عقب زيارة خاطفة لمدينة جوبا في جنوب السودان قابل خلالها رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل رئيس الجمهورية سيلفا كير ميارديت, وعقد مؤتمرا صحفيا مع الدكتور رياك مشار رئيس الوزراء. أكد الدكتور قنديل في تصريحات صحفية دعم مصر للتنمية بمختلف الدول الشقيقة وأن جنوب السودان تعد عمقا استراتيجيا لمصر, مشيرا إلي أن المباحثات تناولت الشق السياسي وإبداء استعداد مصر لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة. وأضاف أن إحدي الرسائل المهمة للزيارة أن مصر بعد ثورة يناير تقوم بدورها الإقليمي, كما أفاد أن مصر وجنوب السودان تعتزمان إنشاء منطقة اقتصادية صناعية مصرية علي مساحة مليوني متر مربع بالقرب من مطار جوبا الدولي تهتم بالتصنيع الزراعي وأن الطرفين سيقدمان الدعم اللوجستي لجذب رجال الأعمال من البلدين للمساهمة بمشروعات يمكن أن يوجه جزء من انتاجها لمصر ودول المنطقة. وقد وجه رئيس الوزراء الجنوب السوداني الشكر لمصر علي التعاون المشترك مع بلاده والعمل علي دعمها ونقل الخبرات المصرية إليها, وأعرب عن تطلعاته لزيادة حجم التعاون خلال المرحلة المقبلة, أما وزير الخارجية المصري الذي كان يرافق الدكتور قنديل فقد صرح بأن علاقات مصر مع جنوب السودان علاقات استراتيجية وأنه خلال انفصال الجنوب عن السودان احتفظت مصر بالعلاقات القوية مع الجنوب وهو أمر يقدره الجنوبيون لمصر.( الأهرام15 مارس2013) وعلي الرغم من أهمية هذه الزيارة لطرفيها إلا أن لدينا بعض التعليقات عليها: أولا أنه لم يذكر أي من الأطراف ما يفيد مجرد التطرق إلي قضية مياه النيل وكيفية التعاون بين مصر وجنوب السودان في هذا المجال, وهنا أستدعي شرحا مبسطا لأهمية الجنوب السوداني في هذا الصدد, فمن المعروف أن لحوض النيل ثلاثة أحواض فرعية أولها وأكثرها إدرارا للجريان السطحي هو حوض الهضبة الأثيوبية حيث يزود النيل الرئيسي بما يزيد علي85% من الايراد المائي ويطلق عليه شلال المياه نظرا لوفرة الكمية ووعورة الانحدار وسرعة هدير المياه والحوض الفرعي الثاني هو حوض هضبة البحيرات الإستوائية ويسهم بما يقل عن15% من إيراد النهر وفيه يستخدم الهطول المطري أولا بأول في مواقع السقوط لذا يطلق عليه حانوت المياه الذي يتلقي السلع ويتصرف ببيعها ولا يبقي فيه إلا النزر اليسير, أما الحوض الفرعي الثالث فهو حوض بحر الغزال الذي يقع في دولة جنوب السودان والذي يساوي الهطول المطري عليه ما يهطل علي كل من الحوضين الأولين إلا أنه لا يكاد يسهم حتي بأقل القليل من الايراد الطبيعي للنيل الرئيسي لأن المطر يتحول حال سقوطه إلي مساحات هائلة من البرك والمستنقعات والأراضي الرطبة التي ترتع فيها الحياة البرية النباتية والحيوانية, من هنا فإن هذا الحوض يسمي مخزن المياه. وقد كان أمل المصريين علي الدوام الاستفادة بهذا الكم الهائل من الثروة المائية بإضافتها إلي ايراد النهر وهناك العديد من المشروعات الجاهزة لذلك, إلا أن الحروب التي نشبت بين الشمال والجنوب والشك في أن هذه المشروعات لن يستفيد منها أهل الجنوب بقدر استفادة أشقائهم في الشمال سودانيين ومصريين دفعت إلي عداء مستتر ودفين لأي من هذه المشروعات من هنا فقد تصور الخبراء أن يكون موضوع مشروعات استقطاب الفواقد من منطقة بحر الغزال علي رأس جدول أعمال رئيس الوزراء المصري, إلا أن الواضح أن ذلك لم يكن متفقا عليه بدليل أنه اصطحب وزير الخارجية ولم يصطحب وزير الموارد المائية والري. أما ثانيا فإن العديد من الشائعات تفيد اقتراب جنوب السودان من التوقيع علي الاتفاقية الإطارية التي تصر مصر والسودان ومعهما جمهورية الكونغو الديمقراطية علي أنها لا تصلح كأساس للتعاون بين دول حوض, ومن هنا فقد كان المتوقع أن يكون هذا الموضوع أيضا علي طاولة الحوار إلا أن هذه الشائعات يبدو أنها عديمة الجدية بدليل تصريح وزير الري بعد الزيارة بأيام قليلة بأن هذا التوقيع ليس بالضرورة وشيكا. ثالثا يقول المراقبون أن المأمول كان أن يتطرق حديث رئيس الوزراء مع ساسة جنوب السودان إلي علاقة إسرائيل بهم خصوصا بعد توقيع اتفاقية تعاون يوم23 يوليو2012 كان طرفاها من الجانب الإسرائيلي وزير الطاقة عوزي لانداو ومن الجانب السوداني الوزير أليك بول مايوم في مجالات تحلية المياه والري ونقل المياه وتنقيتها وقد علق زعيم الأغلبية في برلمان جنوب السودان أيتم قرنق علي الاتفاقية قائلا إن الدول العربية لم تتقدم لفتح علاقات مع جنوب السودان ولم تبد أي اهتمامات بها علي العكس دائما يقف العرب مع دولة السودان في الحق والباطل ولا يسعون لايجاد علاقات جيدة معنا فماذا نفعل سوي أن نسعي للآخرين بمن فيهم إسرائيل استطرد قرنق أن الحديث عن أن العلاقة بين جوبا وتل أبيب تهدف إلي خنق مصر في حوض النيل لا أساس له من الصحة وستكون علاقتنا بمصر أقوي من كل الدول العربية( لكنها لن تكون أقوي من العلاقة مع إسرائيل) وبالطبع لن نوقف جريان النيل عبر السودان إلي مصر وأن دولة جنوب السودان لن تكون مخلب القط للولايات المتحدة وإسرائيل ضد الدول العربية الذين نرحب بهم في إقامة علاقات متميزة معنا في جميع المجالات.( الشرق الأوسط2012/7/25) كنا نتمني أن تعرض مصر علي جنوب السودان ترسيخا لدورها الاقليمي أن تستضيف القاهرة مفاوضات الجنوب والشمال السوداني التي تعقد في أديس أبابا خصوصا بعد أن أهدرت الحكومات المصرية المتعاقبة فرصة استضافة مفاوضات الانفصال والاستقلال التي عقد معظمها في ماشاكوس ونيفاشا في البلاد الكينية وربما لو كانت مصر حاضرة علي حد قول الرئيس السوداني عمر البشير ما كان الانفصال والاستقلال قد حدثا أصلا... ربما!! لمزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي