ما يزال المفكر جمال حمدان صاحب شخصية مصر.. قادرا علي إثارة الاهتمام حتي في اليابان.. وقبيل الذكري العشرين لرحيله أصدرت دار نشر هيبون شا بطوكيو كتابا جديدا باللغة اليابانية عن المفكر المصري الكبير الذي رحل عن عالمنا في ظروف مأساوية.. وربما مثيرة للجدل والريبة.. يوم17 ابريل1993 الكتاب يحمل عنوان بورتريه مصري( صورة مصرية ذاتية): شخصية مصر لجمال حمدان ونظام الري في مصر الحديثة. مؤلف الكتاب هو البروفسير ايجي ناجاساوا.. المستعرب الياباني المخضرم المتخصص في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والذي بدأ أبحاثه عن مصر بدراسته الصادرة عام1980 عن عمال التراحيل في الريف.. وعن أسباب اختياره جمال حمدان موضوعا لدراسته.. قال لنا لدي زيارته القاهرة أخيرا: هناك عدة أسباب.. الأول موضوعي.. وهو أنني مهتم بدراسة.. كيف يفكر المثقفون المفكرون في مصر بشأن الاستبداد الشرقي. ولجمال حمدان إسهاماته في هذا المجال من زاوية الجغرافيا.. وسبب آخر يتعلق بالتاريخ الشخصي لجمال حمدان نفسه.. فهو بالأصل مثقف مثير للاهتمام عندما غادر الجامعة المصرية عام1963 وفي اختياره حياة العزلة والتقشف والعيش في شقة صغيرة في عصر النفط... ويضيف:كثير من المثقفين المصريين والعرب تغير سلوكهم مع هذه الحقبة النفطية.. لكن حمدان تمسك بأفكاره. ناجاسو ناجاساوا..(59) عاما.. يتوقف أيضا عند مفارقة يراها بين كتابات جمال حمدان وحياته الشخصية فيقول:جمال حمدان لديه في كتاباته وأفكاره انحياز إلي حلم جمال عبدالناصر في القومية العربية والاشتراكية.. وهو أمر له جذوره في الطبيعة التعاونية للمجتمع الريفي.. وفي نظام الري في مصر.. لكن جمال حمدان.. المثقف الشخص اضطر إلي الاستقالة من الجامعة في زمن عبدالناصر ومغادرتها لأسباب سياسية تتعلق بغياب الديمقراطية وبالتدخلات البوليسية. الكتاب الياباني الجديد وفق فهرست محتويات مرفق باللغة الإنجليزية.. يبدأ بمقدمة عن الدولة والمجتمع في مصر تطرقت إلي أبعاد جغرافية وأخري معاصرة لم تستثن ثورة25 يناير2011 وأهدافها. وفي القسم الأول من الكتاب المعنون ب عالم جمال حمدان.. ثلاثة فصول تطرقت إلي الحياة الشخصية والفكرية لعالم الجغرافيا البارز والمفكر المصري الراحل.. وناقشت عبر ذلك مفاهيم المركزية والتجانس والوحدة في مصر.. وكذا التعددية الثقافية عند المثقفين المصريين.. فضلا عن المفهوم الحديث لما يسمي ب دراسات المنطقة.. وإسهام جمال حمدان بهذا الشأن. أما القسم الثاني من الكتاب الخاص بدراسة تطور نظام الري في مصر الحديثة.. فيضم خمسة فصول تستعرض نتائج دراسة ميدانية قام بها الباحث الياباني في تسعينيات القرن الماضي علي عدد من قري محافظات المنوفية والمنيا وكفر الشيخ والشرقية والجيزة. وقد توصلت هذه الدراسة الميدانية كما قال ناجاساوا.. إلي أن الفلاحين المصريين بأنفسهم يلعبون دورا تعاونيامهما في حل مشكلات ومنازعات مياه الري بينهم.. وذلك بصرف النظر عن الخطط المركزية المسجلة فوق الأوراق في العاصمة. كتاب ناجاساو عن جمال حمدان.. يعد الأول من نوعه عن مفكرنا الراحل في اليابان.. وقد اعتمد علي عدد وافر من المراجع باللغة العربية.. وقد أخبرنا الباحث الياباني.. أنه لم يجد تقريبا دراسات باللغة الإنجليزية عن حمدان.. وعندما سألناه عن توافر أي دراسات سابقة باللغة اليابانية لباحثين من مواطنيه عن جمال حمدان أشار إلي مقال علمي في اليابان عن الإسهام الفكري المهم جمال حمدان كتبه المؤرخ ايتاجاكي عن كتاب شخصية مصر.. وجري نشره في اليابان عام1968 كما أشار إلي أن المستعرب الياباني المتخصص في الأدب العربي نوتاهارا استفاد بكتابات جمال حمدان.. حينما وضع كتابا بعنوان أين المصريون؟.. وهو بالأصل عام1985 ليتناول الريف والفلاحين من خلال النصوص الأدبية.. وعلما بأن نوتاهارا.. كان قد قد ترجم إلي اللغة اليابانية رواية الحرام ليوسف ادريس. لكن ما مغزي إصدار كتاب عن جمال حمدان في هذا التوقيت؟.. هنا يجيب ناجاساوا.. مشيرا إلي مقدمة. كتابه الجديد:كان لدي حمدان حلم بالاشتراكية والقومية العربية.. وهو أمر يستحق إعادة النظر والمراجعة في عهد الثورات العربية الجديدة الآن.. فدور القومية العربية يعود حاليا.. لكن علي نحو جديد يختلف عن تجربة عقد الستينيات وأخطائها. ويضيف: حقا هناك حاجة للبحث عن قومية عربية بأشكال جديدة متحررة من الاستبداد والقهر.. وأعتقد أن جمال حمدان كانت لديه نظرة نقدية إزاء القومية العربية والاشتراكية رغم إيمانه بهذا الحلم.. وهي نظرة يجب أن نضعها الآن تحت الضوء ونحسن دراستها.