صناعة التعدين في مصر صناعة يتيمة ليس لها' ليس لها أب و أم', هكذا وصف الدكتور محمد رجائي الطحلاوي, رئيس الجمعية العربية للبترول والتعدين, حال التعدين في مصر. ودعا الدكتور الطحلاوي إلي تأسيس كيان واحد يعني بالثروة المعدنية في مصر, حتي يتم استثمارها بالشكل الأمثل, مؤكدا حاجة قطاع التعدين في مصر إلي إعادة هيكلة شاملة. وأكد الدكتور محمد أبو السعادات, نائب رئيس الجمعية العربية للبترول والتعدين, أن أرض مصر تزخر بمعادن كثيرة في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية, غير مستغلة بالشكل الأمثل, منتقدا مبدأ فرض المشاركة واقتسام الأرباح علي المستثمرين وهو المبدأ الذي يتضمنه قانون الثروة المعدنية. وقال:' إن مبدأ المشاركة في الثروة المعدنية كارثة ولا يوجد في أي مكان في العالم'. ودعا إلي أن يضمن قانون الثروة المعدنية استغلالها بما يكفل المساواة دون تمييز لفئة عن أخري, وبما يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع. من جانبه, يقول المهندس سامي الراجحي, مؤسس شركة سنتامين إيجيبت التي تم إدماجها في الشركة الفرعونية لمناجم الذهب, صاحبة حق استغلال منجم السكري, مناصفة مع هيئة الثروة المعدنية, إننا لا نزال نتصرف في مصر- كالعادة- كأننا في عزلة عن العالم, ولا نحاول أن نستفيد من خبرات وتجارب الدول الأخري التي سبقتنا في هذا المجال. وفي أسي وحسرة علي حال التعدين في مصر, يضيف الراجحي أنه بدلا من تعديل النظم التعدينية لجذب المستثمر التعديني, كما فعلت الصين ودول الكتلة الشرقية, أدخلنا عليها تغييرات تتسم ب'الحداقة' المصرية المعروفة. وبدلا من أن تتحمل الحكومة أو القطاع العام مصاريف البحث والتنمية, وهذه مصاريف فيها مجازفة عالية, فلماذا لا نجعل المستثمر يتحمل هذه المجازفة؟, فإذا فشل المشروع تحمل هو جميع المخاطر. أما إذا نجح, فعليه أن يسلم زمام الأمور إلي شركة مشتركة تسيطر عليها الحكومة, وتحصل علي نصيب الأسد من الأرباح. أما إذا حققت الشركة خسائر, فيتحملها المستثمر فقط, مع أن شركة العمليات تدار بمجلس إدارة معين من قبل الحكومة. وأكد الراجحي, مستشرفا المستقبل, أن الطريق الأوحد لخروج مصر من كبوتها الاقتصادية, وإقالتها من عثرتها هو تنمية الثروة المعدنية, معربا عن أسفه لغياب الوعي التعديني في مصر, والذي وصف حالته ب' المأساة'. وأوضح أن الثروة المعدنية في مصر لا تقتصر علي الذهب, وإنما تشمل كذلك الحديد والرصاص والفوسفات واليورانيوم, ومعادن أخري كثيرة. وشدد علي أن طريق الاستثمار في التعدين ليس سهلا, وإنما تكتنفه صعوبات سياسية وفنية. وانتقد الراجحي بالمثل قانون الثروة المعدنية الذي ينفر المستثمرين بدلا من جذبهم, مشيرا إلي ضرورة توفير الحوافز للمستثمرين في صناعة التعدين عالية التكلفة, خاصة أنه' من بين كل عشرة آلاف مشروع تعديني, علي مستوي العالم ينجح, في المتوسط, مشروع واحد ويصل إلي مرحلة الإنتاج', علي حد قوله. وأضاف أنه في ظل مبدأ المشاركة الذي يفرضه القانون يتوقف كل مشروع تعديني ناجح في مصر. بيروقراطية مقيتة!! ويلفت الراجحي النظر إلي أن المعوقات البيروقراطية كبيرة جدا, حيث يتعين