عندما ظهر سليمان أبو غيث, صهر بن لادن والمتحدث باسم تنظيم القاعدة, في قاعة محكمة مانهاتن الأمريكية منذ بضعة أسابيع, كان من بين أبرز المفاجآت التي فجرها ظهوره, حقيقة كونه كان من بين أعضاء بارزين في القاعدة عاشوا علي مدار العقد الماضي في إيران. وكان التساؤل البديهي الذي جاء في ذيل تلك المفاجأة, وما الذي يمكن أن يجمع أعضاء منظمة سنية متطرفة بدولة هي معقل التيار الشيعي في العالم. تري ما هي الظروف التي جمعت بين جهتين هما علي طرفي النقيض عقائديا؟, قد تكمن الإجابة ببساطة في الحكمة القائلة: عدو عدوي هو صديقي, ثم يأتي التساؤل الآخر وما الذي دفع إيران للتخلي عن هؤلاء الأعضاء مؤخرا؟... الواقع انه ما بين الإجابة علي التساؤل الأول والتساؤل الثاني, قصة تستحق حقا أن نقف علي بعض تفاصيلها. يذكر بيتر بيرجن محلل شئون الأمن القومي الأمريكي, ومؤلف كتاب المطاردة: من11 سبتمبر إلي أبوت آباد ومدير مؤسسة أمريكا الجديدة, انه من المعروف أن العديد من أفراد عائلة بن لادن وأعضاء الدائرة الداخلية لتنظيم القاعدة, كانوا قد فروا إلي أفغانستانوباكستان بعد سقوط نظام طالبان في شتاء2001, لكن ما لم يكن معروفا بشكل مؤكد ما إذا كان بعضهم بالفعل قد حاول اللجوء إلي إيران, وفقا لبيرجن فإن عددا من المسئولين الأمريكيين, قد أكدوا انه بالإضافة إلي أبو غيث, فان آخرين من الدائرة الداخلية المقربة من بن لادن, كان قد انتهي بهم المطاف في إيران ومنهم القائد العسكري لتنظيم القاعدة, سيف العدل, وهو ضابط عسكري مصري سابق, كان قد قاتل ضد السوفيت في أفغانستان, وكذلك سعد بن لادن, أحد أبناء زعيم تنظيم القاعدة الراحل, وكان يلعب دورا قياديا في التنظيم, وكان قد قضي الأشهر الستة الأولي من عام2002 في كراتشيجنوبباكستان, ومن هناك ساعد احدي زوجات والده وتدعي خيرية, وعددا من أبناء بن لادن علي الانتقال من باكستان إلي إيران, حيث تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنهم أقاموا في بلدة جالوس بشمال إيران وتقع علي بحر قزوين. وهنا يلح تساؤل آخر, لماذا لم تظهر وسائل الإعلام الأمريكية أو حتي الإيرانية من قبل أي معلومات تخص وجود هؤلاء الإفراد المقربين من زعيم القاعدة في إيران من قبل؟ وفقا لبعض المحللين الأمريكيين فانه من المرجح أن النظام الإيراني, قد وجد في هؤلاء الأفراد, ورقة مساومة قيمة في حال اتجهت الأمور إلي مفاوضات من نوع ما مع الأمريكيين, اتفاقية ما ربما, لكن هذا لم يحدث أبدا, ولكن النظام الإيراني وفقا لما هو مؤكد حتي الآن لدي الجهات الإستخباراتية والأمنية الأمريكية, فانه لم يحدث تعاون بين تنظيم القاعدة والنظام الإيراني في تنفيذ أي عملية إرهابية. ما يؤكده عدد من خبراء ومحللي الاستخبارات الأمريكية الآن, أن صفقة ما عقدها النظام الإيراني مع تنظيم القاعدة, ووفقا لأحد هؤلاء الخبراء, فانه في أواخر عام2008, خطف بعض أعضاء القاعدة الدبلوماسي الإيراني حشمت الله عطار زاده في مدينة بيشاور غرب باكستان, وبعد احتجاز الدبلوماسي لأكثر من عام, عاد الدبلوماسي الإيراني بهدوء إلي وطنه في ربيع عام2010, وهو ما فسره مسئول استخباراتي باكستاني, بأن ذلك كان جزءا من صفقة تنص علي السماح لبعض أفراد عائلة بن لادن وأعضاء القاعدة الذين كانوا يعيشون تحت الإقامة الجبرية في إيران علي الخروج. كان من بين الوثائق التي حصلت عليها القوات الأمريكية من المجمع السكني في أبوت آباد حيث تم اغتيال بن لادن في الأول من مايو2011, ونشرت وقتها, رسائل من بن لادن لأفراد أسرته وقياداته في إيران, تعكس مدي التوتر الذي كان بين القاعدة والنظام الإيراني, وهو ينفي ما تردد مؤخرا من أن إيران كانت توفر ملاذا آمنا تماما لأفراد القاعدة, وهو ما يمنحنا أيضا ملامح لشكل العلاقة بين الجانبين, ففي رسالة موجهة إلي بن لادن من قائد قواته بتاريخ11 يونيو2009 يكتب: إنهم لا يريدون إظهار تفاوضهم معنا أو إنهم يستجيبون أمام ضغوطنا.. نسأل الله أن يصد شرهم. وفي رسالة أخري غير مؤرخة من بن لادن لقائد قواته, حيث أعطي زعيم تنظيم القاعدة مجموعة من الإرشادات المفصلة حول أفضل السبل للتعامل مع أفراد عائلته الذين يعيشون في إيران, إذا ما تم إطلاق سراحهم, وحث بن لادن علي الحذر الشديد من أن الإيرانيين لا يمكن الوثوق بهم, وكتب أن أفراد أسرته يجب أن يحذروا من أهمية التخلص من كل ما قد يحصلون عليه من إيران مثل الأمتعة أو أي شيء آخر حتي لو كان إبرة طبية. زاوية أخري قد تكشف سر ما قد يكون ترحيل السلطات الإيرانية لأعضاء القاعدة من أراضيها وكان من بينهم أبو غيث, تتكشف من خلال ما كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنته في شهر أكتوبر الماضي, من قيام ستة من الجهاديين المعروفين بانتمائهم لتنظيم القاعدة ويقيمون في إيران, بتمويل الأنشطة الجهادية في سوريا ضد نظام بشار الأسد, وهو ما يتعارض بشدة من الدعم الإيراني لنظام الأسد, وهو ما عبر عنه مؤخرا بعض المسئولين الأمريكيين بأنه كانت نهاية شهر العسل الغامض ما بين النظام الإيراني والقاعدة. من ناحية أخري كانت هناك وفقا لعدد من خبراء الاستخبارات الأمريكية صفقة ما بين الولاياتالمتحدة والنظام الإيراني حول وجود أعضاء لتنظيم القاعدة هناك, وهم مجموعة تقدر بالمئات, كانوا كما جاء في تقارير لمسئول أمريكي سابق في الاستخبارات المركزية, قد عبروا الحدود الأفغانية نحو إيران بعد انهيار نظام طالبان, ومعهم أموال طائلة تمكنوا من خلالها من تقديم رشاوي مكنتهم من دخول الأراضي الإيرانية, لكنهم فوجئوا بإلقاء القبض عليهم من قبل السلطات الإيرانية, وذلك في الفترة ما بين نهاية عام2001 وحتي منتصف عام2002, وكان من بين المحتجزين أبو غيث وسيف العدل وسعد بن لادن ابن بن لادن والذي قتل مؤخرا في غارة أمريكية, ولكن وفقا لبعض المسئولين الأمريكيين فان الاستخبارات الأمريكية لم تعلم بالأمر حتي منتصف2002, وأنها بعد أن تيقنت منه عمدت إلي إجراء اتصالات عبر قنوات خلفية لترتيب محادثات سرية مع مسئولين إيرانيين, وهو ما ذكره مدير السي اي ايه السابق جورج تينت في احدي فقرات كتابه في قلب العاصفة حيث قال إن هذه المحادثات السرية بدأت بالفعل في الفترة ما بين ديسمبر2002 وأوائل عام2003, وطالبت خلالها الولاياتالمتحدة من إيران إما تسليمهم أعضاء القاعدة أو ترحيلهم إلي بلدانهم الأصلية, حيث يمكن محاكمتهم أو تسليمهم من هناك. في كتاب آخر لأستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا الأمريكية, ديفيد فيليبس, نشر عام2006 بعنوان فقدان العراق:فشل إعادة الأعمار بعد الحرب ذكر المؤلف أن سفير إيران لدي الأممالمتحدة جواد ظريف, ذكر له أن إيران رفضت تسليم أعضاء القاعدة إلي حكومة الولاياتالمتحدة أو غيرها من الحكومات, للضغط علي الحكومة الأمريكية لتسليم أعضاء منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني لدي الولاياتالمتحدة, ووفقا لمسئول أمريكي سابق في إدارة جورج بوش, فقد رفضت الولاياتالمتحدة في نهاية المطاف تسليم أعضاء مجاهدي خلق, وفي نهاية المطاف كانت نهاية هذه المحادثات السرية بين إيرانوالولاياتالمتحدة قد انتهت في مايو2003, وانتهي هذا الفصل من المساومات بين الجانبين, وظل أعضاء القاعدة في إيران إلي أن قررت أخيرا السلطات الإيرانية ترحيلهم, مما سهل مهمة القبض علي أبو غيث أخيرا.