تطوير شامل في الطاقة الفندقية لجامعة المنيا لتصل إلى 892 سريرًا    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    «مستقبل وطن» يواصل عقد المؤتمرات الجماهيرية لدعم مرشحى مجلس النواب    «الفجر بالإسكندرية 5.44 ص».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الثلاثاء    وزير التعليم العالى يغادر إلى لندن للمشاركة بمؤتمر نحو العالمية "Going Global "    تضامن المنوفية: تمديد 578 وصلة مياه شرب نظيفة بقرى ومراكز المحافظة    ضبط 178 كيلو لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي في أسيوط    رسميا.. موعد بدء التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر (تفاصيل)    توقيع خطاب نوايا بين وزارة التعليم والمدرسة الرقمية الإماراتية لتطوير التعليم الفني    الحكومة تدرس عروضًا استثمارية لإنشاء وتطوير فنادق ومشروعات عمرانية بمحافظة بورسعيد    الصحف العالمية اليوم: ترامب يقدم بادرة حسن نية لصناعة السيارات الكورية قبل زيارة سيول.. ستارمر يكشف أسراره وشغفه بالموسيقى ومرض والدته ووفاة شقيقه أصعب اللحظات.. والمتحف المصرى الكبير الطموح الثقافى الأضخم لمصر    حماس: غزة والضفة الغربية هي وحدة وطنية واحدة    سفير مصر لدى بيروت: التصعيد الإسرائيلي في لبنان يستوجب تحركا إقليميا    اتحاد الكرة يرسل خطاباً للزمالك برفض مشاركة دونجا فى السوبر المصري    موعد مباراة الأهلي ضد الباطن في كأس خادم الحرمين الشريفين والقنوات الناقلة    رويدا هشام: سأنحاز للسيدات.. وخدمة الأهلي شرف كبير    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات بيراميدز مع أليو ديانج    ضبط سائق توك توك اصطدم بسيارة وهدد صاحبها    طريقة تصحيح امتحانات شهر أكتوبر 2025.. وتحذير صادم للطلاب المتغيبين    مصر وطن السلام.. رسائل القوة والموقف!    افتتاح الدورة الأولى لمهرجان غزة الدولي لسينما المرأة وسط قطاع غزة    الجمهور يشيد بالمخرج محمد حماقي بعد تألقه في مسلسل "لينك"    مواقيت الصلاة بمطروح وأذكار الصباح اليوم 27 أكتوبر    وزير الصحة: إنشاء 22 غرفة لإدارة الأزمات ضمن الشبكة الوطنية للطوارئ    مدير الرعاية الصحية بأسوان يستضيف الاجتماع التنسيقى لهيئات المنظومة الجديدة    وزير العمل: إصدار القانون الجديد محطة فارقة في تحديث التشريعات الوطنية    مدير الكرة بالزمالك : دونجا ضمن بعثة الفريق لخوض السوبر المحلي    الخميس.. العرض المسرحي تطبق العروض والأحلام بمكتبة مصر الجديدة العامة    مدرب برشلونة: أجواء برنابيو أربكت يامال وغياب ليفاندوفسكي أثّر على الفريق    طريقة عمل شاي اللاتيه بمذاق ناعم    وزير الخزانة الأمريكى: واشنطن وبكين اتفقتا على إطار عمل لاتفاقية تجارية    عاجل بالصور الصحة: إنقاذ ناجح لسائحة إسبانية أصيبت داخل هرم سنفرو المنحني بدهشور    3 مصابين في انهيار داخلي لعقار بمنطقة العصافرة في الإسكندرية.. والمحافظ يتابع الحادث    محافظة الجيزة : طلاء 3000 عقار لتجميل محيط المتحف المصرى الكبير والطرق المؤدية إليها    علاج 1674 مواطنا بقافلة طبية بالشرقية    بكين: المقاتلة الأمريكية تحطمت أثناء تدريب عسكرى فى بحر الصين الجنوبى    محافظ الإسكندرية يتابع تداعيات انهيار أجزاء من عقار بالعصافرة بحري    تخصيص جزء من طابور الصباح لتعريف طلاب القاهرة بالمتحف المصري الكبير    وزيرة التضامن تلتقي المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب    شيخ الأزهر: الحروب العبثية كشفت انهيار النظام الأخلاقي في العالم    بكام الطماطم النهارده؟.. أسعار الخضراوات والفاكهة فى الوادى الجديد    طفل يقود ميكروباص في بني سويف ووزارة الداخلية تتحرك سريعًا    تأجيل محاكمة 24 متهما بالإنضمام لجماعة الأخوان الإرهابية لمرافعة النيابة العامة    جامعة الإسكندرية تحقق إنجازا