في الوقت الذي تكتظ فيه الساحة الدعوية بالوعاظ والخطباء والدعاة من الرجال, لا يزال دور المرأة منحسرا ومحدودا في هذا الجانب رغم الدور المهم والحيوي للمرأة الذي ينبغي لها أن يؤديه. ورغم أن جامعة الأزهر وحدها تخرج سنويا آلاف الخريجات بالكليات الشرعية, فضلا عن عضوات هيئة التدريس بها, إلا أن عدد النساء المشتغلات بالدعوة والمتصدرات للفتاوي لا يزال محدودا جدا, وكأن الأزهر عقم أن يخرج علماء سيدات بخلاف العناصر المحدودة التي تتصدر المشهد الدعوي منذ سنوات. الدكتور سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر تري أن هناك مسئولية مشتركة بين الأزهر كمؤسسة وإدارة, وبين الأزهريين أنفسهم كأعضاء هيئة تدريس وخريجين أزهريين, ذلك أن كثيرا من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر من السيدات يعزفن عن الدعوة, ويتقوقعن علي أنفسهن, ويفضلن الاقتصار علي المحاضرة فقط, ولا ينشغلن بالدعوة الي الله والفقه لتعليم الناس شئون دينهم, رغم أن المرأة تكون أقرب إلي المرأة وأشد تأثيرا فيها من الرجل, علاوة علي أن دعوة المرأة كانت رسالة السيدة عائشة رضي الله عنها التي تخلي عنها خريجات الأزهر. وحذرت د.سعاد صالح من أن انحسار دور الداعيات بالأزهر يفسح المجال لغير الأزهريات للعمل بالدعوة, واللائي نشأن علميا علي ما يسمي بالمنهج السلفي والشخصيات السلفية وغيرذلك, من خلال تلقيهن دورات ببعض معاهد إعداد الدعاة غير الرسمية بما تحمله من فكر بعيد عن فكر الأزهر الوسطي المعتدل.. بل لا يكتفي هؤلاء بذلك بل نجدهن أحيانا يتصدرن بالإضافة إلي الدعوة للإفتاء وتفسير الأحلام ونحو ذلك استغلالا لاسم الدين والدعوة تارة, وجهل بعض المتلقين تارة أخري. أما الجانب الآخر لانحسار دور الداعيات والمتعلق بالأزهر نفسه كمؤسسة وإدارة, فيتلخص في إيجاد ما يشبه خصومة بين الأزهر وعلمائه من السيدات, ومحاولة التقليل فيما يقمن به من دور علي مستوي الفقه والدعوة.. وليس أدل علي هذا من عدم ضم الأزهر أحدا من السيدات إلي مجمع البحوث أو هيئة كبار العلماء حتي الآن, ألا توجد سيدة واحدة في تاريخ الأزهر كله تحمل من العلم ما يؤهلها لذلك!! وأليس عجيبا أن يحترم الأزهر كل الشخصيات الممثلة للمرأة في المجتمع سواء كن سافرات أو مسيحيات, ولا يحترم الأزهرية العالمة. وأين دور الأزهر في تشجيع سيداته العالمات في مجالي الدعوة والبحث, فأنا شخصيا علي سبيل المثال فقط طوال مشواري العلمي والدعوي الطويل لم ترشحني جامعتي لمؤتمر علمي واحد خارج مصر, في حين أنني حصلت علي الأستاذية منذ ربع قرن..لماذا التفرقة في التعامل مع أساتذة جامعة الأزهر, لماذا هذه الانتقائية والعنصرية في التعامل مع داعيات الأزهر..لماذا لا يحتكم الأزهر للعلم بتجرد ولا يحتكم للأشخاص. ودعت الدكتورة سعاد صالح إلي مبادرة للأزهر وإمامه الجليل للتواصل والتصالح مع الأزهريات ودعمهن وتقديمهن للدعوة, دون الاكتفاء بواحدة أو اثنتين وإهمال الأخريات, ولا يليق بجامعة الأزهر العريقة ألا نجد في محيط الدعوة سوي نماذج محدودة نشاهدها علي الساحة منذ سنوات طويلة, وكأن الجامعة عقمت أن تخرج أستاذات قادرات علي الدعوة. ومن ثم فإنه يجب علي الجامعة أن تكثف الاستعانة