضتي لما يجري حاليا من جهود شعبية, حيث أري أنه لا توجد أزمة في الوقت الحالي, وأن ما يسمي بالأزمة يجب أن يبحث عنه في سياق آخر. وفي ظني أن الأزمة تتعلق باختفاء الدور المصري في المنطقة عندما تركنا ساحة الصومال ساحة لأثيوبيا وعندما لم نوطد علاقتنا بأريتريا مضغوطين في ذلك بإثيوبيا, وبالتالي ابتعدنا عن المنطقة دون أن ندرك ابتداء أن المنطق الأثيوبي تاريخيا معاد لمصر.
الأهرام: هل يعني ذلك معارضتك للدور الذي تقوم به الدبلوماسية الشعبية في هذا السياق؟ أم تري أن الدبلوماسية الشعبية نجحت في تقريب وجهات النظر بين الجانبين الرسمي والفني للتغلب علي هذه المشكلة؟
د. نصر الدين: أطالب بضرورة التنسيق بين جهود الدبلوماسية الشعبية والحكومة الحالية, وأن يضم وفد الدبلوماسية الشعبية متخصصين في جميع الملفات.
د. أيمن سلامة: في إطار الجهود الشعبية, يجب الاستعانة بخبراء تفاوض مختصين في القانون الدولي. وإحدي مشاكل المفاوضات التي جرت علي مدار سنوات علي الاتفاق الإطاري هي أن الخبراء القانونيين في هذه المفاوضات لم يكونوا متخصصين في المفاوضات الخاصة بالأنهار, علاوة علي أنه في الفترة الأخيرة, لم يتوافر ما أسميه بالأمانة القومية في إدارة مفاوضات النيل. وفي هذا السياق, يجب أن أحذر من أن اللجوء للتحكيم الدولي محفوف بالمخاطر.
حافظ أحمد: لجان الدبلوماسية الشعبية تلعب دورا مهما في إعادة توجهنا نحو دول حوض النيل.
الأهرام: هل لنا في رسم خريطة توضح تراجع نصيب المصري من المياه علي مدار السنوات الماضية؟
د. محمد أسامة: في عام1990 كان يبلغ1220 مترا مكعبا من المياه أي أنه كان فوق التعريف الدولي لخط الفقر المائي, وفي عام2007 تراجع نصيب الفرد إلي942 مترا مكعبا, وسيصل في عام2025 إلي سبعمائة مترا مكعبا. أما في2050 يتوقع أن يصل نصيب الفرد إلي470 مترا مكعبا, أي أنها ستكون أزمة طاحنة وقحط شديد. أما في السودان, فقد كان نصيب الفرد من المياه أربعة آلاف متر مكعب ستصل إلي1448 متر مكعب, أي لا وجود للأزمة. ولهذا, فإن السدود في السودان تستهدف توليد الكهرباء, حيث إنه لا توجد أزمة مياه النيل, وهو ما يحتم تعاونا سياسيا مع السودان في هذا الموضوع; فالتفاوض والتفاهم مع دول إفريقيا أفضل حل لقضية مياه النيل خصوصا في ظل تغير سياستنا بعد ثورة25 يناير, فالصراع في هذا الشأن لن يفيدنا نهائيا, وهنا تكمن عبقرية الوفد الشعبي الذي سافر إلي دول حوض النيل مؤخرا للتفاهم.
د. نصر الدين: لا أري أزمة حالية لثلاثة أسباب, أولها أن دول حوض النيل ليست في حاجة لمياه نهر النيل علي النحو الذي يساق الآن, وفقا لوثائق رسمية ودراسات متخصصة.
