كان الاعتقاد السائد منذ حوالى عشرين عاما أن أوروبا الموحدة ستكون القوة الثانية فى العالم بعد الولاياتالمتحدة ولكن يبدو أن من كانوا يعتقدون بذلك سيعيدون النظر فى حساباتهم القديمة. وذلك في ظل تراجع أوروبا بالرغم من أن احتلال معظم دولها لقائمة أغني دول العالم وتمتعها بمزايا إقتصادية وإجتماعية فضلا عن الاستقرار السياسي حيث تعد نموذجا للنجاح فكيف يمكن أن يحدث لها هذا التراجع؟ نشرت مجلة التايم الأمريكية تحقيقا تحت عنوان' أوروبا.. الإنكماش الذي لا يصدق' يشرح أسباب هذا التراجع الأوروبي, كما نقلت التايم مقالا للوسيو كراكيولو رئيس تحرير مجلة' لايمز' الإيطالية المتخصصة في السياسة الخارجية, تحت بعنوان' هل محكوم علي أوروبا بالفشل كقوة دولية؟', إذ إن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت العصر الذهبي لأوروبا الغربية, وهي الفترة التي جري فيها إعادة تعمير أوروبا تحت مظلة الأمن الأمريكية وعندما إنتهت هذه الفترة بدأ يظهر عدم إهتمام أوروبا بدورها في العالم بالقدر الكافي حتي أنها تنظر إلي ما يجري في أفغانستانوإيران وكوريا الشمالية علي سبيل المثال علي أنه شأن أمريكي وأن أي أزمة كبري هي أمر يجري دراسته وتحليله في الخارج وليس في أوروبا ومعني ذلك أن أوروبا لم ترتفع إلي مسئوليات هذا العصر. وينطبق هذا علي موقف أوروبا من النزاع العربي الإسرائيلي بشكل واضح بالرغم من إعتراف الأوروبيين بأن إستمرار هذا النزاع يضر بمصالحهم وأمنهم القومي بالإضافة إلي العلاقات الواسعة خاصة في المجالات التجارية مع دول عربية. وأشار المقال في سياقه إلي أن أوروبا تملك إمكانات هائلة, وينقصها توظيف هذه الإمكانات لفرض نفوذها في الخارج. وعلي سبيل المثال فإن الصين تزداد قوة في العالم ويؤدي ذلك إلي تغيير في كثير من الأوضاع الدولية, وهو ما استجابت له الولاياتالمتحدة حيث سارعت منذ سنوات لدراسة هذا التطور بل واستطاعت أن تستقر علي سياسة جديدة للتعامل مع الصين خاصة في المجال الاقتصادي رغم انتقادها لممارساتها في مجال حقوق الإنسان ولكن أوروبا لم تولي هذا الدور أيضا ما يستحقه من إهتمام. وحسبما قال دانيل كورسكي الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن هناك غيابا تاما لمناقشة إستراتيجية في أوروبا بشأن الصين وما يحدث فيها. وبالرغم من أن كثيرا من دول العالم كانوا يطالبون بدور أوروبي قوي تجاه مشاكلهم لكن ذلك لم يحدث بل إن الولاياتالمتحدة في عهد أوباما بدأت تطالب أوروبا بهذا الدور لتتعاون معها في مواجهة المشاكل العالمية. ويذكر أن فيليب جوردن مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الأوروبية قال في جلسة للجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب' إننا نأمل في أن تضع أوروبا قدراتها وإمكاناتها في الإسهام في التصدي للتحديات الدولية التي نتعرض لها معا'. ولكن علي الجانب الآخر فان أوروبا لن تستطيع أن تلعب هذا الدور إلا إذا غيرت من سياساتها في الإقتراب أكثر من المشاكل العالمية من خلال سياسة خارجية واضحة للإتحاد الأوروبي, وإن كانت هناك إستثناءات لبعض الدول الأوروبية منفردة. فبريطانيا مازالت تنظر لنفسها كقوة دولية وكذلك فرنسا الذي أصبح رئيسها ساركوزي نشيطا في مشاكل وقضايا دولية مثل موقفه من الحرب في جورجيا عام2008 وتحديد موقفه من النتائج التي يمكن أن يسفر عنها تسليح إيران نوويا وكذلك إهتمامه بقضايا الشرق الأوسط. بل إن تقريرا للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إعترف أن الرئيس الأمريكي أوباما نفسه نفذ صبره من فقدان السياسة الموحدة داخل الإتحاد الأوروبي. والمشكلة الأن أن العالم خارج أوروبا يتغير بسرعة شديدة وأن الولاياتالمتحدة بدأت تدرك هذا التغيير وتدرسه وتستعد للتعامل معه واصبح السؤال لدي المهتمين بالشئون الدولية في أوروبا هو هل الإتحاد الأوروبي يعتبر أن التغيير في العالم هو أيضا شأن أمريكي. إن مناقشة هذا الموضوع في الوقت الحالي لفت إنتباه الكثيريين إلي أن أوروبا انشغلت منذ نهاية الحرب الباردة بمشاكلها الداخلية علي حساب دورها الدولي وأنهم أدركوا أخيرا أن التغير السريع في العالم قلب كل معتقداتهم السابقة وأنهم لو إستمروا علي تجاهل وجود دور لقارتهم في المشاكل العالمية فان أوروبا من الممكن أن تنكمش بالفعل أو تتراجع لتسبقها دول أخري صاعدة الأن علي المسرح الدولي. [email protected]