ألا تعرف من أنا؟ كان هذا ما يصرخ به أصحاب الوجاهة, أهل السلطة والسلطان, قبل وقت ليس ببعيد, في وجه رجل الأمن. وهو في الغالب أمين شرطة, وأمام الحدة ونظرات الاستكبار والاشمئزاز يتراجع, والسبب هو الخوف من بطش رؤسائه الذين حتما سيجاملون ابن الوجيه الأمثل أو حفيدة الاستاذ الدكتور الوزير المحافظ, وحتي لا يكون مصيره مكانا نائيا, أو خصما من معاشه, وهو بالكاد يكفي فرد وبالتالي تتعطل ترقيته ويتوقف حاله, فلماذا كل هذا؟ من أجل مصر, فلتذهب إلي الجحيم. ومجبرا يكبت غضبه, يقدم اعتذاره, مبديا ندمه علي غلطته, ولا ينسي أن يردف متذللا, سلامنا للباشا الكبير, وفي داخله نار الله الموقدة, إلي أن تأتي له الفرصة التي سيجدها بسهولة في البسطاء الذين لا ظهر لهم فيهم, فيها يطلق مكبوته وينفس عن إهانته بإهانتهم والتنكيل بهم. ولعمري شاهدت ماهو مروع في ذلك الركن الذي اعتدت المرور به والذي يبدأ من سور مستشفي فاروق لأمراض النساء والتوليد إلي أن ينتهي امام مبني الكهرباء بأبو العلا, إنهم الباعة الجائلون الذين كانوا يفرون من أمامه كالفئران المذعورة, مرددين والحسرة تعصرهم عصرا هي فقط تأتي علي الغلبان, وبأياد مغلولة تنزع حاجياتهم المهلهة بكل قسوة وتصادر عنوة وسط صراخ ونحيب, في عرضك يابيه إنه مال يتامي. والآن انقلب السحر علي الساحر وأصبح مطاريد الأمس هم الأسياد, أما جلادوهم فصاروا عبيد إحساناتهم, وأصبحوا القانون والقوة معا, بالسلاح الأبيض يمكنهم أن يقفوا في الوقت الذي يريدونه والمكان الذي يختارونه, ولا أحد يجرؤ علي التصدي لهم, ومن شاء حظهم العاثر أن يكون عملهم في هذا المربع المأساوي, فهم لا حول لهم ولا قوة, عليهم يوميا تجرع كأس العذاب, محاصرون بأشباه مركبات تنفث الموت وبقايا شارع يقينا لا يوجد له مثيل في العالم! لمزيد من مقالات سيد عبد المجبد