النشء في كل مجتمع من المجتمعات وفي كل أمة من الأمم.. هم أملها الباسم وهم العدة المرتقبة وهم رجال الغد المأمول, ولذا كانت العناية بهم أهم ماينبغي التركيز عليه. وكان لزاما علي كل مجتمع ان يكرس جهوده لحماية النشء من أسباب الانحراف ومن طرق الغواية, وأن اولي خطوات الحماية من الانحراف تتمثل في الأسرة وبين الأبوين حتي يتشرب النشء منذ الصغر روح التدين وآثار العقيدة الصحيحة والسلوك النقي بالقدوة من ناحية بالتوجيه من الأبوين من ناحية أخري. ومن المعلوم أن لنصائح الوالدين آثرا كبيرا فهي خلاصة عمر ووليدة تجارب. وإلي جانب ذلك ماينبغي ان تتضمنه خطبة الجمعة من توجيه رشيد يتم فيه حصر الشكوك والأوهام التي تساور الكثير من الشباب مع وضع الحلول والعلاج لها, ومحاولة محو الأثرة والأنانية وسائر الرذائل الأخري. كما ينبغي ان يعني بغرس الفضائل الإسلامية من التعاون علي البر والتقوي وحب الخير والبذل حتي يشبوا علي روح التعاون والتعاطف والبذل. ومن أهم ماينبغي التركيز عليه في تلك المرحلة تربية الضمير الديني والعناية باتباع التعاليم الدينية الصحيحة النابعة من العقيدة الصحيحة, واداء العبادات وابراز ماتتضمنه من النتائج والآداب وسائر الآثار الحميدة. وأن المرجع في عظمة النشء عند سلفنا إنما كان يتمثل في سلامة العقيدة والنشأة الصالحة في البيئة الصالحة في الأسرة وفي المجتمع. كما ينبغي ان يعني المربون والمصلحون بتنمية الجوانب المتعددة في النشء والمواهب المتفتحة عندهم وتقوية الاستعدادات. ومن أهم الفصائل الإسلامية التي يجب ان يتسلح بها النشء في معركة الحياة الصبر وذلك لأنهم سيواجهون في الحياة صعابا وعقبات, ولايكفي في حلها مادرسوه في المدارس أو في تجارب الطفولة فهم إذن في حاجة إلي صبر وتحمل, واشد تلك العقبات هوي النفس. وبالجملة فإن حماية النشء من الانحراف تتمثل في ازالة تلك الأسباب المؤدية للانحراف وسد المنافذ أمام التيارات المادية الوافدة التي تحاول ان تستولي علي عقول الشباب والتي هي نتيجة جهود المبشرين والاستعمار كما هو ملاحظ في كثير من الدول العربية والإسلامية, وإنها لمحاولة ظالمة تتجني علي الإسلام وأبناء المسلمين وتعمل علي رسم صورة مشوهة للإسلام في عقول الشباب. يقول أحد المستعمرين في احد خطبه وهو يحمل المصحف بيده: لن يقر للاستعمار قرار مادام هذا المحصف بين أيدي المسلمين. نعم إنه لا استقرار للاستعمار ولا لمبادئه وانحرافاته وسمومه التي يحاول دسها لااستقرار لذلك مادام المصحف بين ايدي المسلمين وما دام كتاب الله يتلي بالغداة وبالعشي,, وأما حينما يبتعد المسلمون عن كتاب ربهم ويتركونه من أيديهم وينصرف النشء عن القرآن الكريم فإنها الطامة الكبري والضلال الذي مابعده من ضلال. لقد وقف اعداء الإسلام علي سر قوة المسلمين, إن ذلك كله متوقف علي هذا الكتاب.. علي القرآن الكريم فليجتهدوا إذن في صرف المسلمين عنه. فماذا صنع اعداء الإسلام لصد المسلمين وبالأخص النشء من أبناء المسلمين عن هذا الكتاب الذي هو سر قوة المسلمين, لقد حاولوا أولا صرف النشء لأنهم يعلمون أن هؤلاء هم رجال المستقبل وهم الذين ستقوم علي اكتافهم المجتمعات, توكل إليهم مصائر الأمم فهيأوا لهم أسباب الانصراف عن دينهم وكتابهم في صور عديدة, وبطرق مختلفة حاولوا ادخال عنصر التشويق فيها, ومايجذب الانتباه ويستهوي النفوس. فمن ذلك: المسارح ودور السينما وإنتاج الأفلام والقصص المتحللة وإنتاج الأدب الأباحي وإظهار الصور العارية والخليعة وتصوير الرذائل القبيحة علي ايدي أشخاص هم أبطال الرواية أو القصة وغير ذلك من الاساليب المتعددة, وراح ضحية هذا التآمر علي النشء والقيم والأخلاق الكثيرة ممن لم يتحصنوا في بيوتهم أو مدارسهم, وكانت النتيجة أن أصبح حفاظ القرآن قليلين, وأصبح راغبو التعليم الديني قليلين في البلاد العربية والإسلامية.. لماذا؟. لأن المدنية الحديثة طفحت بأساليب الإغراء البراقة بالعناصر الحضارية المشوقة, فراح كثير من النشء بل ومن الكبار الذين استهوا كل جديد راحوا ضحيتها وساروا مع موجة التقليد الأعمي.. فمنهممن قذف بأبنائه إلي المدارس الأجنبية, ومنهم من وجه أبناءه إلي التعليم المدني, وهجروا التعليم الديني, وهجروا كتاب الله, ولاشك أن في هذا تحقيقا لرغبة المستعمر في انصراف المسلمين عن كتاب ربهم الذي هو سر قوتهم وصلاحهم,وواجبنا نحن المسلمين في شتي انحاء العالم الإسلامي ان ننتبه, وأن نعني بكتاب الله تعالي حفظا وفهما وتطبيقا وعملا ودراسة, وأن تنتشر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في كل موقع وفي كل بيت وفي كل مسجد. وتلك أمانة في اعناقنا جميعا لايستثني منها أحد, إنها أمانة في اعناقنا حكاما ومحكومين مثقفين وموسرين. فعلي الحافظ والمثقف ان يعلم ويحفظ غيره. وعلي الموسرين ان يسهموا بأنفسهم وأموالهم, ففي هذا جهاد كبير في سبيل الحق وفي سبيل نشر كتاب الله وتحفيظه, إننا ان لم ننتبه لهذا الخطر الزاحف, وإذا لم نقم بتحفيظ النشء كتاب الله فإن النتيجة معروفة, وهي أننا سنواجه بجيل لايعرف شيئا عن القرآن, ولايحفظ شيئا من القرآن, بل لايعرف ان يطالع في المصحف, فعلي أهل الثقافة والحفظ أن يدلوا بدلوهم, وعلي أهل المال والثراء أن يعطوا بسخاء للحفاظ وللمحفظين, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.