أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 24 مايو 2024    اكتشاف كوكب بحجم الأرض قد يكون صالحًا للحياة    مدرب الترجي يلهب حماس لاعبيه قبل مواجهة الأهلي    ما هو موعد عيد الأضحى لهذا العام وكم عدد أيام العطلة المتوقعة؟    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    راشد: تصدر جنوب الجيزة والدقي وأوسيم ومديرية الطرق إنجاز المشروعات بنسبة 100%    «التنمية الصناعية»: طرح خدمات الهيئة «أونلاين» للمستثمرين على البوابة الإلكترونية    قائمة أسعار الأجهزة الكهربائية في مصر 2024 (تفاصيل)    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    مسؤول روسي: مصرع الرئيس الإيراني يهدد ب"تفاقم الوضع" في الشرق الأوسط    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من ميت سلسيل بالدقهلية    "طرد للاعب فيوتشر".. حكم دولي يحسم الجدل بشأن عدم احتساب ركلة جزاء للزمالك    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    سرقة من نوع جديد "خلي بالك".. ضبط عصابة تستولي على أموال المواطنين بهذه الطريقة    ضبط شخص بأسيوط لتزويره الشهادات الجامعية وترويجها عبر فيسبوك    كانوا نايمين.. مصرع شقيقين وإصابة والدهم في حريق منزل بالقليوبية    وصول جثمان شقيق مدحت صالح إلى مسجد الحصري    لهذا السبب.. عائشة بن أحمد تتصدر تريند جوجل خلال الساعات الماضيه    هشام ماجد يكشف عن مفاجأة بشأن مسلسل "اللعبة"    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا (4)    نقيب المحامين الفلسطينيين: قرار محكمة العدل ملزم لكن الفيتو الأمريكي يمكنه عرقلة تنفيذه    السيدة زينب.. هل دفنت في مصر؟    15 دقيقة لوسائل الإعلام بمران الأهلى اليوم باستاد القاهرة قبل نهائى أفريقيا    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    الإسلام الحضاري    وزارة الثقافة تحتفي بأعمال حلمي بكر ومحمد رشدي بحفل ضخم (تفاصيل)    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    ظهرت الآن.. رابط بوابة التعليم الأساسي للحصول على نتيجة الفصل الدراسي الثاني 2024    عاجل.. أنباء عن العثور على آخر ضحايا حادث معدية أبو غالب    واشنطن تدرس تعيين مسئول أمريكى للإشراف على قوة فلسطينية فى غزة بعد الحرب    تشافي يستعد للرحيل.. موعد الإعلان الرسمي عن تعاقد برشلونة مع المدرب الجديد    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مجلس أمناء جامعة الإسكندرية يوجه بضرورة الاستخدام الأمثل لموازنة الجامعة    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    وزير العمل يشهد تسليم الدفعة الثانية من «الرخص الدائمة» لمراكز التدريب    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    أخبار الأهلي : دفعة ثلاثية لكولر قبل مواجهة الترجي بالنهائي الأفريقي    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    «الحج بين كمال الايمان وعظمة التيسير» موضوع خطبة الجمعة بمساجد شمال سيناء    سول تفرض عقوبات ضد 7 أفراد من كوريا الشمالية وسفينتين روسيتين    أمريكا تفرض قيودا على إصدار تأشيرات لأفراد من جورجيا بعد قانون النفوذ الأجنبي    نقيب المحامين الفلسطينيين: دعم أمريكا لإسرائيل يعرقل أحكام القانون الدولي    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    الحج بين كمال الإيمان وعظمة التيسير.. موضوع خطبة اليوم الجمعة    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    التموين تعلن التعاقد علي 20 ألف رأس ماشية    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    وزير الخارجية البحرينى: زيارة الملك حمد إلى موسكو تعزيز للتعاون مع روسيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكري العشرين للدكتور جمال حمدان..
ما أنت يا مصر بالبلد الطيب!
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 04 - 2013

خرست تماما وبلا تعليق علي المشهد القصير المرير الذي دارت أحداثه أمامي عندما دخل الزميل مدير تحرير عدد الجمعة وقتها يزف لرئيس التحرير بشري موافقة الدكتور جمال حمدان أخيرا علي نشر مقال له عن الأخطار التي تهدد قناة السويس في العدد القادم,
فهز رئيس التحرير الذي لا يهوي القراءة وإن كتب فلا أحد يقرأه رأسه لينهي ما لا يرغب في الاسترسال حوله: إن شاء الله إن شاء الله التي استشعرت في طياتها نيته بمعني ابقي قابلني لو نشر, وبعد خروج الزميل التفت سيادته ناحيتي مشوحا بعصبية من بيده الضبط والربط: جمال حمدان. جمال جمدان.. حاجة تطلع الروح.. تلاقيه يا ستي الدكتور اللي بيعالج أولاده وعايز يجامله علي حسابنا..
