كاتب ومفكر مرموق. كان مهموما بشجون الوطن وشئونه. وظن أن في وسعه أن يخوضغمار معركة انتخابية. وأن يفوز بمقعد في الجمعية التشريعية عام.1913 ولم لا؟.. وأحمد لطفي السيد يدعو منذ سنوات للنهوض بمصر عبر الديمقراطية والدستور والحياة البرلمانية. وكان مديرا لصحيفة الجريدة ورئيسا لتحريرها منذ نشأتها عام.1907 غير أن سفينة ديمقراطية لطفي السيد عصفت بها الأمواج العاتية للمكائد الانتخابية. فقد روج منافسة شائعة ضارية ومضللة. وأدعي أن الديمقراطية تناهض العرف والتقاليد بل وتناويء الدين. وتأجج قلق أبناء الدائرة, خاصة وأن لطفي لم ينكر انه ديمقراطي. بل كان مزهوا بذلك, دون أن يدرك الشائعة. وانفض الناخبون من حوله. وفاز منافسه. ولئن كان لطفي السيد قد آثر تعليل سقوطه بترصد سلطات الاحتلال والقصر له, الا أن هذا ربما لا ينفي أن وعودته للديمقراطية كانت تؤرق من لا يفطن الي جوهرها. وأنها طوق نجاة الأمة من الحكم الاستبدادي. والمثير للدهشة أن تحدث هذه الواقعة بعد سبعين عاما أو يزيد من عصر التنوير والنهضة الثقافية الذي أطلقه رفاعة رافع الطهطاوي في أعقاب عودته من بعثته التعليمية في فرنسا. فقد حرص رفاعة علي نشر كتابه الشهير تخليص الابريز في تلخيص باريز. وهو كتاب رصد فيه أطوار رحلته ودراسته. ويحفل بتجليات الحرية وإشراقات الديمقراطية. ويتضمن ترجمة رفاعة للمواد الأساسية للدستور الفرنسي. بل انه احتفي بثورة الفرنسيين عام1830 ضد الحكم المطلق لشارل العاشر. وأحسب انه هلل فرحا حين أطاحوا به. وكان رفاعة مولعا وشغوفا بمفكري وفلاسفة الثورة الفرنسية الكبري.. فولتير ومونتوسيكيو وروسو. وقد شاطره لطفي السيد في التأثر العميق بهم. غير أن لطفي أبحر علي قارب المعرفة صوب الينبوع الصافي لأفكار عصر النهضة الأوروبية وهو الفلسفة اليونانية. واستقر به المقام طويلا عند تراث أرسطو. وكان العرب يطلقون عليه المعلم الأول للفلسفة, بينما أطلقوا لقب المعلم الثاني للفلسفة علي الفارابي. وعكف لطفي السيد نحو ربع قرن علي ترجمة أمهات مؤلفات أرسطو. فقد كان يؤمن بأن التعليم والثقافة هما الركيزة الأولي لنهضة الوطن. ولم يدخر جهدا فكريا ولا سياسيا في رعاية شجرة الديمقراطية التي غرس رفاعة الطهطاوي بذرتها في التربة المصرية. ولعل الدكتور طه حسين كان حريصا كل الحرص علي نمو الديمقراطية عندما حاول, دون كلل أو ملل, جعل التعليم بالنسبة للمصريين مجانا مثل الهواء والماء. صحيح أن مسار الديمقراطية اضطرب في البلاد. وذبلت أوراق شجرتها ابان حكم الطغيان والاستبداد. لكن ما أن حلق عاليا ومدويا شعار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في أرجاء مصر في أثناء ثورة يناير, حتي غرد طائر الوطن فوق شجرة الديمقراطية. ومايزال طائر الوطن يغرد برغم العاصفة السوداء التي يطلقها فلول النظام السابق في محاولة آثمة الشائعة الفوضي. وهي عاصفة سوف تنقشع وتذهب ريحها عندما يتجلي الغموض بتسارع اجراءات حسم ملفات الطغاة الكبار والصغار وكهنة الفساد والافساد. ولم يعد ممكنا نصب مكائد ضد الديمقراطية, مثلما نصبوها لأحمد لطفي السيد. ذلك أن الديمقراطية وحدها في امكانها نزع فتيل الفوضي, وتهميش القوي الجانحة والمتطرفة, حتي ولو كانت من فلول نظام مستبد. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي