حديقة الحيوان بالجيزة هي انعكاس لحالة الفوضي التي يعيشها المجتمع, فعلي الرغم من كونها مزارا يجمع بين طبقات المجتمع المصري المختلفة, إلا أننا نجد الفوضي هي الصفة السائدة علي المكان, والتي يعاني منها ليس الحيوانات وفقط وإنما أيضا هؤلاء الموظفون البسطاء من حراسها. لسنوات طويلة كانت الحديقة تعكس حالة الفوضي والاحتقان التي يعيشها المجتمع, وتطلعت الحديقة أن تطولها انطلاقة كانت مصر بأسرها في انتظارها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, ولكنها كمصر مازالت تعاني من الاحتقان والفوضي. وعلي الرغم من أن تلك الحديقة هي الأقدم في افريقيا حيث تأسست عام1981 وكانت تسم جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا وهي أكبر حديقة حيوان في مصر والشرق الأوسط, إلا أن ذلك لم يكن شفيعا لها لتحظي بالرعاية والعناية اللائقة بها. جولة بالحديقة بعد سنوات من الغياب عن زيارتها كانت بمثابة مفاجأة لي فقد كنت انتظر بعد تلك السنوات الطويلة منذ آخر زيارة لي أن أري الحديقة في ثوب جديد يليق بمصر الجديدة ولكني وللأسف وجدت الحال أسوا مما كان, فلم تقدم الحديقة جديدا لزائريها رغم تلك السنوات الطويلة أو حتي جددت بما يليق!! في أثناء تجولي بالحديقة التقيت عم علي حارس النعام والذي عرفت منه أنه يعمل في حديقة الحيوان منذ عام1891 وتخيلت أنه فقط مسئول عن النعام الموجود بالحديقة ولكنه قال لي أنه يعمل كل يوم مع حيوان مختلف ولكنه يطلب أن يعمل مع النعام فهناك ألفة بينهما ويحاول تبادل ورديته مع زملائه ليظل معظم أيامه مع النعام الذي يطلق عليه أسماء يناديها بها فهو يسمي النعامة نورا بينما يسمي ذكر النعام بلبل. والنعام من أكبر الطيور فقد يصل طولها2.5 م ووزنها لحوالي155 كجم, وذكر النعام طائر وسيم إذ يغطي جسمه الضخم ريش أسود, ويغطي جناحيه الصغيرين وذيله ريش أبيض جميل ويكاد كل من ساقيه الطويلتين النحيفتين وأعلي رقبته ورأسه الصغيرة أن تكون بلا ريش. ويتفاوت لون البشرة الخالية من الريش ما بين الوردي والأزرق. وتحيط بعيني ذكر النعام الرموش السوداء الكثيفة التي يبلغ قطر كل منها خمسة سنتيمترات. ويتميز لون جسم الأنثي وذيلها وجناحاها باللون البني الداكن يتميز ذكر النعام بصوت مميز غريب, إذ أنه يصدر زئيرا مرتفعا كزئير الأسد, به هسهسة غريبة. ولا تستطيع طيور النعام الطيران, ولكنها مشهورة بسرعتها الفائقة في الجري, إذ تساعدها سيقانها الطويلة علي الجري بخطوات واسعة, قد تصل الي أربعة أمتار ونصف المتر, وسرعان ما تصل سرعتها الي65 كم/ ساعة. يوجد في أصابع قدمي طيور النعام التي يبلغ طول أكبر اصبع منها18 سم أظفار غليظة سرعان ما تتحول الي سلاح فتاك اذا تعرضت لخطر ما. والنعام طائر مزواج فيتخذ ذكر النعام أكثر من زوجة( عدة زوجات). ويقوم ذكر النعام بحفر عش سطحي, ثم تقوم نحو ثلاث الي خمس اناث بوضع البيض في العش. وتضع كل أنثي ما يقارب العشر بيضات. وتتميز البيضة بشكلها الدائري, وقطرها الذي يبلغ15 سم, ووزنها الذي يبلغ1.5 كجم ولونها الأصفر الداكن, ومسامها الكبيرة, وقشرتها السميكة. وذكر النعام أيضا فهو يجلس علي البيض في الليل, بينما تتناوب الاناث الجلوس عليه في النهار لإبقائه دافئا, ويفقس البيض بعد خمسة أو ستة أسابيع, وعندما يبلغ صغير النعام الشهر الأول من عمره يستطيع الجري بسرعة كبيرة تعادل سرعة كبار النعام, وتصل طيور النعام الي70 عاما من العمر, وتتغذي طيور النعام عادة علي النباتات, ولكنها تأكل السحالي والزواحف, وهي تأكل الكثير من الرمال والحصي ليساعدها علي طحن الطعام, وتسهيل الهضم. وعند قفص الغزال الإفريقي قابلت عم ناصر وهو يعمل في الحديقة منذ20 عاما ولديه سبع بنات وولد, وهو يعشق العمل مع الغزال الإفريقي لهدوء طباعه ويسمي الغزالة فلة والغزال زيكا, فسألته هل زار أولاده الحديقة فأجابني أن زيارة أولاده الثمانية للحديقة ستكلفه الكثير من المال ليس في استطاعته واللي جاي علي قد اللي رايح فسألته عن أجره ولكنه رفض الإجابة وقال الزوار بتراضينا. حارس آخر هو عم محمد والذي يعمل مع الجمل بكار كما يناديه منذ ثلاث سنوات ويقول أنها أتيا للحديقة معا في نفس التوقيت والغريب أنك تجد بينهما تفاهما غريبا فهما يفهمان بعضهما من نظرة العين, وبالطبع هو يرفض العمل مع اي حيوان آخر بالحديقة ويصف ما بينه وبين الجمل بالعشرة. أما عم صالح فهو الحارس الخاص لمدام كريمة أنثي الفيل بالحديقة وعرفت منه أن الفيل من أنقي الحيوانات فهو لا يعاشر ابناءه أو اخوته فهو غير باقي الحيوانات علي العموم. وظللت اتجول بين طرقات الحديقة لأري باقي الحيوانات ورأيت الناس يتوافدون علي الحديقة من مختلف طبقات المجتمع, لمشاهدة الحيوانات المختلفة والاستمتاع بها ويراضون الحراس لإطعام الحيوانات التي تنفق الحديقة معظم مواردها علي إطعامهما ولكنهم لم يفكروا في المسئول عن إطعام الحراس وأسرهم أو تطوير المكان بما يتيح مزيدا من الدخل, يوفر معيشة كريمة للعاملين ويتيح عناية للحيوانات التي تهدد بالانقراض, ولا نملك في مصر مناخا يسمح بمعيشتها اللهم سوي تلك الحديقة التي تعاني كل آلام المجتمع لتشاركنا فيه تلك الحيوانات الحبيسة, لكم الله يا فقراء مصر.