عالميا باختيار مركز القسطرة ضمن أفضل 7 مراكز خارج الولايات المتحدة    دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    ضبط 6 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار في المرج    الأمم المتحدة تعرب عن قلقها البالغ إزاء الوضع في الفاشر السودانية وتدعو لوقف فوري لإطلاق النار    ترامب يحذر الحوامل مجددًا| لا تستخدمن دواء "تايلينول" إلا للضرورة القصوى    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    اتصالات لوزير الخارجية مع نظرائه في فرنسا واليونان والسعودية والأردن لبحث تطورات الأوضاع في فلسطين والسودان    بالفيديو.. الأوقاف: "مسابقة الأئمة النجباء" تعكس نقلة نوعية في تطوير الخطاب الديني    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    فريدة سيف النصر تعلن تفاصيل عزاء شقيقها اليوم    أول أيام الصيام فلكيًا.. متى يبدأ شهر رمضان 2026؟    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    إسرائيل تنسحب من منطقة البحث عن جثث المحتجزين في غزة    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اليابان السيول تتحول إلي نعمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 01 - 2010

في اليابان يستطيعون أن يعرفوا ما إذا كان اليوم‏27‏ يناير عام‏2030‏ أو حتي‏2050‏ سيكون يوما ممطرا أو مشمسا‏..‏ ليس فقط لأنهم طوروا أجهزة فلك وطقس متقدمة للغاية‏..‏ ولكن لأن لديهم تراكما في كل المجالات‏. السبب في هو أن المتخصصين في اليابان يسجلون ويرصدون التغيرات المناخية والتحركات الزلزالية والبركانية منذ أكثر من مائتي عام‏. كل هذه المعلومات متاحة ومتوافرة للخبراء والباحثين بل عامة الناس‏,‏ ومن الصعب في اليابان أن تباغتهم سيول من الأمطار الغزيرة لم يعملوا لها حسابا كما يحدث عندنا‏..‏ ونشعر بأننا أخذنا علي غرة في كل مرة تحدث فيها امطار غزيرة أو عواصف بالرغم من أنها تتكرر في المواعيد نفسها تقريبا ربما مع بعض التغير الطفيف سواء بالقدوم مبكرا عدة أيام أو اكثر غزارة أو أقل‏..‏ لكن التوقيتات شبه ثابتة ومع ذلك لا نعمل لها حسابا ولا ننبه الناس إليها‏..‏ بل الأدهي والأمر أننا نعرف بحكم العادة والتكرار أن مناطق محددة تعد مجاري للسيول أو ملتقي لمياه الأمطار التي تكون السيول نتيجة اندفاعها من المناطق المرتفعة إلي المناطق المنخفضة لتستقر في منطقة محددة‏..‏ ومع ذلك فإن جهلنا أو طمعنا يدفعنا إلي أن نختار تلك المناطق لتكون مدنا يقيم فيها الناس وما أن تأتي الأمطار الغزيرة التي سرعان ما تتحول إلي سيول تجرف في وجهها تلك المباني وتغرق هؤلاء البشر‏..‏ وكأننا لم نكن نعرف أنها مقر مياه السيول‏..‏ ويخسر الناس حياتهم وأموالهم وتضيع علي الدولة الفقيرة التي تعاني من شح الموارد المالية ملايين وربما مليارات بسبب الجهل وقلة الضمير وأشياء أخري‏!‏
فماذا فعلت اليابان حتي لا تغرقها السيول‏,‏ بل وتستفيد من مياهها؟
عندما ذهبت إلي اليابان لأول مرة في أغسطس عام‏1990‏ كنت أبدي دهشة كبيرة للغاية من أن الأمطار لا تتوقف تقريبا لا ليل ولا نهار‏..‏ وتظل تهطل أياما وربما أسابيع دون توقف‏..‏ ولكن الحياة تمضي كما هي‏..‏ والشوارع ليس بها نقطة من مياه الأمطار ولا المجاري طبعا والمدهش أنني لم أشاهد الشوارع تتحول إلي برك ومستنقعات نتيجة غزارة مياه الأمطار‏..‏ بالرغم من أن شوارع العاصمة طوكيو كلها طالع نازل منها المنخفض للغاية والمرتفع‏..‏ فهي أرض ليست مستوية أو منبسطة مثل انبساط أرضنا ولكنها مرتفعات ومنخفضات وروابي‏..‏
وتساءلت أين تذهب مياه الأمطار؟