الأهرام: هل تقصد بعدم وجود أزمة في دول المنابع أم في مصر؟
د. نصر الدين: لكلا الطرفين, فدول المنابع ليست في حاجة ماسة إلي المياه, فكلنا نعلم أن معدل الإيراد السنوي لنهر النيل1665 مليار متر مكعب من المياه لا تستهلك مصر والسودان إلا84 مليار متر مكعب أي نحو6% والباقي يضيع في المستنقعات والبخر وما إلي ذلك. الأمر الثاني يتمثل في أن غالبية دول المنابع تعتمد في زراعتها علي الأمطار بنسب تتراوح ما بين80 إلي95% في الزراعة. الأمر الثالث يتمثل في أن الاحتياجات المائية لدول الحوض- علي نحو ما طلبته كينيا وتنزانيا وأوغندا رسميا وبصورة رسمية مكتوبة في دراسات عام1959 تمثلت في مليار و710 ملايين متر مكعب من مياه النهر كي تغطي احتياجاتها في25 عاما حتي عام1984, وارتفعت هذه الاحتياجات لكل دول المنابع مجتمعة إلي خمسة مليارات متر مكعب من مياه نهر النيل في بداية التسعينيات لتغطي فترة25 سنة حتي عام2015, وزاد المطلب مع بداية القرن الحالي ليصل إلي عشرة مليارات متر مكعب من مياه نهر النيل لمدة25 عاما بدءا من عام2002 ووصولا حتي عام.2025 وذلك يعني أن مطالب دول حوض النيل المسجلة في دراسات تبلغ عشرة مليارات متر مكعب من المياه حتي عام.2025 وبهذا المعني, فإن القول بوجود احتياجات ضخمة مؤثرة هو كلام يحتاج إلي كثير من المناقشة. كما أن هذه الدول ليست لديها قدرة التأثير علي انسياب المياه لمصر والسودان, ومثال علي ذلك أنه خلال الحرب الباردة في خمسينيات القرن الماضي, أنشأ الاتحاد السوفيتي السد العالي في مصر, في حين كانت أمريكا متحالفة مع نظام الإمبراطور الاثيوبي هيلاسيلاسي, وكان يمكن لأمريكا أن توجه ضربة انتقامية ضد مصر والاتحاد السوفيتي, لكن ذلك لم يحدث. ثم انعكست الآية في منتصف السبعينيات, فأصبح الاتحاد السوفيتي حليفا لإثيوبيا وأمريكا حليف لمصر, ولم يقم الاتحاد السوفيتي الذي أنشأ السد العالي في مصر بأي عمل انتقامي نتيجة لطرد السادات خبراءه وقطع العلاقات معه, ولو كان لإحدي القوتين القدرة في هذا الاتجاه لأقدمتا علي ذلك. في الوقت ذاته, فقد تناوبت القوتان الأعظم علي كل من مصر والسودان وبشكل تنافسي ولم يقم أي منهما بعمل عدائي يمكن أن يؤثر علي المصالح المصرية في المياه.
حافظ أحمد: الحديث عن وجود أزمة في المياه كلام غير حقيقي لأن حجم المياه التي تضيع في حوض نهر الكونغو أكثر من نهر النيل عشرات المرات. أما إثيوبيا فهي تبني سدها قرب الحدود المنبسطة مع السودان تلك المنطقة التي تتواجد فيها الاستثمارات السعودية والإسرائيلية للزراعة, حيث يوجد فيها أكبر مصنع لقصب السكر في العالم وأكبر مصنع لإنتاج السمسم, والذي يخرج في النهاية علي أنه منتج إسرائيلي.
د. محمد أسامة: هناك أزمة مياه في حوض النيل كونها موردا طبيعيا يستهلكه السكان; فإذا قل نصيب الفرد من المياه عن ألف متر مكعب من المياه سنويا فإنها أزمة, أما إذا قل نصيب الفرد من المياه سنويا عن500 متر, فإنه يكون قحطا. أما طبقا لقياسات الأمم المتحدة, فإن خط الفقر يبدأ إذا قل نصيب الفرد عن1750 مترا مكعبا سنويا, لكن في الواقع العملي هناك أناس يعيشون بالحدود الدنيا التي تصل إلي ظروف القحط. وبما أن عددا من الدول الأفريقية وبعض دول الحوض يقل نصيب الفرد من المياه عن ألف متر مكعب فإن ذلك يعني وجود أزمة, وبالنظر إلي المياه الموجودة في دول حوض النيل تحديدا ووفقا لدراسة صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة, فإن الزراعة بالحوض تستهلك88% من المياه في حين أن المعدل العالمي لاستهلاك المياه في الزراعة يبلغ69% أما بالنسبة للمياه المستخدمة في الصناعة علي مستوي العالم فيصل إلي20% بينما في افريقيا5% فقط, في حين أن الاستخدام المنزلي للمياه في افريقيا يتراوح بين7 إلي8% وهو نفس المنسوب العالمي. وترجمة هذه النسب تقول بتخلف أنظمة الزراعة والري لدينا بما يزيد من استهلاك المياه في الزراعة, في حين أن التخلف الصناعي يقلل من المياه المسحوبة لها.
الأهرام: إلي أي مدي يضر مصر إنشاء دول حوض النيل وعلي رأسها إثيوبيا السدود وآخرها سد الألفية وغيرها العديد؟
د. نصر الدين: هناك صعوبات جمة في إقامة سدود بالشكل المعلن عنه. فمنذ18 عاما كان الحديث عن إنشاء خمسين سدا فقط, بينما الآن يتحدثون عن إنشاء30 سدا فقط. وقد أجريت دراسات- ومن بينها رسالة دكتوراه في أكاديمية ناصر عام1994 تعرضت لما يمكن أن يجري لو تم إنشاء هذه السدود الخمسين, وأوضحت أنها ستحرمنا من خمسة مليارات متر مكعب فقط. وإذا سلمنا بإمكانية البناء, فمن سيمول هذه السدود وبهذه المبالغ؟ وإذا تجاوزنا العقبتين الفنية والتمويلية, فإن هذه السدود بطبيعة الحال ستغمر مساحات خلفها وستقيم بحيرات, وإذا اتفقنا أنهم فاقوا الثلاثين سدا فيجب أن نسأل عن مساحة الأراضي الاثيوبية التي سيتم غمرها بكل ما يترتب علي ذلك من نتائج علي رأسها تهجير السكان وكافة تداعيات هذه المسألة من النواحي الإنسانية والتعويضات. فإذا فرضنا أن هناك إمكانية لدفع التعويضات للنازحين, فماذا يمكن أن يفعلوا بهذه المياه التي سيحجزوها في الثلاثين سدا؟ فمعظم دول المنابع تربتها بازلتية غير صالحة للزراعة, ومن هنا يصبح السؤال لماذا يريدون إنشاء السدود وحجز المياه, إلا إذا كان الهدف فقط بعض المشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية وليس خصما من حصة أي دولة. أيضا, فإنه توجد مشكلة المدة الزمنية التي سيتم فيها الإطماء خلف هذه السدود؟ فإذا كان الحديث عن الإطماء أمام السد العالي سيحدث بعد مائتي سنة, فكيف سيكون الحال في منطقة المنابع, حيث ينحدر الطمي من الهضبة مباشرة, وهو ما سيجعل عملية الإطماء سريعة جدا قد تستغرق15 عاما يتم فيها إطماء البحيرات ما وراء هذه السدود, ولنتذكر آخر سد الذي أثار جدلا الموجود علي الحدود الاثيوبية الاريترية السودانية وهو سد تكيزي, هذا السد عندما جاء الفيضان العام الماضي غمر السد فأفقده القدرة علي توليد الطاقة.
الأهرام: هل من ضمانات قانونية تحفظ لمصر حقها في مياه النيل؟ وهل هناك جهات مختصة يمكن اللجوء إليها في حال تفاقم المشكلة؟
د. أيمن سلامة: لا توجد اتفاقية دولية حتي الآن جامعة لكل الأنهار الدولية; فالموجود اتفاقيات إطارية, وكان يجب علي مصر أن تطالب منذ زمن بزيادة حصتها من مياه نهر النيل نظرا إلي أنها تعتمد بشكل كامل علي مياه النهر. فمنطقة حوض النيل لم تفلح في إبرام اتفاقية قانونية جامعة للحوض, مشيرا إلي أن إثيوبيا رفضت موقف مصر من الإخطار المسبق, وتستند دول المنبع إلي مسألة قانونية وهي تغير الظروف.
د. نصر الدين: دول حوض النيل الافريقية ليس لها حق قانوني قي التأثير علي حصة مصر والسودان من مياه النيل. وكلنا نعلم أنه عقب استقلال تنجانيقا في عام1961- تنزانيا حاليا- بدأ رئيسها جوليس نيريري يتحدث عما أسماه بالصفحة البيضاء, بمعني أن الدول الجديدة التي خرجت من تحت عباءة الاستعمار هي مولود جديدة ولا يتعين أن تتحمل أي التزامات مسبقة. وإثيوبيا سارت علي هذا النهج وأعلنت أمام مؤتمر المياه التابع للأمم المتحدة والذي أقيم في عام1977 بالأرجنتين أنها غير متقيدة بأي التزامات تعهدية تجاه الدول المشاطئة الأخري في حوض نهر النيل. وعلي أية حال, فإن هذه المواقف لا سند لها في القانون الدولي, فالاتفاقيات المنظمة لمياه نهر النيل علي تنوعها هي اتفاقات إقليمية ترتب حقوقا للإقليم وعلي الإقليم بشكل دائم لا يتأثر بالتغييرات التي تطرأ علي شخصية الدولة التي تمارس السيادة, كما أن اتفاقية فيينا لعام1978 في خلافة الدولة للمعاهدات تنص علي أن الدولة الخلف تحل محل الدولة السلف في أي اتفاقيات, وحتي محكمة العدل الدولية لها حكم شهير أصدرته في عام1997 في قضية تتعلق بالمسائل المائية والنهرية بين المجر وسلوفاكيا وانتهت إلي احترام الاتفاقيات المتعارف عليها. فكل الاتفاقيات التي عقدت لتنظم مياه نهر النيل في الفترة الاستعمارية ليست منفصلة, وبالتالي من يرد أن يتملص من الاتفاقيات المتعلقة بالمياه فهو ينسف أصل وجوده المتعلق باتفاقيات حدوده, والحدود هي التي تشكل الأساس القانوني لوجود الدولة.
وبالنسبة لإثيوبيا, فليس لها الحق بأن تتذرع بأنه كانت هناك اتفاقيات استعمارية, لأن الاتفاقية الأساسية هي معاهدة15 مايو1902 التي وقعها ملنيك الثاني إمبراطور إثيوبيا وقد كانت مستقلة. والمادة الثالثة من الاتفاقية تنص علي التزام ملك ملوك اثيوبيا بعدم إقامة أي أعمال علي النيل الأزرق أو بحيرة تانا ونهر الصومال يكون من شأنها التأثير علي انسياب مياه النيل, إلا بعد الاتفاق مع الحكومة البريطانية الممثلة لمصر وحكومة السودان. إذن ليس هناك أي مبرر من الناحية القانونية من جانب اثيوبيا حتي ترفض هذا الاتفاق, بل الأكثر من ذلك أن اثيوبيا اعترفت بصحة هذه الاتفاقية عندما استندت عليها في مذكرات تم تبادلها بينها وبين السودان في18 مايو1972 لتسوية نزاع الحدود بين البلدين, كما أنها لم تطعن في صحة هذه المعاهدة أمام لجنة ترسيم الحدود مع إريتريا, فحتي عام2002 استندت إثيوبيا علي هذه المعاهدة.
