الأم هي رمز العطاء الدائم.. والحب غير المشروط.. انها نهر الحب والتفاني.. نحن اليها وهي قريبة منا.. ونشتاق اليها وهي بعيدة عنا.. حضنها الدافئ يحمينا من برودة الزمان ويعطينا الامان عندما تغدر بنا الايام. هكذا الام في العالم كله, ولكن تظل الام المصرية رمزا من رموز العطاء بلا حدود.. فماذا قال عنها رموز المجتمع والمشاهير؟ نبدأ مع الاستاذ الدكتور احمد الطيب رئيس جامعة الازهر الذي بدا حديثه قائلا: معظم الامهات علي ايامنا كن اميات لايقرأن ولايكتبن.. وكانت امي واحدة منهن, ولكنها استطاعت بفطنتها وذكائها الفطري ان تربينا جميعا احسن تربية.. وكنا تسعة اخوة ست من البنات وثلاثة من البنين واقولها بكل فخر ان بصمتها الاخلاقية علينا جميعا كانت اكثر عمقا وتأثيرا من بصمة أبي رحمه الله لذلك فان تربية الأم أهم بكثير من الاب واذا غابت الام لاينفع الاب بمفرده بينما العكس صحيح.. والامثلة كثيرة لامهات استطعن تربية ابنائهن تربية راقية انسانيا في غياب الاب. وكانت امي تعلم بذكائها الفطري متي تكون حنونة وشفوقة ومتي تقف أمامنا كالجبل الشامخ الذي لايهتز وكانت تعتبر نجاحنا انا واخوتي في التعليم وفي الحياة بوجه عام جزءا من شرفها وعزتها وكرامتها.. واي فشل لاحد منا تعتبره منسوبا لها وحدها.. وهي الصفات والقيم التي نفتقدها في كثير من امهات الاجيال الحالية مثل.. قيمة الوقت.. اكرام الضيف.. احترام الكبير.. الرفق بالصغير كما علمتني معني العيبلدرجة تجعلني في كثير من الاحيان اشعر وكأنني من زمن اخر ولا اعرف كيف اتعامل مع الظواهر الكثيرة الموجودة في هذه الأيام. وعلمتني امي ايضا ان تكون طموحاتي في حدود امكاناتي.. واذكر هنا عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية, وطلبت منها ان تتوسط لي عند ابي ليشتري لي قلم حبر ماركة زمايلك وكان ثمنه وقتها خمسة وعشرون قرشا وذلك بدلا من قلمي الذي لم تزد قيمته عن تعريفة فرفضت الفكرة من بدايتها موضحة انه لايوجد مبرر لتميزي عن اقراني بالمدرسة, كما ان القلم الرخيص الثمن لايؤلمني ضياعه او فقده, رحم الله امي.. اول معلم وفيلسوف في حياتي. الشاعر الكبير احمد سويلم يري ان والدته نموذجا رائعا للام المثالية.. فقد توفي والده ولم يكن قد تعدي العاشرة من عمره.. ورغم نشأة الام في مجتمع ريفي يحتم علي الارملة الصغيرة الزواج ثانية الا انها رفضت بشدة خشية ان تأتي اليه بزوج يسيئ معاملته هو واخوته.. وتحملت وحدها مسئولية تعليمه هو واخوته الثلاثة رغم جهلها بالقراءة والكتابة. وكانت عندما تكتشف بغريزتها الخاصة انه انشغل بكتابة الشعر عن المذاكرة تصرخ في وجهه وتأخذ ورقة الشعر منه كي يتفرغ للمذاكرة وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية انتقل مع اسرته الي القاهرة واضطر لترك التعليم كي يعمل ويصرف علي اخوته.. ولن ينسي اليوم الذي قرر فيه العودة لاستكمال دراسته وتشجيع امه له ووقوفها بجانبه حتي تخرج في كلية التجارة بجامعة الازهر.. وتخرج جميع اخواته من كليات القمة فمنهم المهندس والطبيب.. لهذا يؤكد سويلم ان حياة امه انعكست علي شخصيته فتعلم منها العطاء والتضحية وانكار الذات لابعد الحدود. ويري الفنان القدير محمود يس أن الام هي اجمل مخلوقات الله علي وجه الارض وهي منبع الحب والحنان وكل ما يحتاجه الانسان ليصبح واعيا وفاهما لكل معاني الحياة.. ويضيف: واذا كان هناك مثل يقول وراء كل عظيم امرأة.. فأنا اؤكد ان وراء محمود يس ثلاث نساء جميلات محبات هن امي رحمها الله وزوجتي