شهد معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته ال22 التي اختتمت مؤخرًا مفاجآت «مؤلمة» من العيار الثقيل شكلت صدمة لزوار المعرض ورواده ولكل حريص وأمين على هذا البلد وأهله من العابثين الحاقدين الذين يتحينون الفرص لنشر سمومهم لمحاولة زعزعة وحدتنا الوطنية وهويتنا الثقافية وثوابتنا الأخلاقية، إذ تسللت عشرات الكتب «الساقطة والرخيصة» التي شككت بالقرآن الكريم والسنة النبوية وادعت على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة وبكثير من ما تقره الشريعة الإسلامية وبالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبكافة الثوابت القطعية..! بالإضافة إلى عشرات من الكتب الإباحية «الخليعة» والمليئة بالعهر والفجور و«قلة الأدب»، والتي تكشف بكل وضوح عن إفلاس فكري وانحطاط أدبي سافر وعن معاناة مرضية ونفسية لمؤلفيها، وفيها ما لا يمكن التلفظ بها أصحاب الطبيعة السوية فضلاً عن أهل الخلق والأدب، كالتصريح بالأعضاء الجنسية للرجل والمرأة، والهيئات الجنسية ووسائل ممارسة الجنس لوحدك، إضافة إلى محاولات إقحام المحجبات وحافظات القرآن الكريم والإساءة إليهن وإشاعة زنى المحارم..!! وإذا كانت هذه الكتب قد مرت في «غفلة» من المسؤولين في وزارة الثقافة الجهة المشرفة على تنظيم المعرض، فإن من الواجب أن نذكر أنها ضبطت وأجهضت من قبل مواطنين غيورين وتم سحبها من المعرض لكن بعد أن تم بيع جزء منها..! وحتى لا تتحول «الغفلة» إلى «سبات عميق» فإن على وزارة الثقافة أن تفتح تحقيقًا في ما حدث ومعرفة أسبابه ومحاسبة «فريق المراقبين» الذين لم يحسنوا تقييم المعروضات الثقافية ولم يأخذوا في الحسبان أن من ضمن فئات الزوار طلاب وطالبات من المدارس المختلفة وبأعمار مراهقة لا يقدرون على الاختيار السليم بمفردهم إذ أنهم مازالوا يتبعون لعواطفهم ومن الطبيعي أن تستهويهم العناوين الخارجة عن النص والتي تخاطب غرائزهم أكثر من عقولهم! وقبل أن نتهم بأننا نحارب التنوع الفكري ولا نقبل بثقافة الآخر.. نقول ونؤكد أن ما نتحدث عنه «ويوجد منه نسخ في حوزة الوطن» لا علاقة له بهذا الاتهام، لأن الكمية «المضبوطة» والمطرودة من المعرض تتفق في رفضها ولفظها جميع الشرائع السماوية وكل المجتمعات السوية.. وليست مقتصرة على فئة، لأن من يعتقد بها أو يروج لها إنما هم شرذمة منحلة وشاذة والبعض الآخر يسعى للتكسب المادي والمعنوي من خلال تأليف مثل هذه الكتب المثيرة للجدل ونسج قصص من الخيال ليس له فيها مرجعيات بهدف إثارة الغرائز وامتثالاً للشعار المعروف: «كل ممنوع مرغوب»..! ووزارة الثقافة إذا كانت تحرص على إقامة هذا الكرنفال الثقافي السنوي منذ أكثر من عشرين عامًا لعلمها وإدراكها بقيمة وأهمية الكتاب وما يحتويه من معلومات وحقائق يحتاج لها الإنسان في كل زمان ومكان، ومن أجل النهوض بالنشء وتسليحه بما يقيه من أي غزو ثقافي يستهدف مكونات حياته الحاضرة والمستقبلية، والمساهمة في وضع بصمات منيرة وفاعلة في تثقيف الأجيال، والمشاركة في البناء الحضاري، والإبحار في عقول المفكرين والعلماء عبر هذا الكتاب الذي يحمل كل التجارب الإنسانية ذات القيمة الفاعلة. إلا أنه وبنفس القدر وذات القناعة يجب أن يكون الحرص على فحص ما يعرض لحماية مجتمعنا وشبابنا وبناتنا من أقلام «شاذة» لا تكتب بقناعات ولا تستند إلى حقائق بل لأهداف أخرى، لأن الخطر هنا يعادل الفائدة إذا ما كان أكثر في حال مرور مثل هذه الكتب «الفارغة» دينيًا وفكريًا..! مثلما أن اللغة هي وعاء الفكر والحضارة ووسيلة وحيدة للتعبير عن المعاني وواحد من المقومات الرئيسية لأية أمة، وعنصر أساسي هام لتحقيق وحدتها، فالكتاب أيضًا وبنفس القدر والأهمية أحد أهم المقومات الأساسية للثقافة وملتقى المفكرين والمثقفين فوق الكرة الأرضية. وغني عن القول أن الثقافة بمفهومها العام هي الإرث الاجتماعي وحصاد لأنشطة المجتمع الذهنية والفكرية والفنية والأدبية إلى جانب كافة