الأهرام: وهل حصة مصر الحالية من المياه تناسب احتياجاتنا الفعلية الآن؟
حافظ أحمد: مصر تستورد حاليا60% من احتياجاتها الغذائية من الخارج, كما أننا أكبر دولة مستهلكة للقمح, وعدد سكان مصر حاليا85 مليون نسمة, ومن حق كل مواطن الحد الأدني للاحتياجات المائية المعروف بخط الفقر المائي وهو ألف متر مكعب في السنة, فبالتالي من المفترض أن تكون حصتنا السنوية85 مليون متر مكعب, في حين أن الحصة الحالية55 مليون متر مكعب فقط بخلاف المياه الجوفية والمياه المعاد معالجتها. وتؤكد الدراسات أن احتياجاتنا ستكون100 مليون متر مكعب علي الأقل في عام2030 بينما ستكون احتياجات اثيوبيا150 مليون متر مكعب.
د. نصر الدين: ليست هناك أزمة حالة, ففي تقديري أن المسألة عبارة عن محاولات جر مصر لصراع جانبي بتصويره علي أنه الصراع الأساسي لعدم الالتفات إلي الصراع الأساسي وهو مخطط تقسيم مصر في إطار حالة الأزمة الطائفية.
الأهرام: بلغة الأرقام, ماذا عن الإحصاءات التي تشير إلي الاحتياجات المستقبلية لمصر من المياه مقارنة بدول افريقيا حتي نضع أيدينا علي حجم المشكلة المتوقعة في المستقبل والتي هي مثار حديثنا الآن؟
د. محمد أسامة: الأرقام تشير إلي أن الدول لديها نقص في إدارة استخدام التكنولوجيا وإدارة المورد, وقد يكون ذلك هو مفتاح الحل للمشكلة. وقد بدأت مشكلة الاحتياج للمياه في دول الحوض في التسعينيات, حيث ان أكبر كتلتين سكانيتين في الحوض هما مصر وأثيوبيا. ووفقا للتقديرات سيكون تعداد السكان في مصر عام2025 حوالي105 ملايين نسمة بينما سيكون في اثيوبيا102 مليون نسمة, وفي تقديرات عام2050 يتوقع أن يصل عدد السكان في مصر إلي150 مليون نسمة وفي أثيوبيا140 مليون نسمة, بينما إذا نظرنا إلي كينيا فتعداد سكانها في عام1990 كان يبلغ24 مليون نسمة, وسيرتفع في عام2050 إلي67 مليون نسمة. والزيادة السكانية تشبه الإسفنجة التي تمتص المياه, وهو ما يجعلنا نجزم بوجود أزمة مياه, وخاصة في الاستخدامات الزراعية; فالتنافس علي هذا المورد مستقبلا سيخلق أزمة, كونه لا يتنامي مع تعداد السكان.
فاستخدامات مصر من المياه وصلت في عام1990 إلي63.5 مليار متر مكعب, وارتفعت في عام2000 إلي72 مليارا, ويتوقع في عام2025 أن تصل إلي74 مليار متر مكعب, وهو نفس الرقم في2051 وهو ما يعني أننا نواجه أزمة, علما بأن هذه الأرقام تضم المياه الجوفية والمياه المحلاة والمياه تلك المعاد استخدامها. أما السودان, فكان المتاح له استخدام100 مليار متر مكعب في عام2000 ويتوقع في عام2025 أن يصل الرقم إلي104 مليارات متر مكعب, وفي2051 سيرتفع إلي109 مليارات متر مكعب, إلا أن السودان لا تهتم سوي بإقامة السدود من أجل الكهرباء كون أن نصفها الجنوبي يعتمد علي مياه الأمطار في الزراعة. أما اثيوبيا فسترتفع حصتها من استخدام المياه خلال خمسين سنة بواقع8 مليارات متر مكعب فبدلا من150 مليار متر مكعب حاليا, سيزيد الرقم إلي158 مليار متر مكعب. أما كينيا فستزيد من22 مليار متر مكعب إلي23 مليار متر مكعب أي بواقع زيادة مليار متر مكعب فقط خلال خمسين سنة, وفي تنزانيا ستزيد النسبة من76 مليار متر مكعب إلي79 مليارا بعد خمسين سنة, وفي أوغندا سترتفع من66 مليار متر مكعب إلي69 مليار متر مكعب في خمسين سنة. فالثبات في استخدام المياه الموجودة لدينا, يحتم تحسين إدارة هذا المورد واستخدام التكنولوجيا المتطورة, وتغيير التركيب المحصولي وهو أمر مهم جدا.
