لم تكن الحملة الفرنسية علي مصر مجرد حملة عسكرية تقليدية للغزو والاحتلال, وهو ما كشفه العلماء الذين اصطحبهم نابليون معه عند مجيئه, بغرض التعرف علي ما يدور في اذهان صفوة المصريين, حيث ضمت الحملة الي جانب آلاف الجنود, عشرات العلماء النابغين في مختلف العلوم والفنون, وأنشأ نابليون المجمع العلمي في القاهرة علي غرار المجمع العلمي الفرنسي الموجود في باريس الذي كان نابليون نفسه عضوا فيه, وكانت مهمة المجمع العمل علي تقدم العلوم والمعارف في مصر بالاضافة الي دراسة المسائل الطبيعية والصناعية والتاريخية ونشرها, فضلا عن ابداء الرأي العلمي للحكومة في المسائل التي تستشيره فيها او بمعني ادق ربط السياسة بالعلم. المجمع العلمي الذي احترق اخيرا في قلب القاهرة كان يضم اكثر من40 الف كتاب, وتعد مكتبته من اعظم المكتبات علي مستوي العالم لما تحويه من نسخ اصلية لمخطوطات وامهات الكتب ويعد كتاب وصف مصر واحدا من اهم الكتب التي احترقت. بلا ادني شعور بالمسئولية تم حرق واحد من اعظم اثار مصر بأيدي مجموعة من الجهلة لايدركون حتي الآن حجم الفضيحة والكارثة التي تسببوا فيها ماذا سنقول للتاريخ وكيف سنواجه العالم؟ بالطبع بدأت التحقيقات للكشف عن ملابسات واسباب حرق ذلك الجزء المضيء في قلب مصر, وعلينا جميعا ان نعترف بمسئوليتنا عما حدث, نعم جميعنا مشترك في هذه المهانة الانسانية التي وصلنا اليها. لقد احترق المجمع العلمي علي مرأي ومسمع من العالم كله وهو يفتقد وسائل الحماية الكافية, هل يعقل ان يحترق مبني يضم جواهر العلم والمعرفة, مبني علي الاقل يضم بين جدرانه خرائط عودة طابا وخرائط شلاتين وحلايب, ومبني يضم مجد مصر وتراثها بما لايقدر بثمن, دون وجود وسائل حديثة لإطفاء الحرائق ما هذا الاهمال؟. كم شعرت بالاسي والمهانة وانا اشاهد علي فضائيات مختلفة ثروة بلادي تجمع في اكياس القمامة دون شعور بالرحمة, كما ان عملية انقاذ بقايا الكتب المحترقة كانت تفتقر الايادي المدربة علي الانقاذ والتعامل مع بقايا الاوراق المتهالكة لقد شاهدت العديد من الشباب الذي كان لايعنيه شيء الا تصوير ما يحدث امامه بكاميرات الموبايل, شاهدت نوعا من انواع الجهل بفداحة الحدث هل يعقل ان يحرق المصريون ما بناه الغزاة؟ خيبة الامل تلازمني هذه الايام وانا أتابع التخبط في الرأي والدعوة الي تكتلات بعينها لاتنتمي الي شيء غير الرغبة في الفوز بمناصب ومراكز تخصها هي بذاتها ولا أحد سواها, ما فائدة الرقم القومي المدون علي البطاقة الشخصية الخاصة بكل منا, وقد بدأت بوادر الفرقة بين ابناء ذلك الوطن؟ ما هو الهدف الذي يجمعنا الآن؟. افيقوا ايها السادة, نحن علي شفا حفرة من النار, نحن في خطر مؤكد والطوفان قادم لا محالة.. فلا يعقل ان نتناحر من أجل تدمير أنفسنا بأيدينا ولن يكون هناك مستفيد, جميعنا في الهم سواء والفائز الوحيد لن يكون الا عدونا, نحن الآن في حالة قصوي من الانتعاش, حيث نجحنا في تحقيق حلمه بالوقيعة بيننا, عسي ان نتكاتف من أجل إنقاذ ما تبقي من تراث ثمين, وقبل ذلك ننقذ انفسنا من الهلاك.