نشاطات الإنسان وأدواته ونتاجاته. وتطور وجمود وانحطاط هذا الإرث مرهون بمدى استثمار الإنسان لعقله وتوظيفه في المسارات المفتوحة أمامه على مصراعيها، فإما أن يساهم في وضع بصمة عبر تفاعله ومعايشته الإيجابية مع التجارب الحياتية المتوارثة في مراحلها وإبداعاتها، أو أن يعيش على هامشها، وأساس أي ثقافة الكلمة والتجربة ووعائها الكتاب ورحم الله أبو الطيب المتنبي عندما قال: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ولكن ليس هذا الجليس من نوعية بعض الكتب التي ضمها معرض الدوحة الدولي الثاني والعشرين للكتاب، والتي تسللت في غفلة زمنية والتي تشير محتوياتها، إلى إفلاس مؤلفيها الفكري والفني والتقني بل والأخلاقي. «الوطن» غاصت في كثير من هذه الكتب التي أقل ما يمكن وصفها به أنها تجسد الفجور والعهر ولا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بالأدب ولا بالإبداع الذي يتذرعون به في محاولات تمرير إفلاسهم الفكري والأدبي وسقوطهم المدوي في عالم الأخلاق والكتابة البناءة، سعيًا يائسًا منهم للظهور والشهرة على قاعدة «خالف تعرف»، ولإفساد شباب الأمة والتسلل إلى عواطف وغرائز المراهقين عاطفيًا ودينيًا وسياسيًا، وجذبهم إلى مستنقعهم الآسن وانحرافاتهم بكل أبعادها وأشكالها، عبر كتب مثيرة للغرائز بالمقام الأول، وضارة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، صحيًا وجسديًا ونفسيًا وفي مقدمة هذه الأضرار السقوط الأخلاقي والديني وما لذلك من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع حاضرًا ومستقبلاً وبالتالي على الوطن الذي يفقد شبابه وما يكلف الدولة أي دولة من علاج باهظ الثمن. هذه الكتب تروج عبر ما جاءت به من مساوئ للرذيلة وتتماشى مع ولع المراهق من الجنسين باقتحام المجهول والاندفاع نحوه سواء أكان اندفاعًا نحو نبش الماضي أو الغوص في عوالم الحاضر أو ما يخبئه المستقبل حسب هذه الفئة الشاذة والضالة مدنيًا ودينًا من المؤلفين وناسجي الصور المخالفة للعقل والفطرة لتحيل الإنسان إلى أشبه ما يكون بالحيوان في عالم الغابة. وأعتقد هنا أنه يحق لنا ولكل من اكتشف وجود هذه الكتب في هذا المعرض الحضاري ذي الأهداف النبيلة، التساؤل عن كيفية دخول هذه الكتب، وإذا سمح لها بالدخول فما هي المبررات وتحت أي قاعدة أو عنوان سمح لها بذلك، وإن لم يكن كذلك فما هو الإجراء الذي سيتخذ أو اتخذ بحق دور النشر وهي معروفة بالاسم وبعضها معروف بهويته وتوجهاته الأدبية والثقافية، وإذا كان المبرر أو الذريعة هو الانفتاح والحريات وأن العالم الصبح «قرية كونية واحدة»، فإن الحرية إن لم تحافظ على الجيل الحالي وأجيال المستقبل، تتحول إلى مغامرة وفوضى، ومعول هدم، فديننا الحنيف عندما قرر بناء الأمم وبقاءها وازدهارها وحضارتها إنما يكفل لها ما بقيت الأخلاق. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي بحكمته الخالدة: إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ومثل هذه الكتب لا هدف لها إلا إفساد أخلاق الشباب عصب الأمة ومستقبلها، وما هؤلاء الكتاب إلا أدوات سواء سوء نية أو عن غرور الكلمة التي يسجنون أنفسهم في شرنقتها. ومن الكتب التي تثير التساؤلات أيضًا، ما وجدناه من كتب تحمل أسماء دينية إسلامية راقية وجاذبة، ولكن ما بداخلها عبارة عن سموم وصلت إلى حد «تكذيب» الأحاديث النبوية الشريفة وإنكارها والتشكيك في صحتها، بل والتشكيك أو إنكار النوافل من صوم غير رمضان، والصلوات غير الفروض الخمسة، واسموها بأنها إضافة إلى دين الله ما ليس منه، كما شككوا في تفاصيل الركن الرابع من أركان الإسلام وهو الزكاة ووصلوا إلى حد زعموا فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خالف آيات القرآن الكريم وأنه عليه الصلاة والسلام ينهى عن شيء وعندما لا يوافقه الناس يتراجع، كما اتهموا نبينا الكريم بالإفساد وأنه يعتدي ويحرق ويصلب. كما عرضت هذه الكتب بخليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه بتفسيرهم لآيات من سورة التوبة واتهموه بأنه اعتقد سرًا بينه وبين نفسه في غار حراء أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «ساحر» وجاء في الكتاب المذكور «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول لأبي بكر في الغار: اسكن فإن الله معنا، وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله قال: أتريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون وأريك جعفر وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال: نعم، فمسح بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون وإلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون فاضمر تلك الساعة أنه ساحر (فانزل الله سكينته). كما تناولت بعض هذه الكتب «الإسلامية» الخلفاء الراشدين بكثير من الإساءة والتجريح ووصفهم بعضها بما يرقى إلى «الجاهلية» في بعض المواقف، والتنكر للفقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى التشكيك بالأحاديث الشريفة. وفي كتاب آخر مما لفت الانتباه والدهشة أيضا تناول مسألة نزول القرآن الكريم آية آية والتطرق إلى الناسخ والمنسوخ التي يقول عنها هذا الكتاب «ولو صدقناهم» فنحن نوافقهم على أن الله لا يعلم ما يفعل وينزل شيئًا ثم يندم أو يغير رأيه، أو أنه ينتظر ردة فعل الناس فيما يشرع إن قبلوه أمضاه وإن رفضوه غيره (أستغفر الله العظيم). وكتاب آخر يتناول الحديث والقرآن فيقول إن كتب الحديث تحتوي قصصًا وأخبارًا وأساطير من كل حدب وصوب، ويقول «فهي قصص تعكس الزمن الذي اختلقت فيه، والعادات والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك العصر، وليس كما يظن أغلب المسلمين، أنها تتحدث عن أفعال وأقوال الرسول صلوات الله عليه، وإن نسبت إليه، فكتب الحديث تحتوي الأمثال والحكم الجاهلية وإسرائيليات يتداولها أهل الكتاب بينهم، وقصص مقتبسة أو منسوجة نسجًا حرفيًا من كتبهم المقدسة». ويقول في مكان آخر «إن صحيح بخاري عبارة عن مجموعة من القصص والحكايات تعبر عن رأي قائلها والبيئة التي قيلت فيه والهدف من إيرادها، ولا يمكن أن تكون صدرت من رسول الله ولا تمثل دين الله». ووصف كتاب آخر الأحاديث الشريفة بأنها «مصاب الأمة ومكمن مرضها»، «إذ أن كل تشريع وضع بموجب الحديث يعني ترك العمل بالتشريع الذي جاء به القرآن». وأمام هذا الغث من الكتب التي تسربت إلى معرض الدوحة الدولي في نسخته الثانية والعشرين، والذي يتجرأ على عقيدتنا الإسلامية وعلى أبنائنا عدة المستقبل، من واجب أصحاب الاختصاص في هذا المجال التصدي لهذا الخطر الداهم لدرئه وحماية ديننا من العبث وحماية شبابنا من السقوط في حبائل الكتاب أصحاب الأجندات الخبيثة، وصيانة أبنائنا الذين هم في طور النمو الذهني والفكري والعاطفي، ومنع كل دور النشر المسيئة من الحضور حتى لا تبتلينا بإنتاجها الثقافي الهابط، وواجب المثقفين والإعلاميين والصحفيين دور مهم في محاصرة هؤلاء ونتاجاتهم المبتذلة التي يريدون العبور منها إلى بيوتنا ومستقبلنا لتفكيكها وضربها في العمق، مع قناعتنا الأكيدة بالتسامح والتصالح مع كافة الحضارات وبالتأكيد نحن مع الحرية التي سقفها السماء ولكن المحددة بضمير ومسؤولية ولا يكون هدفها أن تبث أفكارًا مسمومة وخبيثة تدعو للفجور وامتهان كرامة الإنسان بطريقة ترفضها جميع الأديان السماوية وكل المقاييس العلمية.. وأن الادعاء بأن هذه السخافات والتطاول والتجديف ومحاولة هدم قيمنا وأخلاقيات شبابنا «إبداع»، فليحتفظوا ب «إبداعاتهم» في مجتمعات تقبل وجود انحراف أخلاقي ولا تهتم بمنع الرذيلة وعليهم ألا يخلطوا بين خصوصياتهم وأمراضهم النفسية وبين معتقداتهم الخاصة، ولا مبرر لاقتحام حياة غيرهم، إما بهدف إثارة فتنة والدعوة للفساد أو للاعتداء على حرية الآخرين والتجاوز على ثوابت المجتمع وقيمه وأخلاقياته ودينه وذائقته الفنية والفكرية.