الحاجة شهيرة وابنتي رانية فكل واحدة منهن لعبت دورا اساسيا في نجاحي الشخصي والفني والانساني وذلك باهتمامهن بي وحبهن ورعايتهن لي.. وعن دور الام يقول الكاتب الكبير وحيد حامد: ولدت في احدي قري محافظة الشرقية وكنت الطفل الاول لامي التي سرعان ما حملت في طفل ثان, واصبحت الام الصغيرة جدا آنذاك اما لطفلين رضيعين في آن واحد مما شكل عبئا كبيرا عليها, وهنا ظهر دور جدتي لامي التي استأثرت بتربيتي ونشأت في حضنها ورعايتها بعد انتهاء فترة رضاعتي.. وكنت اناديها.. امي.. وتعلمت منها الكثير.. فهي التي زرعت بداخلي الاعتداد بالنفس والصلابة عند المواقف الصعبة.. وعلمتني معني الحرية مع الإلتزام بكل قيم وتقاليد القرية. ثم تأتي مرحلة الوعي في حياتي واولي خطواتي نحو النضج وتظهر بصمة امي علي بوضوح وكأن تأثيرها له ملمس السحر علي شخصيتي بحكم سنها الصغيرة.. كانت امي مثالا للتضحية ودائما علي اتم استعداد لعمل اي شئ في سبيل تلبية احتياجاتي وحريصة ان اكون الافضل وفي سبيل ذلك كانت تحرم نفسها الكثير من متع الحياة واستمر هذا العطاء المتدفق الي ان توفاها الله. ويقول الكاتب الكبير اسامة انور عكاشة: الأم هي كل ما يمت للحياة بصلة.. واذا انكرنا دورها ننكر اصل الوجود. لهذا دائما ما اتعاطف معها في اعمالي.. ويعتقد كاتبنا الكبير ان غياب الام المبكر عن حياته ووفاتها وهو صغير وراء تفجر موهبة الكتابة لديه فقد رحلت وهو في السابعة من عمره فلم يجد سوي الكتابة رفيقا له.. هكذا انغمس في دنيا الكتابة والادب مبكرا لتفجر داخله موهبة الكتابة دون تخطيط.. فوجد نفسه يمسك بالورقة والقلم ليعبر عما يدور في اعماقه ويوما بعد يوم احترف الكتابة وكانت الام هي الدافع والمحرك لذلك حتي وان غابت عن الوجود.. فياله من عطاء دائم لاينتهي حتي بالموت. ويتذكر الكاتب الكبير.. صلاح منتصر والدته رحمها الله بكلمات رقيقة قال فيها: ماتت امي رحمها الله وانا في سن لم انطق فيها سوي بحرفين ما.. ما.. ورغم بعاد السنين مازلت اذكرها في صورتين احداهما مطبوعة علي الورق وقد اخذت بمعرفة مصور محترف وانا ممسك بذيل ثوبها والثانية مطبوعة لها في ذاكرتي عندما احست انني تمكنت من التسلل زاحفا: علي يدي من فرجة الباب المفتوح الي البسطة ومنها الي درجات السلم وقد فزعت هي لما فعلت هذا وتحاملت علي نفسها وتمكنت من ترك سرير مرضها واللهاث خلفي ومناداتي بصوت ضعيف ان اعود, وكنت قد تمكنت من هبوط ثلاث درجات من السلم, وعندما شاهدت اشارتها وقرأت في عينيها الفزع امسكت بترابزين السلم واتجهت اليها الي أن ضمتني إلي صدرها. ولم تعش أمي طويلا في مرضها ماتت في زمن كانت الامراض تحصد حياة الكثيرين في سن الشباب لعدم توافر وسائل العلاج المتاحة حديثا.. ماتت وانا عمري ثلاثين شهرا واخذني والدي رحمه الله الي بيت اخته في دمياط وقد اصبح بيتي الذي كبرت فيه مع الام التي تولت تربيتي مع بقية اولادها الخمسة الذين فقدوا والدهم وكبرت داخل هذه الاسرة دون ان اشعر بالغربة او اليتم... في هذا البيت بيت عمتي لم اشعر بغياب امي فقد كانت نينة كما كان كل افراد البيت ينادونها حنونة وطيبة ومتسامحة مع الجميع.. وفي هذه الايام والابناء يحتفلون بعيد الام اذكر بالرحمة امي التي حملتني وهد حملها لي صحتها وغابت عني قبل ان أكبر بين يديها. واذكر ايضا بكل الحب واعرفان امي الثانية البديلة التي ربتني وحمتني ورعتني واحيي في ذكراها كل ام بديلة اعطت حبها لابن لم تحمله وتضعه ولكل الامهات اقول سلمت اياديكن.. وسلام عليكن واليكن.