ومن المؤكد أن ردي البليغ بالصمت كان أكثر حصافة مما يجيش به صدري من غليان, فقد كنت علي الجانب الآخر من بعد شهور انتظار علي أحر من الجمر قد بلغت المني أخيرا وحظيت بلقاء الدكتور حمدان في بيته25 شارع أمين الرافعي بالدقي بعدما عرفت كلمة السر بدق الباب مرتين والثالثة بعدهما بثوان فانفتحت صومعة الناسك في موقعها تحت السلم إلي اليمين التي فوجئت بتقشفها وكأنها حجرة كشف في مستوصف بالأرياف, فالكماليات لا وجود لها, بل والضروريات أيضا, والأرض خاصمت بساطها, والثريا اختزلت إلي سلك في نهايته لمبة متأرجحة, والستائر مسدلة معنويا, والأثاث لشقة نوم العازب أو الطالب الريفي المغترب من أجل العلم, بفراش راهب هندي مرقده المسامير..
الدوائر الكهربائية لا تصل بفيشة تليفون أو شاشة تليفزيون أو حتي مروحة كهربائية, ولكن وفقط ولا غير جهاز راديو لابد وأن يستعيد لقبه العتيق.. المذياع.. و..وعينا بوتاجاز إنتاج المصانع الحربية لا يعرف فرن الصواني تطلان علينا من المطبخ الكئيب المتداعي في الركن المفضوح, وكرة أرضية يتتبع فيلسوف الجغرافيا علي خرائطها الباهتة نبض نظرياته العبقرية في علوم الكون, وحقيبة سفر لم تعرف الامتلاء أو السفر.. تلك كانت مفرداته المعيشية, أما مفرداته الفكرية التي قابلني بها الدكتور مرتديا الروب المهترئ وفي يده براد الشاي المشوه بالسناج فقد كانت باتساع العالم كله..
جلست إلي صاحب موسوعة شخصية مصر بمجلداتها الأربعة التي يقف وراءها245 مرجعا عربيا و791مرجعا أجنبيا انصهرت جميعها في بوتقته لتخرج مقطرة تقطيرا, مقدرة تقديرا, بالغة الدقة والفطنة, مشغولة ومطرزة خيطا خيطا علي الطريقة الحمدانية ليأتي طرحها خارقا بكل المقاييس, ودائما ما تكون الفكرة مجرد بارقة قد لمعت في الذهن المتوقد يجلس العالم المستنير يدونها ويمد منها الهوامش, وتستطيل الهوامش وتتفهرس الصفحات وتتفتح المعارف لتغدو موضوع كتاب جديد, وهو ما حدث مع كتابه الخالد شخصية مصر الذي مر بثلاث مراحل: الصغير والوسيط والكبير, وتبعه17 كتابا بالعربية وكتابان بالإنجليزية.. وعشرات بل مئات من المقالات والدراسات التي كان يعطي لنفسه أجازة بينها قد تمتد لعام كامل.
أرهفت أذني أنصت إلي المستغني عن كل المغريات, الذي كان يكافئ نفسه كل خميس بطبق مكرونة اسباكيتي علي ترابيزة متوارية في الركن القصي بكازينو قصر النيل, ويحلي بحتة جاتوه, ويحبس بزجاجة كوكا كولا.. التقيت المتحفظ جدا الذي تسكن في حياته مأساة حب أو خيانة قد تكون سببا رئيسيا في تقوقعه وخصامه للجميع, فقد ذكر في تلخيصها جملة عجفاء لم تشبع نهم أذني النهمة إلي الاستقصاء إلي آخر المدي من أنه عاش يوما عصيبا كبر فيه فجأة أربعين عاما, فسألته متذاكية مرات ومرات في ثنايا الحوار ومنحنياته عن ذلك اليوم العصيب, فلم يجبني حمدان إلا بابتسامة توصد كل سؤال.. المتابع رغم عزلته لكل كلمة في خبر أو قصة أو مقال تنشرها الصحف, سعدت بقوله يومها لي إنني أكتب كما نسيج التريكو الذي لو سقطت منه سهوا غرزة لتداعي السطر كله.. صاحب الميول الفنية الهاوي لسماع الموسيقي وأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ونجاة قال إنه تفوق يوما علي عبدالحليم حافظ, ويشهد علي ذلك جمهور له في حفل قديم بفرع جامعة القاهرة بالخرطوم, وكان أمهر لاعب كرة قدم في مدرسة التوفيقية, وكان في تذوقه للفن حريصا في بعثته بانجلترا علي الذهاب لجميع المعارض الفنية, فموهبته في الرسم قد زاملته منذ طفولته ليظل يرسم بها لوحات شخصية له ولمطربيه المفضلين يقتني بعضها صديقه وزميلي الكاتب الموسوعة حلمي النمنم ومنها بورتريه لحمدان ونجاة وعبدالوهاب, وكان يرسم أغلفة جميع مؤلفاته بل وخرائطها المعقدة التي يعلو بجبالها ويهبط لوديانها حتي يغيب عن الوعي إرهاقا وتسقط رأسه فوق غابات السافانا أو خليج في محيط.... ومضي يحكي لي عن صاحبة البنسيون التي كانت توقظه بندائها المميز مستر هامادان لكي يلحق بموعد الأوبرا المقدس لسماع الموسيقي الكلاسيكية.
غادرته بلا اكتفاء منه وذهبت يملؤني العجب من صاحب شخصية مصرية لم تعرف الحياة الفكرية والثقافية في مصر والعالم العربي في عصرنا الحديث مثلها, من توافرت لديه مثل تلك الطاقة العقلية الهائلة التي تضعها في مصاف أكبر العلماء والمبدعين العالميين, لكنه يقرر في لحظة صدق مع النفس ومع الآخرين تقديم استقالته من المجتمع والناس بعد أن قدم استقالته من منصب الأستاذ الجامعي وعاش لأبحاثه لا يريد أن يكون طرفا في عالم تغلب فيه قيم النفاق. ولو لم يكن حمدان مستكفيا راضيا بعزلته وعما يقوم به لما نام علي سرير الشوك يحيطه صدأ الجدران, وشريان الحياة الذي يمده بقوت العقل والجسد مجرد بواب عجوز قارب المائة لا يلبي النداء إلا من بعد أن ينبح الصوت ليأتي بجراية العيش والفول والجرنال... ويقول جمال حمدان: هناك أشياء كثيرة دفعتني لهذه العزلة التي فرضتها علي نفسي ولن أخرج حتي ينصلح حال المجتمع وإن كنت أتصور أنه لن يحدث أبدا!.
وأذكره كما اللحظة ذلك المساء التعس في الساعة الخامسة والنصف من عصر السبت الموافق17 من أبريل عام1993 عندما اتصل أحد جيران العالم الكبير بالأهرام ليخبرنا بالنبأ الأليم. الدكتور جمال حمدان اتحرق في شقته بالدقي.. ومات؟!!.. أيوه.. مات من ساعتين والإسعاف رفضت تشيله.... وأهيب بأبنائي أصحاب الأقلام اليقظة الواعدة في نصف الدنيا محمد البرغوثي وجمال غيطاس وفنان الكاميرا العالمي محمد حجازي سرعة التغطية الصحفية للحادث المؤلم علي مسرح المشهد المأساوي, وتصدر المجلة وبها الحقائق كاملة مدعمة بالصور النادرة لتغدو مرجعا لحياة وممات عاشق مصر الكبير الذي قال بنفسه: إن بلادنا قد تخصصت في إهالة التراب علي عباقرتها وهم أحياء وتمجيدهم وهم أموات.
وليس مشهد جنازته الصغيرة إلا دليل فاجع علي صحة ما قاله بعد أن خرجت إحدي الصحف بخبر وفاته في ركن منزو يقول: انفجار أنبوبة بوتاجاز في دكتور جغرافيا وكان الخبر مليئا بالأخطاء المطبعية والعلمية أيضا, وبدون صورة فوتوغرافية واحدة, والسبب في منتهي البساطة أن المحرر الذي كتبه مثل رئيس التحرير الذي أشرت إليه مسبقا لا يعرفان قدر الرجل الذي مات, ولا أصلا من هو, ولا ماذا قدم لمصر, هذا بينما التفت في جنازته صديق من المشيعين إلي جاره بعد زفرة ألم قائلا: والله هذه جنازة تليق حقيقة بمواطن شريف.. فلا مسئول, ولا كاميرات, ولا أضواء.. ولا هم يحزنون!!
