قال المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر: إن مصر حظيت بالنصيب الأكبر في الدراسات اليابانية المتعلقة بالمنطقة العربية، ولا تزال حلم الدارسين اليابانيين. وأشار في ورقته التي قدمها صباح اليوم في ندوة "العرب يتجهون شرقا"، المقامة حاليا بالكويت، وتنظمها مجلة العربي، وتختتم أعمالها غدا الأربعاء، إلى أن اليابانيين اهتموا بإصدار مجموعة أبحاث علمية معمقة، باللغتين اليابانية والإنجليزية، للتعريف بتطور الدراسات اليابانية عن منطقة الشرق الأوسط التي تضم الدول العربية، وتركيا، وإيران، وإسرائيل. وقد حظيت مصر بنسبة كبيرة من تلك الدراسات. ومسعود ضاهر مؤرخ لبناني معروف بدراساته حول اليابان، ونال وسام المؤرخ العربي عام 1993، ومن أبرز مؤلفاته "النهضة العربية والنهضة اليابانية"، و"هجرة الشوام إلى مصر". وأكد ضاهر، أن جميع الدراسات تؤكد دور مصر المركزي في الدراسات العربية في اليابان. فقد اتجه الرعيل الأول من المستعربين اليابانيين إلى مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأقاموا فيها سنوات طويلة. ثم نشروا دراسات مهمة، فردية وجماعية، تبرز تملكهم لمعرفة عيانية دقيقة حول بنية المجتمع المصري دفعتهم لتعميمها على المجتمعات العربية الأخرى. وأوضح ضاهر أن الجيل الأول من مؤرخي البابان المهتمين بالعالم العربي كانت له توجهات يسارية داعمة لحركات التحرر في العالم العربي لاسيما في الفترة الناصرية والثورة الفلسطينية حتى بدء مسار التفاوض مع إسرائيل، الأمر الذي أحدث تغيرا لافتا للنظر اتسمت معه الدراسات اليابانية بتغير نبرة الحياد والتعاطف. وقال ضاهر: إن اهتمام اليابان بالثقافة العربية الإسلامية جاء من طريق الترجمة عن الغرب، نظرا لعدم وجود صلة مباشرة بين اليابان والعالم العربي الإسلامي قبل عهد الإمبراطور ميجي. وقد بدأ اهتمام اليابانيين بترجمة كتاب «ألف ليلة وليلة» عن الإنجليزية والفرنسية وغيرهما. ثم صدرت ترجمة للقرآن الكريم والسنة النبوية بالاعتماد على المصادر الغربية، وعلى كتابات المستشرقين الغربيين. وبرزت أسماء مفكرين يابانيين لعبوا دورا مهما في تعريف اليابانيين بالتراث العربي الإسلامي في النصف الأول من القرن العشرين، أبرزهم الباحث الياباني المعروف ناجاساوا الذي أصدر كتابا مهما تضمن لمحة مفصلة بعض الشيء عن ولادة وتطور الدراسات العربية في اليابان. كما تضمن مواقف جديدة بالكامل، وتتعارض في كثير من جوانبها مع الدراسات السابقة التي نشرها باحثون يابانيون حول تطور تلك الدراسات، فبدا واضحا أن وجهات النظر اليابانية ليست موحدة في هذا المجال. وكشف ضاهر أن الباحثين اليابانيين الأوائل اهتموا بالتراث الإسلامي وترجموا دراسات مهمة عن اللغة الصينية تضمنت موضوعات قضايا ثقافية بارزة ذات صلة بالفكر الإسلامي والنظم الإسلامية. ولفت صاحب الدراسة إلى أنه ليس هناك تمييز واضح في اليابان بين الدراسات العربية، والإسلامية، والشرق أوسطية. وأشار ضاهر إلى أن احتلال إسرائيل لبيروت وارتكابها جرائم مروعة في مجزرة صبرا وشاتيلا ضد المحاصرين من اللبنانيين والفلسطينين في هذين المخيمين، دعا إيتاجاكي إلى العمل الكثيف لتشكيل محكمة دولية في طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين. ونشرت أعمال المحكمة باليابانية وبالإنجليزية. وأوضح المؤرخ اللبناني المعروف أن نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وأحداث 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة، والغزو الأمريكي للعراق، وصعود التيارات الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط وغيرها، ساعدت جميعها على تطوير الدراسات العربية في اليابان. وانتهجت حكومات اليابان سياسة براجماتية لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، مما أدى إلى زيادة الاهتمام بقضايا العرب، وتاريخهم، وآدابهم، وتراثهم، وبتعاليم الإسلام، ودراسة التيارات الإسلامية الأصولية المعاصرة، ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وغيرها. ولاحظت دراسة ظاهر أن تمويل نسبة كبيرة من الدراسات العربية في اليابان أصبح أسير سياسة اليابان الرسمية تجاه منطقة الشرق الأوسط. وهي سياسة شبه ثابتة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وترتبط مباشرة بالسياسة الأمريكية تجاه هذه المنطقة وموقفها الدائم والثابت بدعم إسرائيل. في هذه المرحلة بالذات تكاثر عدد المهتمين بالدراسات العربية في إطار الدراسات الشرق أوسطية في اليابان إلى أن بلغ عددهم قرابة السبعمائة باحث، منهم نسبة كبيرة من الباحثين المتخصصين بالقضايا العربية ووصل عددهم إلى قرابة الستمائة في نهاية العام 2005، وقدر عددهم بأكثر من سبعمائة في نهاية العام 2009. وانتهت الدراسة إلى القول بأن التراجع المريع في الموقف السياسي والثقافي العربي الجامع في المرحلة الراهنة، أدى في تعثر الحوار الثقافي بين الجانبين العربي والياباني في كثير من المجالات.