بعضوات هيئة التدريس والباحثات في الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية, ويجب علي الرابطة العالمية لخريجي الأزهر في ظل اهتمامها بالوافدين والوافدات واقامة محاضرات وندوات الاستعانة بالأستاذات عضوات هيئة التدريس بالأزهر من مختلف الكليات, واحدة تلو الأخري كل في تخصصها, حتي يتدربن علي الدعوة في جامعتهن وبين طلابها. وبسؤالها عن عدم وجود كلية للدعوة للطالبات أجابت د. سعاد صالح بأنه لا حاجة لكلية متخصصة للدعوة مشيرة إلي أن كل كليات البنات بالأزهر بها شعبة لأصول الدين تتضمن المقررات المطلوبة للدعوة, لكن يبقي إسقاط هذه المقررات علي أرض الواقع, وهذه هي مهمة الأزهريات والأزهر نفسه. الأمر نفسه أكدته الدكتورة آمنة نصير عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية بنات بالإسكندرية سابقا مشيرة إلي أن خريجات الأزهر انسحبن من الدعوة وتخلين عن الدور المنوط بهن بجوار زملائهن الرجال في الدعوة إلي الله, وقالت نصير إن مما أسهم في هذا الانسحاب أن المشايخ الرجال لا يرحبون بزملائهن السيدات, فالرجل لا يرحب أبدا بأن يري بجواره امرأة في محيط الدعوة, ودعا ذلك الأزهريات الشابات إلي العزوف عن الدعوة مخافة النقد والتعرض لمواقف لا يجدن التعامل معها. في السياق نفسه أشارت الداعية والباحثة الإسلامية هدي الكاشف, عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة, إلي أن وزارة الأوقاف أسهمت علي مدار الحقب الماضية في انحسار دور الداعيات بما تفرضه من تعقيدات وعدم التيسير في حصول الداعيات المؤهلات علي تراخيص الدعوة, في الوقت الذي تنشط فيه الداعيات غير الأزهريات. وأشارت الكاشف إلي أنها أعدت مشروع دراسة لتعليم نساء المسلمين تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة شاملة أحكام التلاوة و التجويد, و حفظه في دورة زمنية محددة, وتعليمهن بطريقة مبسطة أمور دينهن الحياتية فيما يتعلق بالطهارة, و العدة, و الرضاعة.. وغير ذلك من فقه النساء المفتقد لدي الكثير من المسلمات. و ذلك عن طريق انشاء مراكز تابعة للأزهر الشريف في كل منطقة بمصر, بحيث تكون نظام الدراسة في هذه المراكز غير خاضع لأي شروط من سن أو مؤهل علمي أو حتي جنسية.. علي أن تتدرج الدراسة في هذه المراكز إلي مستويات لطالبات العلم, فمنهن من تتعلم للثقافة الدينية والتعليم الشخصي, وأخريات يمكن تكثيف الدراسة لهن علي حسب القدرات لكل منهن, حتي يتم افراز عناصر نسائية متفوقة تتكفل بالتدريس في هذه المراكز للطلبة, فيتكون الاكتفاء الذاتي لجميع المراكز مع تفضيل أن يقوم بالتدريس في هذه المراكز النساء فقط وبالتالي يتكون لدينا قاعدة هائلة من المدرسات الواعدات والمسلمات الواعيات بالقرآن وأمور دينهن. وبذلك يتم التخلص من ظاهرة الاحتياج الدائم لبيوت المسلمين إلي من يعلم أبنائهم وخاصة البنات منهم لتلاوة القرآن وحفظه وتعليم أمور الدين المختلفة, فيلجأ البعض لاستقدام شيخ بالمنزل أحيانا بضوابطه الشرعية, وأحيانا أخري بدون ضوابط شرعية لمن لا يعلم أصول دينه وبيوت أخري تيأس من تعليم أبنائها عندما تمل البحث عن المعلمات من النساء فلا تجدهن, لقلة عددهن أحيانا أو لتكلفتهن الباهظة علي احتياجات الأسرة.