فأخذني من يدي صديق ياباني يعمل باحثا واستاذا في جامعة طوكيو‏..‏ وزرنا عدة أنهار صناعية في أنحاء مختلفة من العاصمة‏,‏ وشرح لي كيف أنهم قسموا المدينة وشقوا بها عدة أنهار صناعية يتناسب العدد مع ما لديهم من معلومات عن حجم وغزارة مياه الأمطار التي تهطل علي البلاد حتي تستوعب هذا الكم الكبير من الأمطار‏.‏ وتنقل هذه الأنهار مياه الأمطار إلي المحيط دون أن تغرق الشوارع أو تتحول إلي بحر وبرك ومستنقعات وتعوق دولاب العمل في البلاد‏.;‏ لأن تعطيل العمل في اليابان دقيقة واحدة يكلفها مليارات أما عندنا فإنه من الواضح أنها لا تفرق‏!‏
ولكن ما هي تلك الأنهار الصناعية التي شيدوها في اليابان لاستيعاب مياه الأمطار‏..‏ مما تتكون؟
اليابان تاريخيا دولة زراعية‏..‏ الأرز هو محصولها الرئيسي الذي يعتمد عليه الشعب في طعامه وهو يعتمد عليه منذ بدأت حضارة اليابان منذ آلاف السنين ومعروف أن زراعة الأرز تحتاج إلي مياه وفيرة‏..‏ وهكذا اعتمدت البلاد علي مياه الأمطار التي شقت لنفسها عدة أنهار في أنحاء اليابان في زراعة الأرز لإطعام شعبها‏,‏ وهكذا اعتبرت اليابان منذ القدم مياه الأمطار ومحصول الأرز من مقومات الأمن القومي للبلاد‏,‏ واعتنت بهما وطورت الحياة اعتمادا عليهما‏.‏ واعتبر اليابانيون مياه الأمطار نعمة لا نقمة‏,‏ تمدهم بالحياة والنماء‏,‏ ولا تجلب لهم الخراب والدمار كما تفعل عندنا وأصروا علي الاستفادة منها بأقصي قدر ممكن بالعلم والدراسة‏.‏
ومن هنا‏..‏ عندما بدأت اليابان مشروع الدولة الحديثة في عام‏1868‏ مع عهد الميجي وإصلاحاته‏..‏ وضع خبراء البلاد ومصلحوها في اعتبارهم الظروف المناخية للبلاد‏,‏ بحيث تتم الاستفادة الكاملة من مياه الأمطار وفي نفس الوقت يوفرون أفضل وسائل الحماية للشعب حتي لا تغرقه سيول الأمطار‏.‏ مع ملاحظة أن معظم أراضي اليابان إما جبال مرتفعة أو مرتفعات ومنخفضات وجزر‏.‏ وبالأرقام فإن‏71%‏ من أراضي اليابان وعرة ولا تصلح للسكن أو الزراعة في حين أن‏29%‏ فقط من أراضي البلاد هي المأهولة والمزروعة‏..‏
ومن هنا وضع مهندسو اليابان خططا لشق أنهار صناعية في كل المدن تقريبا حتي تحمل مياه الأمطار إلي المحيط‏..‏ وتم تشييد الأنهار الصناعية من الأسمنت وهي عميقة للغاية يزيد عمق بعضها علي‏40‏ مترا أو أكثر في باطن الأرض مع ربطها بشبكة مصارف منفصلة عن شبكة المجاري‏,‏ وهذه المصارف تستقبل مياه الأمطار عبر بلوعات متقاربة في الشوارع لا يزيد بعد الواحدة عن الأخري أكثر من مائة متر أو أقل‏.‏ وتنقل مصارف الشوارع مياه الأمطار إلي الأنهار الصناعية التي تنقلها بدورها إلي المحيط‏..‏ ولم ينس اليابانيون أن يستفيدوا من هذه المياه قبل وصولها إلي المحيط فأقاموا السدود علي هذه الأنهار للاستفادة من تدفق المياه في توليد الكهرباء‏,‏ وحجز جزء من المياه للاستفادة بها في زراعة الأرز‏.‏
وقد زرت مع استاذي في جامعة اليابان الدولية وأنا أدرس الماجستير في تيجاتا بشمال اليابان العديد من القناطر التي أقامتها اليابان للاستفادة من مياه الأمطار‏.‏ وأوضح إشيكاوا سينسيه أو البروفيسور إشيكاوا كما كنا نناديه‏,‏ وكان متخصصا في تاريخ الزراعة في مصر في عهد محمد علي باشا‏,‏ كيف استفاد اليابانيون من تجربة القناطر التي شيدها محمد علي في مصر وهو يبني مصر الحديثة‏.‏ وقال الرجل بكل فخر أمام كل الدارسين كيف أن قناطر محمد علي كانت متقدمة للغاية في هذا الوقت وأن اليابان لم تجد أفضل منها لتدرسها وتقيم قناطر علي غرارها‏!.‏
لهذا هم يتقدمون‏..‏ لأنهم يستفيدون من تجارب العالم ويدرسونها بعناية ودقة وبكل التفاصيل‏..‏ الايجابيات والسلبيات‏.‏ ما يتفق مع ظروفهم وما لا يتفق‏,‏ وتتراكم المعرفة لديهم‏;.‏ فهم يعملون لصالح بلدهم ووطنهم قبل كل شيء‏,‏ بينما نبدأ نحن دائما من الصفر لا من حيث انتهي الآخرون‏.‏ وهكذا‏,‏ تبدأ حياتنا من الصفر مع كل يوم جديد بكل ما يعنيه هذا من ضياع الوقت والجهد‏.‏ ولن نصبح مثل اليابان إلا إذا عمل كل مصري في كل موقع بوازع من ضميره من أجل مصر‏..‏ ومصر فقط بتراكم المعرفة والخبرة‏.!!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.