الأهرام: ما حجم المياه التي تضيع منا في مصر دون استخدام؟
د. محمد أسامة: يضيع منا نتيجة سوء الإدارة عند ثغور الترع والهدارات ما بين35 إلي50% من المياه الموجهة للري, وهي التي تنضم إلي المياه الجوفية التي نسحبها مرة أخري ليتراجع الرقم إلي20% كمية فقد المياه لدينا. كما أن تلوث المياه يحرمنا من الاستفادة في مياه الري.
الأهرام: هل تملك مصر محطات رصد لمعرفة ما يتم علي المستوي الإقليمي فيما يخص شأن مياه النيل؟
حافظ أحمد: لا توجد في مصر كلها محطة ترصد بدقة ما يجري في الشرق الأوسط كله وحوض النيل وتتيح لنا اتخاذ القرار السياسي والعسكري سوي محطة واحدة للرصد في مركز بحوث الصحراء حصلنا عليها كهدية بعد اتفاقية كامب ديفيد, وهي مربوطة بقمر صناعي فرنسي, ودعني أكشف عن أن هذه المحطة سرق نظام تشغيلها كاملا بما تحويه من أربعمائة جهاز كمبيوتر في مساء يوم28 يناير خلال الانفلات الأمني أثناء الثورة! وخطورة هذا النظام أننا لن نستطيع استعادته مرة أخري, وبالتالي فإنني أري أنها عملية مخطط لها! فإثيوبيا بنت بالفعل سدودا ومولها في ذلك جهاز' الموساد' الإسرائيلي الذي يتواجد في دول حوض النيل من قبل عام.1967 المسألة بدأت بتراجع دور مصر وتكثيف حركات التنصير في دول الحوض وتكثيف وجود الأسطول الرابع الأمريكي في جيبوتي, وبات أفيجيدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل يتحدث بقوة حتي إنه هدد منذ عامين بضرب السد العالي وفق خطة جاهزة بصاروخ' أريحا2' لتغرق مصر خلال6 ساعات وتصبح أعلي نقطة فيها مطمورة بالمياه علي ارتفاع20 مترا, وهذه كلها حقائق. فمشروع قناة' جونجلي' في السودان توقف, في حين أنه كان يمكنه أن يحل المشكلة. أيضا, فإن مياه نهر الكونجو يمكنها أن تحل المشكلة. من ناحية أخري, فإنه من الواجب النظر في الاستثمارات الخليجية التي تتجه الآن نحو الاستثمار الزراعي في إثيوبيا.
الأهرام: ماذا لو وقعت مصر علي اتفاقية عنتيبي الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل في ظل الحديث عن أنه ليست هناك أزمة مياه, وأن ما يقال مجرد تكهنات, وخصوصا في ظل الإعلان الإثيوبي عن أن سد الألفية الهدف منه توليد الكهرباء فقط, وفي ظل تأجيل إثيوبيا وأوغندا التوقيع علي الاتفاقية الإطارية حتي يصبح هناك رئيس وبرلمان في مصر؟
د. نصر الدين: لا أري أية مشكلة في الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل, فالتحفظات المصرية والسودانية ليس لها أية قيمة علي الإطلاق ولا يجب التذرع بها بأي حال من الأحوال, لأن التحفظ الأول يتعلق باحترام الحقوق التاريخية والمكتسبة, في حين أن اتفاقية عنتيبي لا يوجد بها مادة تنص علي إلغاء الاتفاقيات السابقة, أو علي أن هذا الاتفاق يحل محل الاتفاقيات السابقة.
