في المقال السابق استعرضنا معا أهم أسباب الاحتقان الطائفي الذي يؤدي إلي تكرار الحوادث المرفوضة والمؤلمة, وانتهينا إلي أن تكرارها يعني عدم الوصول إلي جذور المشكلة لوصف الدواء الناجع لهذا الداء المنذر بالأخطار مالم نواجهه مواجهة علمية وعملية. وتم اقتراح أن تنشأ وزارة جديدة تسمي وزارة الوحدة الوطنية يرأسها بالتناوب وزير قبطي من نائب مسلم ثم وزير مسلم مع نائب قبطي. وهذه الوزارة لن تبدأ من فراغ بل سيكون لها رصيد وطني عريق شهدته مصر خلال الفترة التي سبقت ثورة يوليو.1952 في هذه الفترة نجد رموزا قبطية وطنية مثل مكرم عبيد باشا الذي لم يتحرج من القول أنا مسلم وطنا مسيحي دينا, وكان يترشح في دائرة أغلب سكانها من المسلمين فينجح نجاحا باهرا في مجلس النواب, وعند كتابة الدستور المصري عام1923 ضمت لجنة الإعداد له رموزا قبطية بل ويهودية بجوار إخوانهم من المسلمين, مضافا إليهم قامات وطنية وقانونية رفيعة المستوي, واصطف الجميع في مواجهة أهداف المستعمر البريطاني وصاغوا دستورا وطنيا كان من ثمار ثورة1919. إن تلك الفترة لا تنفصل بحال عن العصور الإسلامية التي ازدهرت فيها الحضارة الاسلامية, وشارك في بنائها مسيحيون ويهود بجانب المسلمين حيث استظل الجميع بالمظلة الاسلامية التي تقرر ولقد كرمنا بني آدم( الإسراء-70) وعلي هذا يمكن للوزارة المقترحة أن تستأنف البناء علي هذا العطاء التاريخي وتطوره بما يتناسب و معطيات العصر, وتعمل علي تفعيل مبدأ المواطنة ليكون هدفا محوريا يصب في الرصيد التاريخي للوطنية المصرية التي تحقق المساواة, فلا تمييز ولا محاباة, كما أنه لا ظلم ولا اضطهاد حيث يكون القانون هو الساحة التي يقف فيها الجميع متساوين( ونتذكر هنا قصة الإمام علي- رضي الله عنه وأرضاه- الذي جمعته ساحة القضاء العادل مع يهودي في خصومة علي درع أو سيف). ولكي تصل وزارة الوحدة الوطنية لهذا الأمل المنشود فمن المفترض أن يكون لها فروع في مختلف المحافظات تحت اسم مديرية شئون الوحدة الوطنية والتي بدورها تنشئ لجانا في الأحياء والقري تسمي لجان الحكماء ويمثل في هذه اللجان أبناء الحي أو القرية, ويتناوب الرئاسة في كل فرع من هذه المنظومة مسلم مع نائب قبطي ثم قبطي, مع نائب مسلم, فيكون هذا الهيراركي من حكماء مشهود لهم بالإنصاف والرأي السديد كي يصبحوا هم صمام أمان ووقاية قبل أن تنفجر أي مشكلة طائفية, ولهم أن ينظموا زيارات مشتركة بين دور العبادة, وأن ينشئوا مشروعات وطنية مثل محو الأمية ورعاية الأيتام ينتظم فيها الشباب المسلم مع الشباب المسيحي. ويكون ذلك بديلا مدنيا فعالا يملأ دور الهيراركية الأمنية التي كانت توظف الورقة الطائفية لمصلحة النظام السابق دون أن تسعي لإيجاد حلول جذرية وشاملة لها. ويكون أهم أعمال هذه الوزارة وفروعها نشر المفهوم الصحيح للتدين, وذلك عبر التعاون مع وزارات التعليم والتعليم العالي والإعلام, بالإضافة إلي مؤسستي الأزهر والكنيسة, فيكون ذلك انفتاحا لفك شفرة انغلاق كل طائفة داخل دور العبادة. ويساعد علي ذلك صياغة متقنة للمناهج التعليمية التي تتصل بشرح المفاهيم الدينية والتعامل مع الآخر وقبوله ونفعه. وللإنصاف هنا أن نذكر كلام الأستاذ حسن البنا في رسالته القيمة رسالة التعاليم حينما ذكر صفات الفرد وكان من بينها نافعا لغيره. وتشجع هذه الوزارة المقترحة إدارات المدارس والمدرسين في الفصول الدراسية علي أن يتبادل الطلاب والتلاميذ التهنئة في الأعياد التي يحتفل بها المسلمون والمسيحيون فينشأ وعي جديد يحرص علي احترام خصوصية الآخرين بدلا من التحقير والازدراء, وللتلاميذ هنا أن يتبادلوا الهدايا في هذه الأعياد لترسيخ هذا الاحترام عمليا, ولعله لا يكون من المبالغ فيه أن تقوم المدارس برحلات للأماكن الإسلامية والقبطية يستقبلهم فيها رجال الدين الذين سيحرصون بدورهم علي تعميق مفهوم الاخوة الوطنية, فماذا لو زارت مدرسة الجيزويت وسان مارك ومثيلاتها مشيخة الأزهر وزارت مدرسة الطلائع الإسلامية ومثيلاتها أيضا الكاتدرائية المرقسية. التفاصيل هنا كثيرة ويكون تفعيلها من صلب وظيفة وزارة الوحدة الوطنية. فلها أيضا أن توقع بروتوكولا مع وزارة الشباب لتبني عدد من الأنشطة المقترحة لفرق الكشافة ومراكز الشباب, وكذلك المسابقات الرياضية المختلفة التي يمكن أن تشارك فيها وزارة الرياضة والنوادي الكبري من أجل إيجاد روح رياضية تسري في قلوب الشباب بدلا من التعصب المقيت الذي تتبناه بعض الشخصيات وبعض المنظمات. وثمة ملف مهم آخر ينتظر تلك الوزارة وهو قانون بناء دور العبادة وذلك لمعالجة الثغرات الموجودة حاليا ولتلبية الاحتياجات العبادية والعددية لأتباع كل دين, لأنه يوجد علي الطرفين من يقول إنه أكثر احتياجا لزيادة عدد دور العبادة, فالأقباط يقولون: هل يعقل أن يكون في مدينة كبيرة كنيسة واحدة يشد إليها الرحال في المناسبات وتضيق بروادها؟! ويقول المسلمون هل رأيتم صفوف المصلين يوم الجمعة وهي تملأ الشوارع؟!. إن وزارة الوحدة الوطنية عليها أن تدرس هذا الملف بعناية ولها أن تقترح أماكن كبري للعبادة يتفرع عنها أماكن صغيرة تتبعها دون الوقوع في فخ الاستعراض الشكلي لأن دور العبادة فيها تواضع لله ولا يجب أن تكون للمباهاة والمظهرية. إن مجتمعا صحيا سوف ينشأ حينما تسود فيه القيم المشار إليها فتظهر من هذا المجتمع كفاءات تلتحق بكليات الشرطة والكليات العسكرية والتي بدورها سوف تخرج قيادات في المجالين دون أي تمييز طائفي. إذا قامت وسائل الإعلام بالتغطية الفعالة لمجمل أنشطة وزارة الوحدة الوطنية, فمن المأمول أن يحدث تفاعل إيجابي تنشأ عنه مشروعات عملية بدل أن تصب بعض وسائل الإعلام معاني الفرقة والتشرذم في آذان المصريين فيحدث ارتباك مجتمعي كالذي نراه الآن.. فهل نري في القريب العاجل وفي أول تشكيلة وزارية جديدة وزارة للوحدة الوطنية؟ تري من سيكون أول وزير لها ومن سيكون أول نائب له؟. يحتفل الفلسطينيون ونحن معهم بيوم الأسير, وقد اكتظت سجون الصهاينة بالأسري ومنهم من دخل في إضراب عن الطعام فلا نداءات العالم الحر وصلت إلي آذان الصهاينة كما لم تصل إليهم أصوات الأمعاء الخاوية, بل تساوم الأسري, أو بعضا منهم علي الإبعاد خارج الوطن, فأين صوت الجامعة العربية, وأين صوت منظمة المؤتمر الإسلامي ليكون عونا للأسير الفلسطيني. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار