بينما تسير الاختبارات الديمقراطية التي شاهدناها إلي الآن في كل من تونس ومصر والمغرب إلي تقدم واضح للتيارات الإسلامية المهم التوقف عند الاوضاع التي ستترتب علي هذا التحول العميق والتاريخي في الدول الثلاث والذي ربما يحدث مثله غدا, في غيرها من الدول التي تشهد ثورات حالية, يأتي هذا التحول بعد انقطاع بين المجتمعات العربية والتيارات الإسلامية التي ظهر انها تمثل جزءا أساسيا واسعا من هذه المجتمعات وهو انقطاع يعود إلي الممارسة الاقصائية الذي تعرضت لها التيارات الإسلامية منذ أن نشأت الحركات الاستقلالية في الدول العربية. من جهة الانظمة كانت هناك عملية تخويف متعمدة للداخل والخارج من تولي الإسلاميين أي موقع ذي سلطة في الدولة رافقه استخدام القمع المنظم لمنع أي كيان إسلامي من التعبير عن رأيه مما ساعد الحركات الإسلامية علي بناء قاعدة شعبية وجماهيرية كبري لهم باعتبارهم ابرز ضحايا القمع والاستبداد السياسي من تلك الانظمة وهو ماأدي إلي عدم تمكن مؤيديهم وجماهيرهم من اختبار وتجربة كفاءاتهم في إدارة الدولة والحكم السياسي وإمكان وصدق تحويل الشعارات النظرية إلي حقيقة علي الأرض, اليوم نحن نعيش انتقالا تاريخيا من جانب الإسلاميين والانظمة التي ظهر انها تتعامل معه بأسلوب مختلف ينسجم مع مقتضيات الربيع العربي فقد شكلت انتخابات المرحلة الأولي في مصر مفاجأة للجميع بمن فيهم الإخوان والسلفيون والمجلس العسكري وبالطبع الأحزاب والقوي المدنية الأخري فقد حصل الإخوان علي نحو 45% يليهم السلفيون 25% ويبدو أنهم سوف يحافظون علي الأرجح علي تلك النسب في المرحلتين الثانية والثالثة. أهم ملامح المفاجأة أن التيار الإسلامي سواء في مصر أو في تونس أو في المغرب, حصل علي غالبية مريحة تمكن من ان يكونوا علي رأس الانظمة في بلادهم وهذا التحول يرتب علي الطرفين مسئولية مضاعفة بهدف الإفادة من هذا المناخ الديمقراطي وتعميقه بحيث يصبح هو الممارسة السائدة في العالم العربي. لقد أكد قادة الحركات الإسلامية سواء حركة النهضة التونسية أو الحرية والعدالة المصرية أو حزب عبد الإله بن كيران المغربي أنهم يتعاملون مع انصارهم علي انه مسئولية ملقاة علي عاتقهم من جانب الناخبين وليس تكليفا إلهيا لإدارة امور الناس كما يرونه مناسبا ويعتبرون أنفسهم تحت الدستور والقوانين مما يعني أنه سيتاح لافكارهم الإسلامية التنافس بطريقة سلمية مع الافكار الأخري المتخاصمة إلي جانب إعلانهم انهم لن يفرضوا قواعد سلوكهم في الملبس والمأكل والمشرب علي سائر المواطنين. أهمية هذه التأكيدات تعود إلي التخوف مما سيفعله الإسلاميون بانتصارهم هذا فهناك شكوك تتعلق بمدي قناعة الحركات الإسلامية بالعملية الديمقراطية ودرجة استعدادها لاحترام نتائجها طبعا هم يحترمون هذه النتائج لأنهم انتصروا.. لكن ماذا عن احترامهم لها إذا هزموا غدا في الانتخابات المقبلة؟ بل ماذا عن استعدادهم لمنح الفرص للناخب الجديد ليقول رأيه في حكمهم بعد ان وصلوا إلي السلطة. هناك شكوك في احترام التيارات الإسلامية للأفكار المنافسة من علمانية وغيرها وللقوي وللفئات الأخري في المجتمع سواء كانت اقليات دينية أو عرقية فهل يقبلون مثلا أن يتساووا من ناحية القيمة السياسية والمعنوية مع الأحزاب المدنية المختلفة معهم والتي لاتري رأيهم؟وماذا عن علاقاتهم بأتباع الديانات الأخري في المجتمع؟ أم أنهم يرون أن أفكارهم هي الوحيدة التي تصلح لإنقاذ المجتمعات وتؤمن خلاصها لأنها هي افكار الخير أما ما عداها فشر كله؟ فهل تعي التيارات الإسلامية ان الدولة بمفهومها العصري ليست ملكا لأي دين بل إنها ملك مواطنيها أي الناس الذين يشتركون في بنائها كدولة للحرية والمشاركة والمساواة والعدالة؟..دعونا نتنظر؟ د.عماد إسماعيل