المبدع المتخفي في ثوب الجغرافي ذهبت يومها بعد وفاته أفتش عنه في أحاديث أسرته.. فوزية المفتشة بوزارة التربية والتعليم, وفايزة الشقيقة الصغري, والدكتور عبدالحميد حمدان أستاذ التاريخ بجامعة السوربون, واللواء عبدالعظيم حمدان بطل أكتوبر, والأديب محمد حمدان المنافس لجمال في شراء الكتب: من شدة نبوغه حصل علي منحة تعليم بالمجان رغم عدم وجود المجانية وقتها. كان يقول أنا عندي اللي يجعلني أغني منكم كلكم وسعيد جدا بهذا, والأستاذ هيكل عرض عليه عقدا ب25ألفا شهريا لو قبل الكتابة لالأهرام فرفض, وعندما تولي د. عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف سابقا منصبا في الكويت عرض عليه التدريس في جامعتها مع تلبية جميع شروطه, لكن رده الدائم كان: إنه يسعي للشيء إذا أراده ولا ينتظر الشيء حتي يجئ, وأخبره عبدالسلام جلود أن القذافي يطلبك بالاسم لتمسك أعلي مركز بجامعة طرابلس مع تلبية جميع طلباتك, لكنه رفض وفضل حياته بعيدا عن الرفاهية والناس والشهرة بكامل إرادته.. شفافية لا حد لها. ظرف وكوميديا من الدرجة الأولي. أخلاق جدا. حساس جدا جدا. يفهم في الموسيقي أحسن من موسيقار عالمي. يرسم. يكتب الشعر. خطه جميل. يسمع عبدالوهاب ويحرص علي حفل أم كلثوم وينصت لنجاة بشغف وإعجاب بالغ ويردد أغنيتها أما براوة براوة, وأسألك الرحيلا, ويصف محمد قنديل بأنه من أقوي الأصوات وأقدرها, لكنه لم يأخذ فرصته التي يستحقها. الأبناء علاء ونجوي ونهي علاقتهم بخالهم جيدة والبنات تحكي له مشاكلهن. كان كريما يعطي ما يأتيه للناس ولإخواته البنات خذي اشتري عربية خذي هاتي لك سلسلة.. لا أتذكر أن والده عاقبه مرة. بالعكس كان دائما يفخر به, لأنه متفوق.. حبيبي وأخويا ومثلي الأعلي. كان ترتيبه الثالث في الأولاد وكنا أربع بنات بقيت منهن فايزة وبيني وبين الدكتور10 سنين عشنا مع بعض أحلي طفولة وكان دايما يقول لي يا فوزية أنا مبسوط كده, وعمره ما كان انعزالي بالعكس كان بيجمعنا واحنا أطفال ويعمل لنا مسابقات في الشعر والرسم ويمنحنا الجوائز ويقعد معانا علي الغداء يحكي لنا الحواديت ونتلم كل خميس نسمع الست, وكنت في الأول أساعده في تبييض كتاباته, ويوم ما استقال زعلنا وناقشناه لكنه أفحمنا بحجته, وحاولت أزوجه لأجل نفرح بأولاده قال إنه خلاص اتجوز العلم.. جمال اتولد في بلدنا ناي بمركز قليوب وتبعد عن القاهرة بحوالي40 كيلو وأمي تعودت أن تلد كل أولادها هناك بجوار جدتي, وكنا ننادي جمال كلنا باسمه الشهير بين أفراد أسرته وهو لولو, ومن مدرسة شبرا بعدما استقر بنا الحال أخذ الابتدائية وكان ترتيبه السادس علي الجمهورية, والتوجيهية أخذها من التوفيقية ومنها لقسم الجغرافيا بكلية آداب جامعة القاهرة وكان من أساتذته الدكتور محمد عوض والدكتور سليمان حزين, وبعد حصوله علي الامتياز في جميع السنوات سافر في بعثة لإنجلترا ودرس في جامعة ريدنج وأخذ الدكتوراه وموضوعها سكان وسط الدلتا, وفي إنجلترا كان إنسانا آخر يلتهم متع الحياة بعشق وحب, حيث قرأ كل ما وقع تحت يديه من روائع الأدب والشعر ودرس الموسيقي الكلاسيك حتي أصبح خبيرا فيها وكان عاشقا لتشيكوفسكي, وفي انجلترا عاش قصة حب تحول فيها إلي عاشق مرهف, ولقد رأيتهما معا جمال ومحبوبته الإنجليزية الباحثة في علم المصريات كما يقول شقيقه عبدالحميد كانا يقرآن معا ويسهران معا ويمضيان الإجازات معا, وكانت الإنجليزية مفتونة بعبقريته وإبحاره المتعمق في المعارف العديدة.. وفجأة عاد جمال من إنجلترا. عاد صامتا ولم يفلح في إخراجه عن هذا الصمت أحد, وعاش قادرا أن يحيا بجرحه, واكتملت الضربة القاضية عندما تجاوزته الجامعة وقامت بترقية أستاذ مساحة آخر إلي درجة الأستاذية قبله, وكانت هناك في الستينيات باحثة فرنسية التقت به لتولع بالحديث معه وندرك أنها وقعت في حبه, وحاولنا إقناعه بمراجعة موقفه من الزواج والتفكير في من ترغبه, لكنه رفض وأتي رفضه بإصرار غريب وعجيب.. رجع لمصر بعد الثورة ليفاجأ بالتغيير الذي تفاءل به لكنه للأسف وقع ضحية أهل الثقة فقدم استقالته بعد معركة نفسية زاد من حدتها موقف زميلته الجامعية التي جمعت بينهما قصة حب أدارت لها الحبيبة ظهرها تخوفا علي مكانتها الجامعية أثرت علي صحته وأصابته بمرض في الأمعاء الغليظة وتم علاجه بعيادة الدكتور أنور المفتي, وكانت الاستقالة نقطة تحول في حياة جمال, فبعدها اعتزل العالم ونظم حياته بصرامة وتغلب علي مرضه بتنظيم الغذاء والرياضة, ولم يستسلم للإحباط فواصل عمله الرائد شخصية مصر, وعندما منحته الدولة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام1988 لم يتسلمه بنفسه وإنما أتي إليه متأخرا كثيرا مع مندوب رسمي يتعثر في خطواته عند تشييع جنازته, ومازلت أذكر بعد الثورة عندما سألته عن الوظيفة التي يرغب في شغلها فجاءتني إجابته الفورية: وزير ولو مرة واحدة للشئون البلدية والقروية, فمن يتولي هذه الوزارة يملك في يده نهضة مصر أو تخلفها, فالشئون البلدية هي البنية الأساسية التي بدونها لا تستقيم حياة الناس في المدن, والشئون القروية هي العمود الفقري الذي بدونه ينقسم ظهر مصر..
في حياته يذهب محمد حسنين هيكل إليه ويدق بابه فيدعوه للدخول فهو أشد المعجبين بهيكل ولغته, ويستأذن منه لحلق لحيته التي توغلت لكنه يعود مسرعا بلا حلاقة كي لا يضيع وقتا بدون هيكل الذي طلب منه أن يخرج معه للهواء الطلق فيعتذر حمدان لمرضه فيدعوه هيكل لمنزله للكشف عليه طبيا فيتشبث المستكفي بعدم الخروج مبادرا هيكل بسؤاله:
* كيف تسكت علي ما يجري في مصر؟
- وماذا تريد أن أفعل؟!
قال فارس بني حمدان: لا تقل لي إن من يحترف الكتابة عادة لا يتقن الحديث, فأنت تتقن الكتابة الراقية والحديث المقنع أيضا, ولا تقل إنه عادة لا يعرف التفاصيل من هو غارق في الكليات, وأنت تجمع بين المعرفة الدقيقة بالتفاصيل والكليات معا.. عادة لا يعرف الفيلسوف المسائل العلمية ولا يتقنها وأنت تعرف الفلسفة ولديك قدرة علمية كبيرة, وعادة ما يكون المفكر السياسي غير محترف السياسة وممارسها, وأنت مفكر وسياسي في الوقت نفسه فلماذا لا تقود أهل مصر إلي طريق الخلاص؟!
ويستمع هيكل بإنصات ثم يرد قائلا: لقد جئت إليك حتي أسمع منك وأنت صاحب كتاب( شخصية مصر) لكي تفسر ما يجري, وما تفسيرك لتدهور موقف مصر السياسي, ولماذا رحب البعض بهذه الاتفاقية كامب ديفيد وهل تفسيرك حول المجتمع النهري والسيطرة المركزية للسلطة يكفي تفسيرا لما نشاهده؟
ويرد جمال حمدان في كلمات كالطلقات: الطغيان هو الذي أوصلنا إلي هذه الحالة مما جعل قبول الرأي الواحد عادة ذميمة, فالطغيان هو المعزوفة الحزينة للتاريخ المصري مما خنق كل مبادرة, وتاريخنا يعتبر الحاكم إلها حتي يسقط, وتاريخنا يضع الحاكم فيه نفسه فوق النقد حتي يرحل, وهو التاريخ والجغرافيا حتي يأتي غيره.. ويضيف حمدان: ومازلنا بعيدين عن التعليم الحقيقي الذي يجعل الشعب كله خلية متحركة.. ولا يرغب أحد رغبة حقيقية في أن يتعلم الشعب فعندئذ سيعرف حقوقه ويتعلم كيف يطالب بها وكيف يحصل عليها؟.. ولكن دعني هنا أسألك يا أستاذ هيكل: ما هذا الذي خلفته وراءك في الأهرام؟! وما هذا الذي يكتبه كبار الكتاب وكأنهم يحملون المباخر لكل قرارات السادات؟!.. ويرد هيكل: لست مسئولا ولا أنا الدكتور حسين فوزي أو الحكيم أو نجيب محفوظ.
ويكتب هيكل خطابا لجمال حمدان في28 من مايو1979 يقول فيه: لم أتجاسر هذه المرة أن أطرق بابك علي غير موعد, وهكذا فإني أكتب إليك لأقول إنني عدت إلي القاهرة بعد غياب عدة أسابيع وكما اتفقنا قبل أن أسافر فإني أترك لك اختيار الوقت الذي تراه مناسبا لكي نلتقي مرة أخري ولست أعرف ما المواعيد المناسبة لك في الأسبوع القادم الذي يبدأ من السبت الأول من يونيو؟ لكنه يسعدني إلي أبعد حد أن أسمع منك... ويظل اللقاء بينهما ممتدا والعلاقة بينهما حميمة والمناقشات خصبة وعبدالناصر الغائب الحاضر فيها... ويكون محمد حسنين هيكل أول من يدخل سرادق العزاء في العالم الجليل..
و.. تصل إلي الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين حكاية حرمان جمال محمود صالح حمدان من المعاش بسبب الروتين الذي لا تسمح لوائحه بمعاش إلا لمن قضي عشر سنوات فأكثر في الجامعة وكانت شئون العاملين بالجامعة قد أبلغت الدكتور بأنه لم يستوف المدة القانونية لذا لزم انقطاع المعاش, فانبري الصديق بهاء يكتب مطالبا له بمعاش استثنائي فثار حمدان وغضب لكرامته وخاصم بهاء حتي النهاية, بينما كانت علاقتهما قبل ذلك ذات أواصر عميقة حتي إن حمدان كان يأتي لبهاء في أول وعكة صحية شديدة أصابته ومنع عنه الأطباء الزيارة, كان يأتي إليه يوميا للسؤال عنه في ساعة محددة, ونقلت السيدة ديزي زوجة بهاء له أمر الزائر المستديم الغامض ببذلته ذات الطراز القديم والذي تظنه أحد الموظفين القدامي فسألها عن اسمه فقالت: جمال حمدان.. فهتف: الدكتور جمال حمدان يا خبر.. أرجوك أول ما يحضر أدخليه علي الفور علي الأقل ليستريح, وأتي بعدها حمدان واعتذر عن الدخول طالبا إبلاغ سلامه للأستاذ بهاء.. وكان من بين أوراق حمدان الحميمة خطاب من بهاء يقول له فيه: لا تبخل بالزيارة حتي بدون سبب ولا أحتاج أن أؤكد لك هذا أبدا. فما بالك إذا كان هناك سبب وإذا ما كان مكتبي بعيدا فبيتي قريب:11 ش هارون الدور الخامس شقة4 ت:982463, وكانت في أوراق العالم الراحل خطابات أخري ظل يحتفظ بها منها ما كتبه يحيي حقي في1998/12/2 يقول: أنت كالنجم القطبي لا تتحول عن مبادئك وأصدقائك ليتنا نفلح في أن نسترشد بك ولكن هيهات, ويكتب له أنيس منصور في1970/3/1: أين أنت وحشتنا جدا ولكنك لست بعيدا في المكان فأنت في العقل والقلب معا.. هذا بينما الآخرون يحتفظون بخطابات وكتابات جمال حمدان لهم التي تشع تواضعا وتلهث بفرط المديح. كتب لناشر كتبه يوسف عبدالرحمن زوج الدكتورة نعمات أحمد فؤاد الذي استمرت علاقتهما22 عاما يلتقيان فيها كل أحد وقام فيها بالنيابة عنه بتسلم جائزة التقدم العلمي في الكويت وقيمتها ما يوازي10 آلاف دولار قام بتوزيعها علي أفراد أسرته.. كتب جمال حمدان يقول له: لظرف طارئ للغاية وبكل الأسف وكل الحرج هل يمكن أن أطمع في مائة جنيه(100 جنيه فقط) مع حامله, والتفسير يوم نتقابل وأكرر الأسف والاعتذار, وفي خطاب آخر من بعد الديباجة والتحيات العطرة والسلام والسؤال: معذرة عن المضايقة علي غير انتظار, ولكن نظرا لظرف طارئ عاجل, وإذا لم يكن في ذلك إحراج أو إرهاق, وإذا كان لي أي استحقاقات طرفكم, فهل أطمع وأستأذن في أن تتكرم مشكورا بإرسالها في أقرب فرصة, ولو مع الأسطي فكري منعا لتعبك وإرهاقك.. أما إذا لم يكن لي استحقاقات فأرجو إهمال الأمر تماما واعتباره كأن شيئا لم يكن.. ولك الشكر ثق في الحالين علي السواء.. وأكرر الأسف للإحراج الطارئ راجيا لك وللجميع كل صحة وتوفيق وشكرا.. المخلص جمال حمدان.
جمال حمدان لاعب الكرة الشراب في زمن الطفولة وبطل كرة القدم في الثانوية: كان يمكن أن يصل بي الأمر إلي الاحتراف بصورة حقيقية, ولكن هناك ظروف كثيرة أبعدتني..
جمال حمدان المستكفي الذي كتب تلميذه وصديقه محمود بسيوني في25 أبريل1993: أخبرني أنه إلي جانب ما عرضته عليه ليبيا من العمل أستاذا في جامعة طرابلس فإن الرئيس العراقي صدام حسين أرسل إليه يطلب منه قبول العمل كوزير في الحكومة العراقية.. ولكنه رفض بحسم, وقال إنه لن يغادر مصر وحتي لو عارض بعض سياسات حكامها فلن يكون ذلك إلا داخل مصر التي يعشقها بنضج وصدق وإيمان عميق.
ويكتب جمال حمدان عشرات الصفحات من خواطره أتوقف أمام كل منها لا لأنتقي حاشا لله وإنما لكي تأتي النهاية بما خف وزنه وغلا ثمنه من بدائع حمدان الذي يقول: العرب بغير مصر كهاملت بغير الأمير.. سيناء ليست مجرد صندوق من الرمال كما يتوهم البعض وإنما صندوق من الذهب الأسود.. مصر كانت دائما شعبا محاربا, ولكن دون أن تكون دولة محترفة حرب, لأنها محارب مدافع أساسا لا محارب معتد.. إسرائيل ليست عنكبوتا, ولكنها بناء ملئ بالثقوب يقوم علي أرض أكثر امتلاء بالحفر, والعلل الأصيلة في مجتمعها هي نقاط قوة لنا في صراعنا ضدها, ونقاط ضعف محققة لها, ولكن إسرائيل لن تهزم بالنقاط كما يقولون في الرياضة, وإنما تهزم بالضربة القاضية.. علي المسلم الذي يكتب عن العالم الإسلامي أن يضع نفسه في مكان غير المسلم, خاصة الأوروبي المسيحي, ليس فقط ليكون موضوعيا, ولكن أيضا ليستوعب وجهة نظر الآخر.. نحن والأقباط شركاء وإنهم أقرب المسيحيين في العالم إلي الإسلام بمعني أو بآخر.. وكما أن مصر فلتة جغرافية فالأقباط فلتة طائفية.. انقذوا مصر من القاهرة والقاهرة من نفسها..( قل تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم) هذا شعار المسلمين للمسيحيين, وأساس التعايش السلمي بين الديانتين هو الاعتراف المتبادل, الاحترام المتبادل, الإخاء المتبادل, ديانتان وعالم واحد, ثقافتان وحضارة واحدة, نحن معا ووحدنا فقط الذين صنعنا الحضارة القديمة والحديثة وشكلنا تاريخ العالم ومن عائلة جنسية واحدة هي القوقازية وتصدينا للإلحاد الشيوعي حتي سقط.. العلمانية ليست نقيض الدين, ولكنها نقيض الدروشة, إنها ترشيد التدين, وسطية التدين بين الدين والدنيا, العلمانية هي الدين بلا دروشة وبلا دموع, والتدين بلا هيستيريا وبلا تطرف.. المطلوب طبقة عصرية من رجل الدين.. رجل الدين المثقف, أي المثقف ثقافة مدنية, وصفية, علمية, علمانية.. مطلوب رجل الدين العلماني وعالم الدين العلماني.. يردد المتشددون كثيرا: نريد الشريعة الإسلامية والحياة الإسلامية لتأكيد هويتنا ضد المشروع الغربي الأوروبي.. الخ.. وإني لأتساءل لماذا المشروع الغربي الأوروبي وحده؟! لماذا لا يكون هذا المشروع الياباني أو الصيني أو الإفريقي أو الزنجي( إن وجد) إنها عقدة نقصنا الأساسية نسترها بالدين..
هذه الأيام مع ذكري رحيل جمال حمدان العشرين ترتفع أصوات تنادي بإعادة التحقيق في حادث مصرعه المأساوي, وكأننا مع هذه الدعاوي المتفائلة قد أثبتنا جدارتنا الفائقة خلاص في كشف الغموض الذي يكتتف جميع قضايانا وأزحنا الستار عن الأصابع التي تلعب والقلة المندسة واللهو الخفي وعصابة مستر إكس وميليشيات سيناء وبوابة ليبيا والإخوة الأعداء وبلطجية الفلول ورواد الزند.. وعرفنا خلاص من قتل جنودنا الصائمين علي الحدود برفح ليلة إمبارح, وفتح السجون أول إمبارح, وحرق المحاكم والأقسام والمجمع العلمي و..و.. الخ أول أول إمبارح.... ودعوني يا من علي قلوبهم المراوح أترحم براحتي علي من لم يزايد ولم يدع.. علي المستحي.. علي النحيف المتقشف.. علي شديد الولاء لمادته.. علي من كاد يكون راهبا بوذيا مرقده المسامير ودنياه التأمل ونزهته الروحية في مسوح أهل اليوجا والصفاء.. علي المتقوقع في رحم المعرفة.. علي المصري قلبا وقالبا.. علي عزيز النفس الرافض العطف.. علي الشامخ كهرم.. المتواضع في لباس الفقر.. علي من تساءلت حياله: أكان أجدي لجمال حمدان الزواج لتنتبه الزوجة لاهتراء خرطوم أنبوبة البوتاجاز فتغيره فلا يموت العالم؟!.. لكن من منا كان في استطاعته التنبؤ بمصير العطاء في ظل الارتباط؟!.. من كان سيستجلي كينونة زوجة الغيب التي ربما كانت ستترك الجمل بما حمل, وكان جملنا جمال خالي الوفاض لا يحمل شيئا سوي عقل مستنير..
العالم الجليل عندما طلب قبل وفاته بشهر معلومة مهمة ليضيفها لكتابه عن الصهيونية ودولة إسرائيل جلبناها له من واشنطن بجهاز الفاكس لترسل إليه في نفس اليوم فكتب يسأل عن كيفية حدوث المعجزة وعندما شرح له الأمر التكنولوجي المتداول بالأزرار قال وكأنه عباس بن فرناس الذي تحقق حلمه في أن يطير الآدمي بجناحين: هي حصلت خلاص!!.
استكفيت بالوحدة يا حمدان.. امتثلت لطلعة بواب النهار حاملا طبق الفول بالزيت الحار.. بالروب المهترئ وبراد الشاي المشوه بالسناج, وبنتوء مسمار تديره في كهف المذياع الكهل لتسمع خروشة البرنامج الموسيقي.. استكفيت بالقلم فكتبت ونزفت وتركت من بعدك في ضلفة دولابك الصاج الصدئ صورة حسناء مجهولة تصافح وجهها كل صباح.. وتغادرها.. لتحترق تحترق تحترق في حب مصر.... يرحل جمال حمدان وحيدا وقد احترق جسده المبتلي بإصابات من الدرجة الثالثة ليحق فيه قول أمير الشعراء أحمد شوقي: فما أنت يا مصر بلد الأديب, ولا أنت بالبلد الطيب!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.