جامعة الأزهر: أوقفنا راتب معيدة كلية البنات بأسيوط للغياب لا لآرائها (صور)    محمد عبدالجليل يكتب: رئيس الوزراء يشجع الأطباء على الهجرة فى بلد تعانى مستشفياته من نقص حاد    بالصور.. الشفافية ومكافحة الفساد في ندوة للرقابة الإدارية بالبحيرة    أول رد من "عمال مصر" بعد مقترح برلمانية ببدء مواعيد العمل من الفجر -(تفاصيل)    450 جنيه سعر عادل.. أول رد من شعبة القصابين على نقيب الفلاحين بشأن أسعار اللحوم    بالصور.. محطة مياه سرياقوس بالقليوبية تحصل على شهادة الجودة TSM    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    هل يقتصر دعم الهلال الأحمر المصري على فلسطين فقط؟.. المديرة التنفيذية توضح- (فيديو)    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    "بحضور محمد معروف وأمين عمر".. أوسكار رويز يجتمع بحكام الجولة الثانية من الدوري    مدرب مصطفى محمد في نانت يشيد به.. هل تكون بداية جديدة للاعب؟    بدوي علام : البكالوريا المصرية تصنع الحافز وتغذي الحلم لدى الطلاب    "التعليم" تحدد مواعيد المقابلات الشخصية للمعلمين المقبولين بالدفعة الرابعة -(مستند)    جريمة تهز سوهاج.. العثور على جثة ستيني مذبوحًا بالزراعات    السكة الحديد تكشف تفاصيل واقعة ادعاء راكب منعه استقلال قطار مرتديا شورت    نجل العالم الراحل أحمد زويل أول ضيوف برنامج "هذا الرجل أبي"    مراسلة القاهرة الإخبارية: تصريحات نتنياهو تستهدف استعادة الرضا الداخلي    «بحر الهوى مشواره طويل» فرقة الطور تتألق على مسرح الشيخ زايد على أنغام السمسمية    بالصور | أحدث جلسة تصوير ل ياسمين صبري.. والجمهور: "يخربيت الضحكة"    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    هل يجوز للمرأة المستحاضة أداء الصلاة؟.. عضو بمركز الأزهر العالمي تُجيب    نائب وزير الصحة يترأس اجتماعًا لتفعيل آليات معايير السلامة والصحة المهنية    ماذا يحدث لطفلك عند تناول الخبز مع الشاي؟    وزير الخارجية يرافق رئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة الجرحى الفلسطينيين بمستشفى العريش العام    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعاطي سائق نقل ذكي المخدرات وضبطه بالقاهرة    أثناء السباحة هربا من الحر.. مصرع طفل غرقًا في مياه النيل بأسوان    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    «قد تصل لسنة».. رئيس تحرير الأهلي يكشف مستجدات شكوى بيراميدز لسحب الدوري    نابولي يكشف تفاصيل إصابة لوكاكو    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    سبورت: بافار معروض على برشلونة.. وسقف الرواتب عائقا    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    آدم وارتون خارج حسابات ريال مدريد بسبب مطالب كريستال بالاس ودخول مانشستر يونايتد على الخط    وزير الأوقاف ناعيا الدكتور صابر عبدالدايم: مسيرة علمية حافلة بالعطاء في خدمة اللغة العربية    شئون الدراسات العليا بجامعة الفيوم توافق على تسجيل 71 رسالة ماجستير ودكتوراه    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «غضب ولوم».. تقرير يكشف تفاصيل حديث جون إدوارد داخل أوضة لبس الزمالك    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    كلية أصول الدين بالتعاون مع جمعية سفراء الهداية ينظمون المجلس الحديثى الرابع    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق السبت
الشيطان في شارع الشيخ ريحان‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 12 - 2011

أصدق عيني وأنا أشاهد علي شاشة التليفزيون المصري وعلي مشهد ومرأي من جميع العقلاء والخلصاء والأوفياء لتراب هذا الوطن العظيم‏..‏ الذين شربوا معي من ندي النهر ووضعوا الهرم في صدورهم مكان القلب‏.. لم هذا الشيطان اليافع الذي كان يلبس خوذة زرقاء فوق رأسه ويرتدي تي شيرت أحمر ويمسك بيده عصا طويلة في آخرها كرة من نار.. أدخلها من شباك الدور الأرضي في أعرق وأقدم مبني أقامه نابليون بونابارت قبل213 سنة بالضبط تحت اسم المجمع العلمي في هوجة حرب الشوارع التي تشهدها القاهرة في كل مرة ترفع رأسها وتصلي للحرية وتستنشق أولي نسائم الديمقراطية لكي تركع وتسجد وتسف تراب الأرض لتلهو.. لأنها تجرأت وأرادت أن ترفع هامتها بين أمم الأرض المتحضرة.. وعندما ارتفعت ألسنة اللهب من داخل الحجرة التي رمي إليها بعصا اللهب.. قفز في الهواء فرحا مهللا مصفقا بيديه.. وهو لايدري ولن يدري ابدا انه أحرق أعرق مبني مصريا مازال حيا صامدا يعطي ويمنح ويعلم.. وهو لا يدري أنه أحرق قلب أمة بحالها علي تاريخها العظيم.. ودمر في لحظة عبثية لفتي أرعن لا يعرف ماذا اقترفت يداه في حق بلده.. ضمير أمته.. لقد رمي بكتلة النار داخل مبني أثري عمره من عمر الحضارة المصرية التي أضاء لها النور العالم الفرنسي شامبليون بفك رموز كتاباتها لأول مرة في التاريخ ليعرف العالم من هي مصر؟ ومن هم ملوكها؟ وماذا قدمت للدنيا دينا ودنيا وفنا وفكرا وأدبا وقصائد حب وغناوي للنيل والنخيل والعشق النبيل؟
لقد رمي في لحظة عبثية كتلة النار ليحرق قلب مصر الذي يضم في أركانه400 ألف كتاب عمرها من عمر الزمن, لا يمكن تعويضها أبدا+ خرائط وصور من عمر الزمان نفسه+ أطلس الأمير محمد علي الذي ليس له نظير في العالم+ النسخة الأصلية من كتاب وصف مصر الذي كتبه وصوره18 ألف عالم فرنسي رافقوا حملة نابليون علي مصر!
هذا الفتي الأرعن المبرشم الغائب خلف ضباب الفقر والقهر المكبل بأغلال التخلف المنصاع لقبيلة البلطجية والشبيحة الذين مازالوا يأتمرون ماداموا يقبضون المعلوم بأوامر ومخططات خفية للذين يقبعون خلف أسوار السجون من رموز وأساطين وأباطرة الفلول لإشاعة الفوضي في البلاد كلما تحركت خطوة أو دخلت دائرة نور في رحلتها نحو أعتاب الديمقراطية ليحرق هو وأمثاله قلب مصر وعقل مصر وذاكرة مصر دون أن يدري أو يعرف أو يدرك.. ليطير في الهواء مهللا!
هذا الشيطان الصغير الموجه بالريموت كونترول من زبانية أباطرة الفساد الذين أفسدوا حياتنا وكمموها وأفقرونا وأعطبوا ما بقي في عقولنا وجاروا علي منظومة الأخلاق والمثل العليا المصرية التي عمرها من عمر الزمن.. وأحرقوها واستبدلوها بمنظومة العمولات والسرقات والانحرافات في كل أجهزة الدولة.. وفي تعليمها وتخريب نفوس وعقول أولادها وبناتها ونسائها.. بالفن الهابط والغناء الخليع والعري الصريح في النفوس والأبدان.. وسلملي علي أم أحمد.. ومرة أخري لا تسألوني من هي أم أحمد هذه عند الحديث عن الانحراف والخلاعة والفجر بضم الفاء وتسكين الجيم وقلة الحياء وإساءة الأدب!
هذا الفتي العبثي.. قد ارتكب جرما عظيما وإثما أعظم.. وهل لا يدري ولا يعرف مع أمثاله من بلاوي الزمان وخلفة الندمان.. ماذا أصابوا من عطب في قلب مصر وما أحرقوا من صفحات من ضمير مصر.. وعلي أي حال فإنه والحمد لله.. لم يكن من الثوار.. فالثوار هم عقل مصر الصاحي وقلبه النابض الذي أخرج مصر من هذا العفن والفساد والإفساد والانحراف والضياع في لحظة فارقة من تاريخ مصر العظيم..
والثوار أبدا لا يحرقون ورقة.. مجرد ورقة واحدة تحمل اسم مصر.. بل يقبلونها ويرفعون أيديهم لها: تعظيم سلام..
.......
.......
هذا الفتي العبثي.. لم يكن أبدا وحده.. بل هو واحد في عقد الكراهية والحسد والغل الدفين الذي يسكن صدور أباطرة الفساد في مصر الذي أفسدت عليهم ثورة الخامس والعشرين من يناير مخططهم الشيطاني لنهب مصر وسرقة مصر وبيع مصر وتجويع مصر وتركيع مصر..
