المقارنة بين المشهد المصري حاليا وما كان عليه بعد الثورة مباشرة, تثير الأسي علي ما وصلت إليه مصر والمصريون بعد ثورة أبهرت العالم. والحديث هنا لا ينصب فقط علي الإنجازات وحدود ما تحقق منها, وإنما أيضا العلاقة بين من قام بالثورة أو شارك فيها أو حتي التحق بها, ومن قامت الثورة ضدهم. في فترة حكم المجلس العسكري كان واضحا التباطؤ والانتقائية في التعامل مع مبارك ورجاله. وأسست هذه الفترة لمنهج تعامل سياسي وقانوني وإعلامي سمح لاحقا بإغفال كثير من جرائم وخطايا نظام مبارك. كانت النتيجة تلك الفجوة الواسعة بين مطالب المصريين التي وصلت إلي المطالبة بإعدام مبارك علنا دون محاكمة, وما تم بالفعل من مساءلة حول فيلات في شرم الشيخ أو اتهام بالتحريض علي قتل المتظاهرين بأدلة ضعيفة كفلت براءة المتهمين بالتنفيذ وليس فقط بالتحريض. ولم يختلف الأمر كثيرا بعد تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم, ولم يتوقف الأمر عند التقيد بالأطر القانونية القائمة كما كان في فترة المجلس العسكري. وإنما أيضا أصبحت الساحة مفتوحة أمام هؤلاء للقيام بعمليات غسيل السمعة سواء بالاتجاه إلي التصالح مع بعضهم في قضايا مالية أو بالسكوت الإعلامي المريب عن جرائمهم السياسية والاجتماعية بحق المصريين. وما يدعو إلي التساؤل عن خلفيات تلك الليونة في الموقف إزاء رجال نظام مبارك. فعجز القضاء عن إدانتهم لنقص الأدلة لا يعني أنهم أبرياء فالجرائم بحق المصريين ثابتة في الواقع وإن لم تثبت في ملفات المحاكمات. معروف أن هناك شبكة اقتصادية متداخلة المصالح والارتباطات تمنح رجال مبارك القدرة علي التحكم في مصير الشعب وحياته بالانفلات الأمني وارتفاع الأسعار والنقص السلعي. مع غطاء إعلامي قوي يواجه أي محاولة لردع هؤلاء أو منعهم. لكن هذا التفسير إن كان صحيحا- لا يعفي من في الحكم من المسئولية, ولا يبرر الانتقال السريع من مربع تنفيذ أهداف الثورة والتطهير والقصاص( المفترض أن المصريين انتخبوا مرسي أصلا من أجل ذلك) إلي الاكتفاء بالبحث عن سبل تسيير الدولة وقيادة السفينة بأمان. فبعد8 أشهر في السلطة, يجب علي الرئيس المصري الاعتراف بأنه لم يحقق أيا من أهداف الثورة, بل لم يظهر بعد أي إشارة إلي البدء في ذلك سواء بالنسبة للتخلص من رجال النظام القديم ومحاسبتهم, أو استعادة الأمن المفقود بفعل فاعل, أو حتي تحسين الوضع الاقتصادي ولو جزئيا. ما لا يعترف به الرئيس المصري أن تلك الليونة ومنهجية الإصلاح بأدوات وآليات بل ورجال مبارك, من المستحيل أن تحقق أي إنجاز, بل علي العكس يجري تعطيل وتشويه أي توجه إصلاحي. ليس من العقل في شيء القيام بثورة لهدم نظام ثم البناء بنفس أدواته ورجاله بل وفوق أعمدته الأساسية التي لم تهدم أصلا. والنتيجة الطبيعية لذلك هي انتقال من كانوا يسمون الفلول من الدفاع إلي الهجوم, حتي أن هذه التسمية ذاتها لم تعد متداولة. وفي المقابل انتقل الحكم من غاية إسقاط النظام إلي هدف الخروج من المستنقع. أما المعارضة فلديها اقتناع بأن الفلول جزء من المجتمع والمشكلة ليست فيهم وإنما في تصنيفهم هكذا بسبب سياسات مبارك. وكلاهما( الإخوان والمعارضة) يغفل أنه كان جزءا من تلك المنظومة, من خلال موقعه وحدود دوره الذي لم يكن يتجاوزه في عهد مبارك. ما يجب أن يعلمه الجميع, أن شرعية الحكم والمعارضة مرهونة بالقطيعة مع النظام السابق. والاستعانة به أو حتي التسامح معه يسقط تلك الشرعية. لمزيد من مقالات سامح راشد