تقاس فاعلية السياسة الخارجية بمقدار ما تحقق من مصالح الدولة سواء في جانبها السياسي بتكريس استقلالها وتزايد دورها الإقليمي أو في جانبها الاقتصادي بفتح الأسواق وجذب الاستثمارات ودفع عملية التنمية. ولاشك أن السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة عامة وفي عهد الرئيس مرسي خاصة, قد شهدت تغيرات كبيرة لكنها لم تحقق الفاعلية المطلوبة والمردود الإيجابي المنتظر, فلا أحد ينكر أن زيارات الرئيس الخارجية المتنوعة لدول آسيوية مثل إيران والصين وروسيا وباكستان والهند وقطر والسعودية ودول إفريقية مثل جنوب إفريقيا والسودان وجنوبه وأوغندا وإثيوبيا ودول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا, تعكس تغيرا واضحا في دوائر السياسة المصرية, حيث خرجت من أسر الدائرتين الأوروبية والأمريكية, التي حصرها النظام السابق فيهما مما أفقدها عامل الاستقلالية وتدعيم المصالح المصرية, لتتوسع وتشمل الدائرتين الآسيوية والإفريقية اللتين تعكسان طبيعة المصالح الحقيقية لمصر, خاصة دائرة حوض النيل التي تمثل صمام أمان الأمن القومي المصري, كما أن توسيع دوائر تلك السياسة لم تأت باستبدالها بالدائرتين الأوروبية والأمريكية, وإنما في مسار متواز ومتوازن بحيث يكون العامل الحاسم فيها هو مقدار ما تحققه من أهداف للمصالح المصرية. وإذا اعتبرنا أن توسيع دوائر السياسة الخارجية يعد عاملا مهما لتحقيق فاعلية السياسة المصرية فإنها بمثابة شرط ضروري ولكنه غير كاف, فلا يمكن أن تؤتي هذه الخطوة ثمارها الإيجابية في ظل استمرار انقسام الجبهة الداخلية وحالة الاستقطاب السياسي الحاد بين النظام الحاكم والمعارضة وضبابية المرحلة الانتقالية وغياب مؤسسات الدولة الكاملة, فصورة مصر الخارجية بعد الثورة شابها التشويه مع استمرار حالة الفوضي السياسية والأمنية وأزمة الكراهية التي تنتاب كل فصائل المجتمع. خذ مثلا قضية المساعدات التي وعدت بها كثير من دول العالم بعد نجاح الثورة خاصة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي حيث سرعان ما تراجعت بل وتجمدت بسبب الأوضاع الداخلية, كما أن تعثر قرض صندوق النقد الدولي لا يرتبط بحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي يطلبها الصندوق من الحكومة بقدر ما يرتبط بالحالة السياسية المصرية, وصراحة لا يمكن إتمام هذا القرض إلا في ظل وجود مجلس نواب منتخب بإرادة شعبية لإقرار القرض, وهذا الأمر بطبيعته ما زال غير واضح في ظل الجدل حول قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية ودعاوي المقاطعة من جانب المعارضة. ولا يمكن الحديث عن تدفق الاستثمارات الأجنبية خاصة في مشروع تنمية إقليم خليج السويس في ظل حالة التدهور الأمني وغياب الرؤية السياسية الواضحة وعدم وجود توافق داخلي, بما يجعل البعض ينظر إلي هذا المشروع وكأنه أداة خفية لبيع أراضي مصر للأجانب وليس مشروع يكون بمثابة قاطرة حقيقية للنهضة. وفي المقابل لا يمكن أيضا للسياسة الخارجية المصرية أن تكون فاعلة دون وجود مقومات حقيقية وأدوات تمكنها من تنفيذ أهدافها, فالدور الإقليمي لمصر بعد الثورة لكي يكون فاعلا فإنه يحتاج إلي قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية إضافة للقوة الناعمة المتمثلة في الثقافة, تدعمه وتسانده, وهذا بدوره يحتاج إلي تحقيق التنمية والتقدم, وهذا مرهون بإيجاد التوافق الوطني حول مصر المستقبل التي يريدها المصريون جميعا وبتكاتف كل الجهود والانتقال من حالة التناحر السياسي والإقصاء إلي حالة التكامل والاتفاق علي المصلحة العليا وتحويل الاختلافات السياسية والدينية إلي عامل تكامل وثراء يخرج مصر من الحلقة المفرغة التي تدور فيها. مع استمرار حالة الانقسام المجتمعي تراجعت المصلحة العليا لحساب المصالح الحزبية والفئوية وغابت قواعد اللعبة السياسية عن الجميع بما جعل البعض من معارضي الرئيس يختزل زياراته الخارجية في صورة ساخرة وعبثية مثل التركيز علي غطاء الرأس الذي ارتداه في باكستان أو انشغاله بالنظر لساعة يده في ألمانيا أو نومه في مؤتمر القمة العربية أو تعثره في اللغة الإنجيلزية أو تنازله عن حلايب أثناء زيارته للسودان أو تخليه عن سيناء لصالح حماس, في مقابل اعتبار البعض من مؤيدي الرئيس أن تلك الزيارات تعكس طفرة نوعية في السياسة الخارجية, وأضحت تلك السياسة جزءا من لعبة الصراع السياسي بين المعارضين والمؤيدين للرئيس وهو أمر في إجماله خصما من تطور مصر وفاعلية سياستها الخارجية. وإذا كان هناك تكامل بين السياستين الخارجية والداخلية, حيث كل منهما يخدم علي الآخر, فإنه لكي تستعيد السياسة الخارجية عافيتها وفاعليتها, تبرز أهمية تحقيق التكامل بين صانعي تلك السياسة خاصة الرئاسة ووزارة الخارجية وكذلك المعارضة ومؤسسات المجتمع المختلفة, كذلك هناك حاجة ملحة لإعادة مراجعة العملية السياسية الداخلية وتنقيتها من الشوائب التي أصابتها وجعلتها تنجرف عن مسارها الحقيقي والصحيح الذي قامت من أجله ثورة25 يناير, وهذا لن يتحقق إلا بوجود مصالحة وطنية شاملة وحقيقية تقودها مؤسسة الرئاسة للاتفاق علي توجهات وأهداف وآليات السياسة الخارجية من ناحية, والسعي للإسراع في عملية البناء السياسي والاقتصادي باعتباره الأساس القوي الذي تنطلق منه السياسة الخارجية ويكسبها فاعليتها ولزيارات الرئيس جدواها. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد