في مصر تأتي النيران غالبا من مستصغر الشرر, لأننا لا نتعلم الدروس من الأخطاء والتجارب السابقة, ونظل نخفي رءوسنا في الرمال حتي تقع كوارث جديدة, ثم نفيق فجأة, وتظهر همة مصطنعة, واهتمام خادع, وجدية زائفة, والتزام غير حقيقي لنعود إلي ما كنا عليه وربما أسوأ في انتظار كارثة جديدة يقع فيها ضحايا جدد في مظهر مأساوي لا يليق بمصر وشعبها وتاريخها. هذا بالضبط ما يحدث في ملف الفتنة الطائفية حيث نشجب وندين ونستنكر ويجتمع القساوسة مع المشايخ لأخذ الصور التذكارية لتهدأ الأمور حينا ثم تعود أسوأ مما كانت عليه نتيجة الشحن وبث روح الكراهية والفتنة بين عنصري الأمة من المسلمين والمسيحيين. البداية غالبا في أحداث الفتنة إما أن تكون قصصا عاطفية, كما حدث في فتنة إمبابة عام2011 أو أن تكون لعب عيال كما حدث في الحادث الأخيرة بالخصوص, وقد حكي لي أحد شهود العيان هناك الحاج عمر حسانين من كبار العائلات بالخصوص القصة منذ بدايتها, مشيرا إلي أن البداية كانت من شاب مسلم كان يرسم علامة النازية الصليب المعقوف علي سور المعهد الديني وشاهده أحد أساتذة المعهد الديني الذي اشتبك معه, ونهره عما يفعله, فتدخل أحد جيران المعهد من السكان المسيحيين ليتطور النقاش ويتحول إلي خناقة فاستنجد المواطن المسيحي بمواطن مسيحي آخر هو سمير أسكندر الذي حضر هو وأولاده وأطلقوا الأعيرة النارية التي راح ضحيتها شاب مسلم محمد محمود لا علاقة له بالأحداث من قريب أو بعيد, وإنما كان سائرا بالمصادفة ليقع ضحية للعبث والانفعال, ولجنون استخدام الأسلحة غير المرخصة التي باتت منتشرة لدي الكثيرين الآن, وتبدأ فصول المأساة تتصاعد ويتحول لعب العيال إلي فتنة كبري بين المسلمين والمسيحيين يضيع فيها أرواح7 من المصريين( المسلمين والمسيحيين) في الاشتباكات التي وقعت في الخصوص ثم بعد ذلك أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. لن تكون فتنة الخصوص هي الأخيرة مادام الانفلات الأمني مستمرا, ومادامت الشرطة عاجزة, لا تتحرك إلا بعد فوات الأوان, وفي ظل استمرار هذا الأداء الشرطي الهزلي فالأمر مرشح للتكرار بين المسلمين وبعضهم البعض, وبين المسلمين والمسيحيين, ومن الضروري أن تكون هناك خطوات جادة لجمع الأسلحة غير المرخصة وتشديد العقوبةعلي المخالفين. بعيدا عن الأداء الشرطي الهزيل والأسلحة غير المرخصة تظل الفتنة الطائفية ملفا شائكا يحتاج إلي التدخل العقلاني السريع والحاسم لنزع فتيل الأزمة, والبداية لابد أن تكون بطمأنة الأقباط باعتبارهم شركاء الوطن بعد أن تزايدت مخاوفهم نتيجة صعود الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من الإخوان والسلفيين, ثم ظهور القنوات الفضائية علي الجانبين الإسلامي والمسيحي التي تبث روح الكراهية وتزيد من الشحن الطائفي دون مبرر, متناسين أن المسلمين والمسيحيين يعيشون معا منذ فتح مصر وحتي الآن وسوف يظلون كذلك شركاء في الوطن بحلوه ومره حتي قيام الساعة. أعتقد أن إحياء المجلس الوطني للعدالة والمساواة فكرة رائعة إذا تم سن قانون خاص لهذا المجلس يعطي له الصلاحيات والآليات ما يكفي وأن يتم تشكيله من كل الأطياف وألا يتعارض مع مبادرة شيخ الأزهر د.أحمد الطيب حينما انشأ بيت العائلة بحيث يكون للمجلس الجديد صلاحيات محددة وأن تكون له جلسات دورية لترسيخ مفاهيم المواطنة والعدالة والمساواة وعدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون وأن تمتد صلاحياته إلي اقتراح التشريعات وإرسالها إلي الحكومة لترسلها بدورها إلي البرلمان لإقرارها, ومن الممكن أن يقوم المجلس ببحث شكاوي التمييز والطائفية وحل مشكلات دور العبادة. لا يجوز أن يكون المجلس مجلسا شكليا بدون صلاحيات وإنما لابد من تحديد صلاحيات واختصاصات محددة, وبالتالي تحديد آليات تنفيذ تلك الاختصاصات والصلاحيات, مع تأكيد عدم تعارضه مع بيت العائلة, باعتبار الأخير هيئة شعبية تطوعية, بينما الأول هو مجلس قومي له الصفة الرسمية وله صلاحيات يمارسها بكل قوة وحسم. من المهم أن يضم المجلس في عضويته كل ألوان الطيف المصري من كل الطوائف المسيحية, ومن المسلمين, بالإضافة إلي النوبيين والبدو لترسيخ مفهوم المواطنة وعدم التمييز بين أبناء الشعب المصري الواحد في أماكن العمل وفي دور العبادة وفي الطرق والمواصلات العامة وفي المناصب العامة بحيث تكون المواطنة والكفاءة هما المعيار للجميع. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة