تشكل الأمور في سيناء مغارة يتوه فيها الداخلون, ومتاهة يضل فيها السائرون, ولغزا يحار في تفسيره العارفون, وطلاسم يعجز عن فك رموزها العالمون. وسط هذه الأمواج المتلاطمة, والعواصف العاتية, والأنواء العاصفة, زاغت الأبصار, وبلغت القلوب الحناجر, وظن الناس الظنونا, وابتلوا وزلزلوا زلزالا شديدا. من هنا, كان لا بد من دليل يهدينا سواء الصراط, وهاد يدلنا علي جادة الطريق القويم, فيما يتعلق بسيناء, ودروبها, ومتاهاتها, ومغاراتها. لذلك, كان هذا الحوار مع اللواء أركان حرب حسام سويلم, الخبير الاستراتيجي, المدير الأسبق لمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة. بداية كيف تقرأ المشهد الحالي؟ هذا المشهد تشكل ملامحه أمورا عديدة, منها زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للمنطقة, والتي زار فيها الضفة, وإسرائيل, والأردن, لإرساء قواعد جديدة في المستقبل, من شأنها تحقيق الأهداف الأمريكية, وقد واكبها إصلاح العلاقات بين إسرائيل وتركيا, وقيام الأسطول الروسي بتغيير مواقعه من طرطوس إلي بيروت, علاوة علي سعي حماس لإقامة المنطقة الحرة, والسماح لها بإقامة الأنفاق. وهناك أيضا ما يتعلق بليبيا التي بدأت في لعب دور جديد, خاصة بعد الاتفاقية التي وقعتها مع فرنسا, وبمقتضاها أصبح هناك وجود للناتو علي حدودنا الغربية, وفي المياه الإقليمية أمام ليبيا, إلي جانب الاضطرابات الداخلية ومعالمها واضحة للجميع, وكذلك ما يتعلق بالأمن في مصر, لا سيما بعد ضبط ثلاث شحنات لملابس الجيش في أقل من شهر. كل ذلك يدخل في إطار لعبة دولية علي حساب مصر, الهدف النهائي منه هو تصفية الصراع العربي- الإسرائيلي, لصالح أمريكا بخلق صراع يضم القوس السني الذي يشمل شمال' إفريقيا, ومصر, والسودان, والسعودية' في مواجهة الهلال الشيعي' إيران, ودول الخليج, ولبنان', ومثل هذا الصراع من شأنه أن يفرغ الصراع العربي- الإسرائيلي من محتواه. ما حقيقة الأوضاع في سيناء الآن؟ يحاول الجيش والشرطة فرض الأمن والسيطرة علي سيناء التي تضم ما يزيد علي17 تنظيما مسلحا, تتمركز في الجبال في الجزءين الأوسط والشمالي, وتسعي جميعا لإقامة إمارة إسلامية هناك, وتستخدم لذلك أسلحة متطورة حصلت عليها من ليبيا بعد سقوط نظام حكم العقيد القذافي ومقتله. وبات واضحا أن هذه التنظيمات, التي تتخذ من القاعدة أختا كبري تسير علي نهجها, حصلت علي موطئ قدم بالقوة في سيناء, لا سيما بعد الإغارة علي نقطة عسكرية, وقتل16 جنديا مصريا, وإصابة سبعة آخرين. وما أبرز التنظيمات التي تتخذ من سيناء منطلقا ومرتعا لأعمالها؟ من أبرز الجماعات الجهادية الموجودة في سيناء, التي تتخذ منها مرتعا ومرتكزا لأعمالها, مجلس شوري المجاهدين, ولديه فرع في قطاع غزة يحمل اسم' مجلس شوري المجاهدين في أكناف بيت المقدس', وتنظيم التوحيد والجهاد الذي يتبني فكر القاعدة في سيناء, ويسير علي نهجه, وهو في حقيقة الأمر تنظيم التكفير والجهاد, لكنه اضطر إلي تغيير الاسم, نظرا لنفور أهالي سيناء وبعض أتباعه من الاسم الأول, الذي ارتبط بالكثير من العمليات الإرهابية في مصر, وكذلك تنظيم' القاعدة