تقول البروفيسور هيلينا هاميرو في كتابها العوالم المفقودة: الفايكنج: كان ظهور الفايكنج غريبا. ما الذي جعلهم فجأة يريدون مداهمة الجميع واستعمار كل البلاد؟ فقد هبطت أول سفينة فايكنغ في بريطانيا عام793 وبعدها انساحت جحافلهم من شمال أوروبا المتجمدة إلي كل الأراضي المحيطة, فيما عرف باسم عصر الفايكنج. واستمر تدفقهم لأجيال عديدة, مروعين جميع الأراضي المحيطة بهم. وعاشت الإمارات المسيحية في أوروبا حوالي ثلاثمائة سنة تحت رحمتهم. ويقول رويزداه لأن سفنهم سيطرت علي البحارمن شرق روسيا وجرينلاند في الشمال إلي إيطاليا في الجنوب, وظهروا كقراصنة أو مرتزقة أو فاتحين وحكام وجامعي ضرائب وأمراء ومزارعين مستوطنين ومستكشفين ومستعمرين, ويقول إن السيطرة والنهب كانتا هما القوتان الدافعتان للفايكنج. وفي القرن التاسع استقر الفايكنج في اسكتلندا وأيرلندا وآيسلندا وجرينلاند ووصلوا لشواطئ أمريكا, واستقروا أيضا في مناطق روسيا والساحل الجنوبي لبحر البلطيق, وأنشأوا أول أسرة حاكمة في نوفجورود وكييف سميت باسم الإمبراطور روس. كما داهموا جنوبفرنسا واحتلوا باريس ونهبوها. وكتب الراهب إيرمنتاريوس يقول: تبدو جحافلهم بلا نهاية, والمسيحيون هم ضحايا المجازر والحرق والنهب. لقد دمروا واستولوا علي بيردو وبيرجو وليموج وتولوز وأنجري وتور وأورلينز, وسفنهم التي لاتعد ولاتحصي تبحر في نهر السين. وفي القرن العاشر, استقر الفايكنج في نورماندي في شمال فرنسا, التي سميت بمنطقة رجال الشمال(Norman) اتخذ حكامهم أسماء وألقابا فرنسية, واستقروا أيضا في الجزر البريطانية وفي بريطانيا وأيرلندا. في القرن الحادي عشرحكم انجلترا والدنمارك ملك واحد من الفايكنج هو الملك كانوت. وفي عام1066 قام وليام النورماندي بغزو إنجلترا وأنشأ حكم النورمان. ويعتبركريستوفر ووكر صعود النورمان عاملا رئيسيا في الحروب الصليبية, حيث غيروا الطبيعة السلمية لحجاج الأراضي المقدسة إلي الغزو العنيف. ونجحوا في زيادة شعبية هدفهم لغزو الأرض المقدسة بالحصول علي مباركة البابا. لقد استخدموا البابوية لتحقيق أغراضهم, واستخدمتهم البابوية أيضا لتحقيق مآربها. وحالما استقرت دعائمهم في أوروبا, وخاصة في الجزر البريطانية, وجه الفايكنج إرهابهم نحو الأرض المقدسة, فيما عرف بالحروب الصليبية, والتي ستؤثر بشدة علي علاقة أوروبا الغربية بالمسلمين لأجيال قادمة. وكما انساح الفايكنج فجأة في أوروبا, اختفوا من التاريخ فجأة. فحيثما استقروا بين أناس أكثر تحضرا, كانوا حريصين علي الذوبان فيهم لإسباغ الشرعية علي رغبتهم في السيادة والملك. واعتنق بعضهم المسيحية لجعل سيطرتهم أكثر قبولا. ويشير الإنجليز اليوم إلي أنفسهم باسم الأنجلوساكسون وليس باسم الفايكنج أو النورمان, برغم اختلاط أنسابهم تماما. وتقول بعض كتب التاريخ أن الارستقراطية البريطانية تنحدر من الفايكنج, وأن كل الملوك البريطانيين منذ عهد وليام الفاتح من أحفاد الفايكنج. كما استمر الأوروبيون علي خطي أجدادهم الفايكنج في إرسال السفن للبحث عن الأراضي لاستغلالها واستعمارها. ويبدو أن ما سمي برحلات الاستكشاف لم تكن إلا استمرارا لرحلات الفايكنج القديمة. كما أصبحت القرصنة مقننة في إنجلترا, يشار إليها بمصطلح وقور هو الخصوصي وأصبح العصر الإليزابيثي الإنجليزي يعرف باسم عصر القرصنة الخصوصي. واستمر هذا النشاط الإجرامي حتي عصر الاستعمار الأوروبي. وكذا دبلوماسية الزوارق الحربية سيئة السمعة التي أصبحت صفة لأوروبا الاستعمارية تعكس جشع وطمع قراصنة الشمال عديمي الضمير. لقد كان الاستعمار الأوروبي تطورا طبيعيا لمشروع الفايكنج. وكانت حكومة الفايكنج غريبة, وربما كانوا أول من اخترع الديمقراطية في أوروبا. فكانوا يعقدون جمعية عامة من الأحرار ملاك الأراضي, سموها البتاع-Thething تناقش فيها المسائل المحلية والقوانين الجديدة وينتخب الملوك وتحل النزاعات. ويقول شارتراند أن الفايكنج صدروا هذا النوع من الحكومة لمستعمراتهم الأوروبية. ومن المعروف أن سفن القراصنة طوال عصرها الذهبي كانت تختار قوادها بالانتخاب الحر المباشر من بين بحارتها اللصوص! ولهذا فليس من قبيل المصادفة أن بريطانيا, المستعمرة الأولي لجحافل الفايكنغ, كانت أول دولة تقوم بتطوير المؤسسات الديمقراطية! لقد رفض الفايكنج كل أشكال السلطة, ولم يشعروا بأي ميل للرضوخ لإله أو ملك. وهذه الطبيعة المتمردة الكامنة, كانت واحدة من خصائص هذا الجنس الغريب. إن السمة الأساسية للديمقراطية هي أنها في جوهرها إنكار لأي سلطة أخلاقية أعلي, ولهذا راقت للفايكنج. إن الديمقراطية تعني أن الناس أنفسهم هم من يقررون القواعد والقوانين الخاصة بهم. وبالتالي, فليس هناك شيء أو أحد يمكن أن يمنعهم من القيام بما يريدون عمله. وترفض الديمقراطية بطبيعتها أي توجيهات وقواعد إلهية مفروضة علي السلوك البشري. إنها تضمن حرية الإنسان في القيام بأي نشاط يرغب فيه طالما كانت هناك موافقة جماعية عليه. لمزيد من مقالات د. صلاح عبد الكريم