عمدة قرية صغيرة في الدقهلية, لم يتصور أن يتبوأ ابنه أحمد مكانة ثقافية وسياسية مرموقة. ويصبح أستاذا ومعلما لصفوة الشباب. فقد كان كل ما يطمح إليه عندما ألحقه بكتاب الشيخة فاطمة أن يحفظ ما تيسر من القرآن الكريم حتي يتعلم في الأزهر الشريف. غير أن صديقا لوالده أقنعه بأن يتعلم أحمد لطفي السيد في مدرسة المنصورة الابتدائية. وما إن حصل الفتي علي الشهادة الابتدائية, حتي غادر قريته إلي القاهرة ليلتحق بالمدرسة الخديوية. ثم بمدرسة الحقوق. وكان إبان سنوات دراسته ينهل من ينابيع الثقافة. كما التقي في خلال اجازته الصيفية في تركيا بالشيخ جمال الدين الأفغاني. ولازمه للتتلمذ علي يديه في أثناء الاجازة. وكان جمال الدين قد حل بمصر عام.1781 ومكث بها سنوات. وكان يحرص صفوة المثقفين علي الثورة والنهوض ببلادهم. وكان من أبرزهم الشيخ الامام محمد عبده, وسعد زغلول الذي قاد ثورة9191 وذات ليلة من عام9781, وبينما كان في طريق عودته إلي بيته, ألقوا القبض عليه, ورحلوه من مصر باعتباره مشاغبا ومثيرا للفتن. واستقر به المقام في تركيا. وتوهجت وطنية أحمد لطفي السيد. وأسس عقب إنهاء دراسته وعمله في النيابة العامة, جمعية سرية لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني. واستبدت به الدهشة عندما أبلغه الزعيم مصطفي كامل بأن الخديو عباس يعلم كل شيء عن الجمعية. ودعاه إلي الانضمام لحزب سياسي يرأسه الخديو في الخفاء. فوافق علي ذلك. لكن الفكرة لم تكتمل أركانها. وأفل مسارها. وكذلك أفل مسار لطفي السيد في وظيفته. فقد استقال عام5091 بسبب خلاف قانوني بينه وبين النائب العام البريطاني. {{{ واختار أن يحلق في فضاء الحرية. وأنشأ مع مجموعة من الأعيان شركة لتأسيس صحيفة مصرية هي الجريدة وصار مديرا ورئيسا لتحريرها. وصدرت في9 مارس7091 واشتبك علي صفحاتها مع قضايا الوطن. وطرح رؤيته حول مسار مصر ومصيرها. وهي رؤية عقلانية مستنيرة. وكان أول من دعا إلي الاستقلال التام. وأكد أن المصريين قادرون علي تحرير وطنهم دون أي اعتماد علي دول أخري, بما في ذلك دولة الخلافة الإسلامية. وأوضح أن الاستبداد هو أصل الرذائل. وأكد ضرورة الدستور والحياة النيابية. وأعلي من شأن الديمقراطية. وأجل الفيلسوف اليوناني أرسطو اجلالا عظيما. وترجم أبرز مؤلفاته إلي العربية. وكان أرسطو يحظي بتقدير المثقفين في الدول العربية والإسلامية, ويطلقون عليه لقب المعلم الأول. ثم أطلقوا علي الفيلسوف العربي الفارابي لقب المعلم الثاني. أما المعلم الثالث, أحمد لطفي السيد فقد أطلقنا عليه لقب أستاذ الجيل. وهو لم يكن معلما ومفكرا فحسب, وإنما كان سياسيا وطنيا بارزا. فقد كان ضمن أعضاء الوفد المصري الذي تزعمه سعد زغلول للتفاوض مع بريطانيا لنيل الاستقلال وكان فاعلا ومؤثرا في ثورة9191 {{{ وعندما رشح نفسه في انتخابات3291 في مركز السنبلاوين كان منافسه يدعي عثمان سليط, وروج أنه ديمقراطي وادعي أن الديمقراطية تعني الخروج علي الدين الإسلامي. ولما ذهبت مجموعة من الناخبين إلي لطفي لتسأله عن ذلك, أكد لهم أنه ديمقراطي. فانفضوا من حوله. وفشل في الانتخابات. وعندئذ بعث إليه سعد زغلول ببرقية يقول فيها: لئن سقطت في الانتخابات فلك عطف العقلاء ما أشبه جدل الديمقراطية في ذاك العام, بجدل الليبرالية هذه الأيام. وبالمناسبة كان لطفي يؤمن بالليبرالية, وكان يترجمها مذهب الحريين, نسبة إلي الحرية. يا إلهي.. وكأننا كنا نحرث في البحر. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي