كانا صباحين مختلفين تماما عما كنا اعتدناه جميعا علي مدي العامين الماضيين.. كل شيء يؤكد أننا جميعا ننتظر حدثا مهما في كل منهما.. وعلي الرغم من أنهما لم يستغرقا سوي بضع دقائق علي شاشات التليفزيون في يومين مختلفين إلا أن الحدثين قد افسحا المجال' للارتباك' ليتصدر المشهد العام..! صباح السبت الماضي صدم مشاهدو التليفزيون بمشهد للرئيس السابق وهو يدخل إلي قفص محكمة جنوبالقاهرة في أولي جلسات إعادة محاكمته بقتل الثوار بصورة مغايرة تماما عما كانت اعتادت عليه كاميرات التليفزيون وعدسات الصحف.. وبعدها بنحو48 ساعة تجددت الصدمة عندما نطق قاضي المحكمة بقراره بإخلاء سبيله ما لم يكن محتجزا علي ذمة قضايا أخري..!! علي الرغم من أن المشهدين برقا في لحظات إلا أنهما زادا من حالة الانقسام التي نعاني منها قبل مدة ليست قصيرة.. عروق تغلي دماء الكثيرين فيها.. وأخري سرت في انفعال انعكس علي وجوه البعض في ابتسامة.. صراخ وعويل.. وهتافات تعيد للأذهان ما اعتادت عليه منذ عشرة أو عشرين عاما..!! أسر بالكامل التفت حول أجهزة التليفزيون في المساء قد لا يعلم بعض من أفرادها قواعد ما سيشاهدونه في برامج الفضائيات بحثا عن تفسير.. تبدلت أحاديث المقاهي وأقتحم المشهدان حوارات الكثيرين.. سارينات سيارات انطلقت تجوب الشوارع تعلن رفضها لما جري.. وانشغلت كل الخطوط بمكالمات تليفونية قليل منها تتبادل التهنئة وتعبر عما تتمني أن يتحقق في نهاية المحاكمات.. والكثير منها يعبر عن سخط وألم شديدين وقلق ترتفع وتيرته علي ما أصبح عليه حال ثورة باتت تترنح بعد أن ضلت طريقها علي ما يبدو ظاهرا!! لم يتوقف أحد أمام حقيقة أن ما جري كان من محض اختيارنا, سواء كان ذلك نتيجة اقتناع البعض به أو جاء نتيجة خدعة تعرض لها الرأي العام والعقل الجمعي للمجتمع في مرحلتين مختلفتين, فالمهم أن ما جري كان بموافقتنا ولم يجبرنا عليه أحد.. في البداية انحزنا إلي ما يمكن أن نسميه ب الشرعية القانونية التي أبدلنا بها الشرعية الثورية واخترنا إعمال القانون, وهجرنا ما يطلق عليه النخبة العدالة الانتقالية والمحاكم الثورية, علي الرغم من يقين الكثيرين بأنه كانت هناك ترتيبات واضحة للوصول إلي ما وصلنا إليه في الاسبوع الماضي فور إعلان نائب رئيس الجمهورية وقتها عمر سليمان تنحي الرئيس, السابق لعل أبرزها فرم مستندات أمن الدولة وإخفاء أو إتلاف التسجيلات الخاصة بوقائع ما جري خلال18 يوما ظل الثوار متمسكين بموقفهم في ميادين مصر دون أن يتنازلوا عن مطالبهم وحقهم في عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية فلم نكن نعيش في دولة بل كنا في مؤسسة فساد ممنهج سخرت كل امكاناتها لضمان الإفلات من أي إدانة أو مسئولية! في المرحلة الثانية جاء اختيارنا للجماعة بعد أن نجحت في اختطاف ثورة الشعب وأوكلنا إليها إتمام مهام الثورة دون أن ندرك أن كل ما كان يهمها هو تحقيق مكاسب لأعضائها دون بقية المواطنين باعتبارهم الوكلاء الوحيدين للإسلام والدين وشرع الله.. فالبعض منا وقع ضحية للخطاب الديني المخادع.. والبعض الآخر كان يطالب بإتاحة الفرصة أمامهم للتجربة وإذا فشلت فسوف نزيحهم كما أزحنا نظاما ظل متمترسا خلف مؤسسات أمنية وقوة باطشة لنكتشف في النهاية أن التمكين والاستحواذ وإعادة فرز المواطنين والإقصاء هو المنهج الذي سارت عليه دون تباطؤ.. ولم يتحقق أي شيء من أهداف الثورة حتي الآن, بل إن كل ما تحقق هو نبوءة المخلوع أنا أو الفوضي, فلا الأمن ساد, وبات العيش مهددا, وسحلت الكرامة, ومالت كفة العدالة الاجتماعية تجاه العشيرة والعشيرة فقط!! في النهاية ربما يفسر فشل الأهل والعشيرة في تحقيق ما استهدفته الثورة تلك الحالة التي استقبل بها المواطنون أحكام القضاء يومي السبت والإثنين الماضيين.. وهو ما قد يدفع المخلوع إلي إرسال برقية إلي القصر الجمهوري: نشكركم علي حسن تعاونكم..!! [email protected] لمزيد من مقالات عبدالعظيم درويش