علينا, علي سبيل المثال, ختم كل ورقة نصدرها من الهيئة. فمثلا إذا احتجنا تغيير قطعة غيار في إحدي الماكينات, فإن ذلك يستلزم أن نحصل علي موافقة الهيئة وهو ما قد يستغرق نحو أربعة أيام, قد يتعطل فيها العمل. وهذه الشراكة يقابلها إعفاء من الضرائب لمدة15 عاما يمكن تجديدها, تمثل نصف فترة الاستغلال التي تعاقدنا عليها وهي30 سنة. لكن يهمني هنا الإشارة إلي أنه بدون هذا الإعفاء, وفي ظل تلك النسبة الحكومية المرتفعة من أرباح المشروع, فإن منفعة المشروع لأي مستثمر ستنتفي تماما. ويحدد الراجحي ثلاثة شروط أساسية لجذب الاستثمارات التعدينية لنجاح التعدين في أي بلد, هي: تركيبة جيولوجية صالحة, وقصة نجاح تلفت نظر المستثمر, ومنظومة تعدينية تنظم عمل المستثمر, وتحمي استثماراته علي مدي الزمن. أما عصمت عباس, مدير منجم السكري, فيري أن مصر, بما تمتلكه من مقومات هذه الصناعة, من الممكن أن تكون في وقت قصير نمرا من نمور صناعة التعدين, واسما كبيرا ضمن الدول الكبري, التي اعتمد اقتصادها علي التعدين إلي أن باتت صاحبة اقتصاد قوي مثل الولاياتالمتحدة, وروسيا, واستراليا, والصين, وجنوب إفريقيا, وكندا, وغيرها من الدول التي غيرت صناعة التعدين من وجهتها الاقتصادية. ويشير د. عاطف درديري, رئيس هيئة المساحة الجيولوجية الأسبق, إلي أن ما يصرف علي الأبحاث في مجال التعدين سنويا يتعدي ال4 مليارات دولار, للأسف نصيب مصر منها لا يذكر بشيء. ولو استطعنا أن نجذب100 شركة فقط, وهذا ليس بصعب, وصرفت كل شركة فقط10 ملايين دولار علي الأبحاث والاستكشافات, لكان دخل مصر مليار دولار( جميع مصروفات الأبحاث والاستكشافات تصرف في منطقه الاستكشاف), ومعظم خاماتنا التعدينية في صحراء مصر الشرقيةوالغربية وسيناء, وأعتقد أن هذا سيكون له الأثر الإيجابي علي تنمية هذه المناطق. ولو نجح10% فقط من هذه الأبحاث- بحسب الدرديري- لأصبح لدينا علي الأقل10 مشروعات تعدينية متوسط الاستثمارات في المشروع الواحد400 مليون دولار, أي سيكون لدينا استثمارات سنوية ما يقارب من4000 مليون دولار في مجال التعدين, فما بالك بناتج هذه المشروعات؟ ثروات طبيعية هائلة ويلفت د. دردير النظر إلي الثروات الطبيعة الهائلة التة تزخر بها مصر فيقول: لو نظرت مثلا إلي الطريق الدولي بكل محاوره, فسيهولك حجم الدمار والخراب الذي لحق بهذا الطريق الجميل, نتيجة أن أصحاب المحاجر لم يراعوا حرمته. خذ مثلا وادي سنور شرق النيل في بني سويف, يوجد فيه أجمل محاجر الألباستر- التي لو استغلت الاستغلال الأمثل لأصبحت مصر من أغني بلاد العالم- وكان ينتج منذ أيام الفراعنة الأوعية التي تحفظ فيها أحشاء الفرعون, هذا المحجر تحطم تماما, نتيجة عدم وجود خبرات وكوادر متخصصة. العائد الاستثماري ويوضح د. عادل محمد علي, الخبير الجيولوجي, رئيس مركز تعدين مرسي علم, أن العائد الاستثماري في مجال التعدين يكون في صورة إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة, حيث إن معظم خاماتنا وثرواتنا في صحراء مصر, وهذا ما قد يؤثر أيضا في تقليل الزحام والكثافة السكانية في المدن القديمة, حيث سيهاجر الكثير منها, حيث فرص العمل والكسب.