في أرض الكنانة', ويتخذ عدة أسماء أخري, من بينها' تنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء', و'قاعدة الجهاد في شبه جزيرة سيناء', وتنظيم الرايات السوداء' الأكثر نشاطا وعنفا في سيناء, خلال المرحلة التي أعقبت الثورة, ويتبني الدعوة إلي تحويل سيناء إلي إمارة إسلامية, بالإضافة إلي أهل سيناء, والبدو, وهؤلاء مسلحون, فضلا عن الفصائل الإرهابية التي خرجت من السجون والمحكوم عليهم بالإعدام, وكل هذه المنظمات علي اتصال بنظرائها في غزة مثل جماعة الجهاد الإسلامي, وكتائب القسام, وألوية الناصر صلاح الدين, وجيش محمد, وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن هذه التنظيمات تغير أسماءها من حين لآخر, من أجل التمويه أو الإيحاء بأن هناك تنظيمات كثيرة, مما يربك الأمن. وأهداف هذه التنظيمات سياسية, وليست دينية, لأن الإسلام لا يبيح قتل المسلم, أو حتي الكافر المسالم, وهي تعمل لحساب دول أخري بهدف زعزعة الاستقرار في مصر, وإلهائها عن التنمية, وإرساء دولة الديمقراطية. لماذا لا يتم التعامل مع هذه الجماعات الإرهابية والقضاء عليها؟ لا يوجد قرار سياسي من رئاسة الجمهورية بتدمير الأنفاق والذخيرة الموجودة في سيناء, وبالتالي يتم تفضيل التعامل السياسي, والضغط علي الجيش للتفاوض مع الجماعات الإرهابية, والتنظيمات الجهادية الموجودة في سيناء. وقد الجيش أدرك ذلك, عندما رفض الرئيس مرسي طلبين له, الأول عندما طالب بهدم الأنفاق, فرفض مرسي برغم خطورتها, لأنها باعتراف الحمساوية شريان الحياة لهم, والطلب الآخر كان يتعلق بالعملية نسر, عندما قال الجيش للرئيس نحن نعلم أماكن البؤر الإجرامية, ونطلب الإذن بتدميرها فرفض مرسي, مبررا ذلك بتفضيله الحل السلمي, وأرسل من يتفاوض مع الإرهابيين. إذن هل يقوم الجيش بتدمير الأنفاق من تلقاء نفسه بالمخالفة لأوامر الرئاسة؟ وهل يوجد في عقيدة الجيش التفاوض مع إرهابيين؟ الجيش يفعل ما تمليه ضرورات الحفاظ علي الأمن القومي المصري, وتماسك الدولة المصرية. فلا توجد دولة محترمة تسمح بالتفاوض مع إرهابيين, ومن هنا يتم غل يد الجيش في استئصال شأفة الإرهاب, واجتثاث جذوره, وحادث رفح معروف أسماء من قاموا به من الإرهابيين, وقد قامت المخابرات الحربية, والمخابرات العامة بتقديم هذه الأسماء إلي مؤسسة الرئاسة, وقامت مجلة الأهرام العربي بنشرها, ورغم ذلك لا تحرك مؤسسة الرئاسة ساكنا, لأنه توجد صلة فكرية بين حركة حماس والإخوان المسلمين. كيف تري موقف المؤسسة العسكرية من الشارع حاليا؟ لن يتدخل الجيش إلا إذا كانت البلاد علي وشك الانهيار, وعلي شفا حرب أهلية, ويكون ذلك تحت ضغط من الشعب, وإلحاح من الجماهير, وفي الوقت المناسب. فالجيش فقط هو المتماسك حاليا, وقد صرح بأنه يراقب الأمور, وسيتدخل في مرحلة معينة تصل فيها الأمور إلي مرحلة يستشعر معها خطرا, وأكد ذلك ما قاله وزير الدفاع, ورئيس الأركان بأن الجيش لن يسمح بهدم باقي مؤسسات الدولة. ولأن الشعب قد ينقلب علي الجيش لو لم ينفذ مطالبه, وحتي لا يدخل في صدام معه, فقد خرج أكثر من تصريح للجيش بأنه مع مطالب مصر, ومساندة الشعب لها.