لم يستغرق الإعصار, الذي ضرب مدينة جمصة الساحلية الجمعة الماضي, أكثر من عشر دقائق, وحسب أقوال قاطني المدينة: لو استمر أكثر من ذلك لأصبحت خرابا, فقد أظلمت الدنيا هناك بعد نحو ساعة من صلاة الجمعة, وهطلت الأمطار الغزيرة محملة بالثلوج, في مقدمة لذلك الإعصار المباغت. والمباغتة هنا جاءت نتيجة الغيبوبة التي تعيشها هيئة الأرصاد لدينا, فالإعصار, في أي دولة من دول العالم المتحضر والنامي علي السواء, تسبقه تحذيرات قبل وقوعه بنحو أسبوع كامل, وتظل هناك متابعة يومية, بل لحظية, علي شاشات التليفزيون لتحركاته, وقوته, وعما إذا تحول إلي عاصفة, أو ما إذا كان عاصفة في البداية تحولت إلي إعصار, وهكذا, حتي يأخذ الناس حذرهم ويلملمون' خلجاتهم'. فقد خلف إعصار جمصة وراءه, بالإضافة إلي وفاة مواطن وإصابة العشرات, دمارا في خمسة مصانع, وستة أبراج كهربائية, ونحو خمسمائة عمود إنارة, بالإضافة إلي تدمير2300 فدان مزروعة بالبطيخ, والقمح, والطماطم, والآلاف من الصوبات الزراعية, وأسفر عن انقطاع الكهرباء علي مدي ستة أيام بنسب متفاوتة ليس عن مدينة جمصة فقط, وإنما عن قري مركز بلقاس أيضا, وأكرر أن هذه كانت مخلفات عشر دقائق فقط من الإعصار, ناهيك عما لم يتم تسجيله من خسائر. المناخ لدينا, كما في باقي أنحاء العالم, أصبح متقلبا إلي حد كبير, ففي الماضي, وفي هذا التوقيت من شهر مايو, كانت المصايف تبدأ في فتح أبوابها, أما الآن فقد اختلف الوضع, وفي الماضي كنا نري في موسم الشتاء أمطارا غزيرة, أما الآن فقد اختلف الوضع أيضا, وبالتالي لابد أن نتوقع أزمات جوية, أو مناخية مباغتة في أي من فصول العام, إلا أنها سوف تصبح كارثة إذا لم يتم دق جرس الإنذار قبلها, وقد تطورت علوم الفلك والأرصاد إلي حد كبير جدا في هذا الشأن, ولا أدري أين موقعنا علي خريطة هذا التطور؟!, وما بدا واضحا من أزمة جمصة هو أننا لسنا علي الخريطة أساسا, وهو ما يدعونا هنا إلي دق ذلك الجرس, وذلك بأن تتحمل الدولة مسئوليتها. فالملاحظ أن هيئة الأرصاد لدينا لم تنطق لا قبل وقوع الإعصار ولا بعد حدوثه, والملاحظ أيضا أنه لا أحد يعرف حتي الآن, من أين أتي, ولا إلي أين ذهب؟!, وهي أسئلة طبيعية جدا, وإجاباتها لاتحتاج إلي جهد كبير من المتخصصين, إذا كانوا متخصصين بالفعل! وسوف يظل أهالي جمصة وما حولها يتوجسون خوفا ورعبا وهلعا لسنوات طويلة من أي أمطار طبيعية, أو تغيرات مناخية عادية, إلا أنهم قد حمدوا الله كثيرا علي أن هذا الإعصار قد تأخر عدة أيام عن احتفالات عيد الربيع, حيث كانت المدينة تحتضن أكثر من مليوني مواطن انتشروا علي شواطئها وبين شوارعها لقضاء العطلة هناك, وحين ذلك كانت الكارثة محققة, وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن سلوكيات ما بعد الحدث لدينا لا تأتي أبدا علي المستوي المطلوب, في ظل أزمات المستشفيات, والإسعافات الطارئة, وخلافه. وسوف نشيد هنا بأداء قطاع الكهرباء عقب ذلك الإعصار, والجهود التي بذلت لإصلاح ما خلفه, حتي عادت الأمور إلي طبيعتها يوما بعد يوم, بجهود مخلصة, سواء من شركة توزيع شمال الدلتا, أو الشركة القابضة, أو الوزارة, إلا أن جمصة سوف تظل درسا يجب أن نتوقف أمامه طويلا. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة