هالني ما انتشر في الصحف ووسائل الاعلام مؤخرا من أخبار وتقارير تتحدث عن الظاهرة الإلحادية في البلد, التي يعتبرها البعض علامة علي الحرية ويقومون بتسويقها لدي الأجانب طالبين حمايتهم.. وأقول( هالني) ذلك الإلحاد ليس لاني متشدد دينيا أو تقليدي محافظ لم ير الدنيا أو يعرف ما ينتشر فيها أو يسود بقاعها من ظواهر اجتماعية وثقافية, بل إنني علي العكس من ذلك مثقف تقدمي تفاعل بالتلامس المباشر مع الحالة الكونية وعرف كل شيء عن منابعها وخلفياتها.. ولكنني رأيت انتشار الإلحاد في مصر السنتين الأخيرتين ظاهرة تشي بأخطار كبري, إذ تطيح الرادع الرمزي والمعنوي الوحيد الذي يرد المجتمع إلي اطار أخلاقي يمكن أن ينتظم حركته وسلوكيات الناس فيه. المجتمع المصري وبالذات بعد يناير1102 يفتقد وجود أي سلطة ملزمة( ولو حتي سلطة القهر الإداري) لتحقيق انضباط الناس والتزامهم الحد الأدني من الأصول والقيم, إذ نعيش تحت شعارات غوغائية ترفض وصاية الأسرة والمجتمع ضمن منظومة وصاية النظام والمؤسسات والقيادة التي ثار عليها الناس جهجهونيا وعشوائيا, وبالتالي لم يعد إلا الدين وسيلة لرد الناس إلي مجري الأخلاق, وحين نقول الدين فنحن نرجو هنا التفرقة بين( الاسلام السياسي) وما شهدناه من ظواهر شديدة السلبية تنتمي إليه, وبين الدين بمعناه( الأخلاقي) الذي شحب وصار علي وشك الغياب, إذ صارت الذريعة أو لائحة الحيثيات التي يرفعها الملاحدة الجدد في وجوهنا هي أن المتشددين من رجال الدين وبغض المخرفين أو المنحرفين هم السبب في كفران الناس واتجاههم للإلحاد, وأن التطرف الديني يدفع إلي التطرف الإلحادي, وهي حجة ساقطة ولكنها مقنعة لبعض ضعاف الإيمان والثقافة الذين ضغط علي أعصابهم كثيرا, أن يبرك أولئك الجهلاء علي صدورهم ويفرضون علي البلد مناخا راسبوتينيا مقرفا أغرقها في مستنقع ردة اجتماعية رجعية قذف بها إلي جوف الماضي, وهدد قيم التسامح والاعتراف بالآخر ودولة القانون, وقدم لنا مفردات بديلة أراد أن يتحكم بها فينا وفي حيواتنا.. كنا نري الإلحاد قديما مرتبطا ببعض الشيوعيين, يعني علي الأقل كان له أساس فكري( مهما رفضناه) وبعد ذلك بتنا نصطدم به في ظواهر مثل عبادة الشيطان, يعني صار عندنا من يقلد تلك النزعات البائسة التي ذاعت وشاعت في الغرب للتعبير عن فراغ روحي خلفته مادية العالم الذي أنتجه عصر الثورات الصناعية الثلاث( البخار) انشطار النواة/ الإلكترونيات), والمدهش الباعث للسخرية أننا نقلد هؤلاء دون أن نمر في سياق أي من تلك الثورات التي نستخدم أدواتها دون أن نكون جزءا منها!.. السقوط السياسي والثقافي الحالي لا ينقصه أن يقترن كذلك بالسقوط الأخلاقي لنصبح في مواجهة تلك المصيبة السوداء التي يتشدق فيها بعض شبابنا بأنهم ملاحدة.. جاتهم ستين خيبة! لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع