قبل وبعد انتخابات الرئاسة, قطع الدكتور محمد مرسي علي نفسه عهدا بتحقيق مطالب الثورة, وحمايتها من أعدائها. وبعد ثلاثمائة يوم في موقع المسئولية, إلي أي مدي ذهب الرئيس مرسي في الوفاء بوعد حماية الثورة من أعدائها؟ للتذكرة, أعداء ثورة يناير هم كل من استفاد وتعاظمت مكاسبه أو مواقعه أو مناصبه في عهد مبارك بفساد أو دون حق. أعداء الثورة هم من نهبوا أموالا عامة وخربوا الزراعة والصناعة والصحة وجرفوا الأراضي وخصخصوا الشركات. ورعاهم في ذلك إعلام ضلل المواطن وأضل الوطن. أعداء الثورة ليسوا أفرادا بل كيانات وشبكات مترابطة. وليسوا قليلين بالعشرات ولا بالمئات, وإنما يعدون بالآلاف, فالفساد استشري أفقيا في كل القطاعات وتغلغل رأسيا حتي كاد يسيطر علي مختلف المستويات في كل قطاع. ألم يكن الرئيس مرسي يعرف ذلك؟ إذا كان يعرف فلم إذن أبقي علي معظم الصفوف الثانية من القيادات التنفيذية والمحلية في مواقعها؟ واختار بعضهم لحمل حقائب وزارية طالما خدموا بإخلاص من كان يحملها في عهد مبارك. بل لا يزال بعض منهم مرشحا لتولي حقائب أو مناصب. إن لم يكن الرئيس يعرف أن فساد عهد مبارك استشري في مصر طولا وعرضا, فهو علي الأقل يظن أن الفساد توقف عند القيادات العليا والرموز الشهيرة من مسئولين ورجال أعمال ومحتكري السلع الاستراتيجية والغذائية وأباطرة الأراضي وأصحاب المشروعات الصناعية الوهمية. فلماذا إذن لم يتم التعامل مع هؤلاء حسب طبيعتهم الحقيقية كأعداء للثورة ومواقعهم الأصلية كأركان وأعمدة أساسية في هيكل نظام مبارك؟ بافتراض أن معلومات الرئيس والحكومة عن الفساد والإفساد المستمرين بعد الثورة تقف عند الصفوف الأمامية من رجال منظومة مبارك. فمن غير المفهوم ولا المقبول أن يحصل هؤلاء علي براءات في القضايا الجنائية, ثم تذهب الحكومة لتتدارس معهم كيفية التصالح في القضايا المالية! أفهكذا يجري التعامل مع أعداء الثورة وقياداتهم؟ تري هل أقنعت أجهزة الدولة( سواء الرقابية أو الأمنية) الرئيس وحكومته بأن هؤلاء ليسوا أعداء للوطن وإنما هم مواطنون شرفاء مخلصون لبلدهم منذ ولادتهم؟ وفي هذه الحالة لا بد أن انقلابا حدث في أداء وتركيبة وفلسفة عمل الأجهزة الرقابية والأمنية التي خدمت مبارك لعقود حتي تصبح تقاريرها وتقييماتها محل ثقة من يريد مواجهة أعداء الثورة. عندما أصدر الرئيس مرسي مرسوما بقانون لحماية الثورة, وأنشئت بموجبه نيابة مختصة بذلك. كان بالتأكيد يدرك أن القضاء العادي غير قادر لا علي القصاص للثوار ضحايا محاولات قمع الثورة في السابق, ولا علي مواجهة محاولات إفشالها حاليا. وكان المفترض أن القضايا التي لم يصدر فيها حكم نهائي, تنتقل تلقائيا لولاية وأحكام ذلك القانون. بما يعنيه ذلك من محاكمات جديدة في ضوء تحقيقات جديدة تجريها نيابة الثورة. لكن شيئا من ذلك لم يحدث, ولا تزال المحاكم العادية تباشر أعمالها وفق القوانين القديمة وحسب التحقيقات السابقة التي أقامت صفحاتها مهرجان البراءة للجميع. حتي لم يبق دون تبرئة سوي مبارك ونجليه والعادلي. فأين القصاص ولمن العقاب, بل من هم إذن أعداء الثورة. بالتصالح مع أعدائها, تصبح حماية الثورة احتيالا عليها. ومواجهة أعدائها ليست اختيارا للرئيس يقبله أو يرفضه.. ولا هي فضل يؤديه أو يمنعه.. حماية الثورة من أعدائها دين في عنق الرئيس لكل من انتخبه طائعا أو مرغما. والتقاعس أو التباطؤ بل حتي الترفع عن مواجهة أعداء الثورة بالحزم اللازم وبالقانون الملائم, هو في أدني درجاته تضييع لأمانة حملها المصريون لرئيس منتخب وهو حملها وعليه أداؤها. لمزيد من مقالات سامح راشد