د. أيمن سلامة: يمكن لمصر أن توقع علي الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل مع التحفظ علي بعض البنود لحين التفاوض مرة أخري, حيث ان التفاوض هو الأسلوب الأنجح لتسوية النزاعات بين الدول. وفي هذا السياق, نؤكد أن المادة33 من ميثاق الأمم المتحدة تنص علي ست وسائل لتسوية النزاعات بين الدول تبدأ بالمفاوضات ثم الوساطة ثم التوثيق ثم التحقيق وانتهاء بآخر وسيلتين وهما القضائيتين, والمشكلة أنه لا يجوز اللجوء إلي محكمة العدل الدولية إلا بموافقة جميع أطراف النزاع وهو ما لم يتحقق حتي الآن.
د. نصر الدين: مصر والسودان تتحدثان عن ضرورة النص علي احترام الحقوق التاريخية والمكتسبة, علاوة علي الإخطار, وحق الفيتو( النقض) أي أن تكون القرارات بالإجماع أو أن تكون مصر والسودان موجودتين ضمن الأغلبية الموافقة. دعونا نفكر في هذه التحفظات, وهل يجب التمسك بها بهذا الشكل. فالحديث عن الحقوق المكتسبة لا يوجد نص يهدره, فالنصوص تتعلق بالعدالة والإنصاف وهذا أمر طبيعي, أما مسألة الإخطار المسبق فهي مضحكة لأن هذه المسألة كانت في أيام الحمام الزاجل بينما الآن في نحن في عصر الأقمار الصناعية وكل شيء مفتوح ومعروض من الممكن أن نعرف في اللحظة ذاتها هل هناك دولة بدأت تقيم مشروعات أم لا. أما الأمر الثالث المتعلق بحق الفيتو, فكلنا نعرف مدي الحساسية من جانب الدول الافريقية تجاه الدول العربية, وما زلنا نذكر المشكلة المتعلقة بحق الفيتو في الأمم المتحدة التي تحاول دول العالم من غير الدول الخمس التخلص منها, فإذ بنا نجد أن مصر والسودان- وليس صدفة أن كلتيهما دولتان عربيتان- تتحدثان عن حق فيتو. فأمامنا فرصة تاريخية للتراجع عن موقفنا السابق قبل25 يناير, وأعتقد أننا لو ذهبنا ووقعنا في هذه المرحلة, فإن الأمر سيكون أفضل كثيرا. في الوقت ذاته, فإن توثيق التعاون مع إريتريا وإعادة العافية للصومال, والتنسيق مع السعودية سيحقق توازنا مع أثيوبيا خاصة أن دول حوض النيل منطقة صعبة لممارسة السياسة الخارجية بها كونها ليست مفتوحة والميراث التاريخي فيها سلبي وفيها تعددية إثنية وصراعات وحروب أهلية وتنوع ديني وتأثير تاريخي يتمثل في تجارة رقيق يتحدثون عنه في كينيا إلي يومنا هذا. في الوقت ذاته, لماذا لم نوثق علاقتنا بدول غرب أفريقيا- ومعظمها إسلامية- لنحيط من خلالها بدول حوض النيل والتأثير عليها. أما أن نتركها ساحة ونتحدث عن أنهم يقيمون سدودا تنشئها لهم الصين تحت المظلة الأمريكية, فهذا أمر خاطئ. علينا استغلال إمكانية التأثير من خلال الصين وعلاقتنا مع الولايات المتحدة وتوثيق العلاقة مع اريتريا من خلال الاستثمار فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.