هو مجرد بيدق صغير في رقعة الشطرنج جندوه مع أمثاله لتخريب كل عمل طيب يحركونه بالشر والكيد والحرق والتدمير.. والقتل إذا لزم الأمر.. في مخطط كبير لتخريب مصر.. وإشاعة الفوضي في جنباتها.. كما قال زعيمهم وكبيرهم في الإفك والبهتان المعروف باسم حسني مبارك رئيس مصر السابق وبطانته!
هذا الفتي العبثي صاحب الخوذة الزرقاء وال تي شيرت الأحمر.. لم يكن وحده.. بل كان معه المئات من أمثاله.. ألقت الشرطة القبض علي164 منهم لا أعرف هل كان هذا الفتي الشيطاني الذي أشعل أو أسهم في إشعال مبني المجمع العلمي العظيم.. معهم أو لا..
المهم أن نيابة حوادث جنوب القاهرة برئاسة المستشار إسماعيل حفيظ تحقق الآن مع أول قائمة من المتهمين في أحداث مجلس الوزراء المشينة وتضم94 عاملا حرفيا+21 بائعا متجولا+26 طالبا+9 فتيات لم تعرف هويتهن بعد!+ أطفال عمرهم ما بين8 سنوات و15 سنة.
ولا ننسي هنا أن من بين من قبض عليهم الأهالي مسجل خطر متهم في29 قضية+ آخر متهم في قضية مخدرات!
إ نني أكاد أجزم هنا.. أن أحدا منهم أو منهن ينتمي إلي قبيلة الثوار الأحرار الذين قالوا لمصر صبيحة يوم25 يناير الماضي: استيقظي يا صبية.. فقد بدأ عصر التنوير!
.......
.......
وإذا كنا ننادي بالحق في الاعتصامات.. فإنه من غير المعقول ألا يستطيع الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء أن يدخل مقر مجلس الوزراء حتي الساعة..
ومن غير المعقول أن تعيش القاهرة في ظل هذه الفوضي العبثية بين كر وفر بين المتظاهرين ورجال الأمن.. وما أظن أنهم كلهم متظاهرون فإننا نري بأعيننا بينهم صبية صغارا وفتيان قادمين من العشوائيات لا هم لهم إلا إلقاء الطوب علي الأمن.. وكأنهم يحاربون جندا من عسكر إسرائيل!
ثم اتضح أنهم أطفال ما بين8 سنوات و15سنة منحوهم50 جنيها لكل واحد+ وجبة لكي يدمروا ويحرقوا!
لقد سألت أحد الثوار: ماذا تريدون يا سادة؟
قال: نريد إقالة حكومة الجنزوري!
سألته: لماذا؟
قال: لأنه من رجال مبارك وقادم من قهوة المعاشات!
سألته: انا اعرف الدكتور كمال الجنزوري.. وهو من اعظم الرجال؟
قال: يكفي أنه كان رئيسا لوزراء مبارك!
نحن ندافع عن قضية الشهداء الذي راحوا.. ولم تتسلم اسرهم حقوقها بعد.
تأكد أننا لم نصب أحدا ولم نقتل أحدا.. ونحن لن نذهب ولن نفض تظاهرنا إلا:
1 بأن يحكم البلاد مجلس عسكري مدني مشترك.
2 ذهاب حكومة الجنزوري وتكوين حكومة ائتلاف وطنية.
3 تعويض الشهداء وأسرهم فورا.
4 انتخاب لجنة عليا لوضع دستور جديد للبلاد.
5 ثم بعد ذلك إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري.
6 ثم انتخاب رئيس مدني جديد للبلاد.
قلت له: نحن نسير علي نفس النهج.. وبعد6 أشهر فقط ستجد رئيسا جديدا مدنيا منتخبا للبلاد.. لماذا لا تصبرون؟
قليل من الصبر يصلح الاحوال!
.......
.......
إذا كان المشهد العبثي الذي شاهدته علي شاشة التليفزيون لذلك الفتي المريخاوي العشوائي الذي أشعل النيران في مبني المجمع العلمي الذي عمره من عمر التحضر المصري.. قد فجر ينابيع الغضب في كل قلوب المصريين سواء الذين شربوا من قري النهر أو لم يشربوا أصلا.. فإن المشهد الثاني الذي فجر كل حواسنا غضبا وحنقا هو مشهد الفتاة المصرية التي سحلها الجنود أمام مبني مجلس الوزراء وحطموا عظامها وهددوها بالاغتصاب علي حد قولها واسمها غادة كمال.. حتي أنقذها طبيب المستشفي الميداني من الفتك بها..
والمأساة نفسها جرت مع زميلة صحفية في بوابة أخبار اليوم الإلكترونية.. اعتدوا عليها.. وحطموا عظامها وكسروا إصبعها وامتدت أيديهم كما تقول إلي أجزاء من جسدها.. ونقلتها سيارة إسعاف إلي مستشفي المنيرة.. والغريب انها مندوبه بوابة اخبار اليوم الالكترونية في المجلس العسكري واسمها محاسن ماهر هواري!
ماذا نقول؟
من ضرب؟
من أصدر الأوامر؟
المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا قالت: هذا تصرف تلقائي من الجنود انفسهم.. وليس بأوامر من ضباط أو مجلس عسكري.. الجيش الذي حمي الثورة.. ليس من شيمته الاعتداء علي الحرمات!
..نترك الأمن كله للمستشار النائب العام ورجاله الذين يحققون الآن في هذه الوقائع المؤسفة حقا!
.......
.......
تعالوا ندخل معا إلي قلب هذا التاريخ العظيم الذي احترق أمام أعيننا وكأننا في محاكم التفتيش في أحلك عصور أوروبا المظلمة.. بصحبة الزميل حسن فتحي المحرر العلمي للأهرام.. والمكان خراب في خراب.. السقف يكاد يهوي ورائحة الدخان والتاريخ المحترق تكاد تصيبنا بالاحتقان..
أكوام الكتب والمخطوطات.. كل واحد منها قصة تاريخية وحده.. ولكن كيف يحكي ويتكلم وقد أصبح مجرد رماد محترق.. إن من يحرق كتابا كمن أحرق أمة بحالها بتاريخها, بعظمتها, بعطاء مفكريها بثاقب فكر فلاسفتها.. بعصارة عقول أعظم من أنجبت الأمهات..
كأني بابن رشد فيلسوف الأندلس.. يطل علينا برأسه وبسحنته الغاضبة من وسط الحطام والركام والدخان.. لينعي إلينا موت كتبه العظيمة ونظرياته الفلسفية التي لم يسبقه إليها أحد في خلق الكون وفلسفة الحياة وقصة الأديان التي أحرقها المخربون والمخرفون في الاندلس.. بينما هو واقف ينعي ويندب أعظم ما خرج إلي الوجود.. ساعتها صاح ابن رشد ها أنتم قد أحرقتم كتبي فما بقي لي شيء أبكي عليه.. أحرقوني أنا الآخر.. فما قيمتي علي الدنيا بعد حرق عقلي ووجداني!
سألت الزميل حسن فتحي وأنا أنظر إلي رماد أعظم ما أنتجته عقول بشر وقد تحول أمامي إلي رماد محترق وغبار ودخان: احك لي حكاية هذا المجمع العلمي الذي شاءت الأقدار أن تكون نهايته علي أيدينا نحن؟
قال: الناس لا تعرف أن المجمع العلمي لم يحترق وحده.. بل احترقت معه أيضا الجمعية الجغرافية المصرية..
قلت: لقد زدتني حزنا فوق حزني!
قال ودخان الحريق يحرق الصدور والعقول معا: لقد أنشئ المجمع بالقاهرة في20 أغسطس1798 بقرار من نابليون بونابرت, وكان مقره في دار واحد من بكوات المماليك في القاهرة ثم تم نقله إلي الإسكندرية عام1859 وأطلق عليه اسم المجمع العلمي المصري ثم عاد للقاهرة عام1880, وتضم الجمعية الجغرافية والمجمع العلمي المصري اللذين يقعان في شارع قصر العيني جزءا كبيرا من تاريخ مصر..
قلت: طيب والجمعية الجغرافية المصرية التي احترقت هي الأخري؟
قال: لقد جاءت النشأة المبكرة للجمعية الجغرافية المصرية بالقاهرة مع الربع الأخير من القرن التاسع عشر(1875) عندما أصدر خديو مصر إسماعيل باشا في19 مايو1875 مرسوما بإنشاء الجمعية الجغرافية الخديوية في القاهرة.
أسأله: طيب ماذا قدم المجمع العلمي من وجوه علمية وأثرية وتاريخية إلي الدنيا كلها؟
قال: لقد ضم المجمع وجوها عظيمة لعل أبرزها جورج شواينفورت الرحالة الشهير ومحمود الفلكي الاخصائي في علم الفلك, وماسبيرو المتخصص في التاريخ الفرعوني, وعلي مشرفة عالم الرياضيات, والدكتور علي باشا إبراهيم وأحمد زكي باشا, وأبرز أعضاء المجمع, الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة, والأمير خالد الفيصل, وأصبح من بين أعضائه من الأوروبيين الدكتور فيليب لاوير, وهو خبير فرنسي في الآثار يعيش في مصر منذ أربعين عاما, ودكتور جورج سكانلون وهو أستاذ أمريكي متخصص في العمارة الإسلامية, والدكتور وارنر كايزر وهو ألماني, ويتبادل المجمع مجلته السنوية ومطبوعاته مع مائة وأربعين مؤسسة علمية دولية.
وعلي فكرة.. مكتبة المجمع تضم أطلس عن فنون الهند القديمة, وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام1752, وأطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا يعود لعام1842, وأطلس ليسوس وهو ليس له نظير في العالم وكان يمتلكه الامير محمد علي ولي عهد مصر الأسبق, وقام مركز معلومات مجلس الوزراء المصري بإدخال هذه المكتبة النادرة علي الحاسب الآلي.
وتعد مجموعة وصف مصر أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية, لكونها أكبر مخطوطة يدوية اشتغلت عليها كتيبة من الدارسين والأكاديميين, الذين رافقوا نابليون, ويحتوي علي أحد عشر مجلدا من الصور واللوحات, وتسعة مجلدات من النصوص, من بينها مجلد خاص بالأطلس والخرائط.
.......
.......
ماذا بعد؟
إيها السادة لو ظهر رجل واحد رشيد بيننا لأفتي لنا:
1 لأن الثورة جسد بلاد رأس.. ضعوا رأسا للثورة في صورة أربعة أو خمسة من شبابها يختارونهم هم ويقولون لنا هؤلاء هم المتحدثون باسمنا.. لا أن نفاجأ كل يوم باعتصام أو مليونية أو قافلة احتجاج أو صراخ في الفضائيات المغرضة والصحف الممولة داخليا وخارجيا ولا تريد لنا خيرا أبدا.. هؤلاء الذين اختاروهم يتحدثون إلي القيادة المصرية حول مائدة حوار بالعقل بالمنطق بالحكمة.. لا مائدة حوار مفتوحة بلا ضابط وبلا رابط في الشوارع والميادين حوار بالطوب والحرق والتدمير!
2 امنعوا المليونيات في التحرير وغيره.. ولا اعتصام إلا بإذن وتصريح مسبق.. حتي لا نعطل مصالح الناس.. فالاعتصام في كل دساتير العالم مصرح به.. ولكن بشروط وأولها ألا يعطل الأعمال ويربك حركة المرور.. وإذا تجاوز ذلك.. يخضع تحت طائلة القانون..
هذا هو الحق.. وهذا هو الصواب حتي تفيق مصر من غفوتها ونصحو ونعود إلي أعمالنا ومصادر أرزاقنا.. وتعود الحركة التجارية ويعود المستثمرون.. وتعود السياحة!
3 لكي نكشف عن سائر البلطجية والمندسين والذين يخربون البلد عمدا ويحطمون المباني الحكومية ويحرقون قلب البلد.. بحرق تراثها وعلامة حضارتها وعزها وكرامتها.. كما فعلوا مع المتحف المصري والمجمع العلمي المصري.. علي الثوار الحقيقيين أن يعودوا إلي منازلهم.. ومن يظهر بعد ذلك في الطرقات والميادين بالمعاول وقنابل المولوتوف.. فهؤلاء هم المندسون والبلطجية.. وهؤلاء هم من يريدون بمصر شرا مستطيرا!.. عندئذ نمسك بهم ونتخلص منهن ومن شرورهم.. واللا إيه؟
4 لابد من كشف اسماء واجهات من يحرضون ومن يمولون مخطط اسقاط الثورة واسقاط مصر.. حتي لانعرف رأسنا من رجلينا!..
5 لماذا لا نصبر وننتظر حتي شهر يونيو المقبل.. وهو الشهر المحدد لتولي رئيس مدني حكم البلاد.. قليل من الصبر حتي تنتهي العملية الديمقراطية التي نسير فيها بخطي ناجحة بعد نجاح المرحلتين الأولي والثانية من انتخابات مجلس الشعب.. الصبر يا ملواني!
.......
.......
أيها السادة.. هذا أول الطوفان.. كما قالها من قبل الكاتب الكبير خالد محمد خالد.. لو ركبنا دماغنا وتركنا الحبل علي الغارب.. لكل من يريد أن يحرق ويحطم كل ما هو جميل ورائع في بلادنا.. ولكل من يريد إغراقنا ضمن مخطط منظم لوأد الثورة وقتلها وإدخال مصر أمنا إلي غرفة الإنعاش{


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.