اختتام فعاليات اجتماع رؤساء هيئات قضايا الدولة في الدول العربية    الذهب يستقر بعد التراجع.. وترقب لبيانات أمريكية تحدد مسار الفائدة    رئيس جامعة طنطا يفتتح فعاليات هاكاثون 2025 لتحالف جامعات إقليم الدلتا    الجيش يتقدم جنوب كردفان.. واتهام الدعم السريع بجرائم جديدة    «هربنا قبل أن نغرق».. شهادات مروّعة من قلب الفيضانات التي ضربت نصف القارة الآسيوية    أرتيتا يعلن تشكيل آرسنال أمام برينتفورد في البريميرليج    مصرع وإصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بطريق بلاط منفلوط بالوادي الجديد    الليلة.. مونودراما بيتر الأحمر على مسرح الورشة بوسط البلد    بسنت شوقى وفراج ومروان موسى فى تتويج مصر ببطولة Half Court بالإمارات.. صور    بإطلالة جريئة.. رزان مغربي تفاجئ الجمهور في أحدث ظهور    في حوار ل"البوابة نيوز".. رامي حمادة يكشف سر فوز فلسطين على قطر وطموحات المباريات المقبلة    كأس إيطاليا.. أتالانتا يضرب جنوى برباعية نظيفة ويعبر إلى الدور القادم    بدء تحصيل الزيادة الجديدة فى قانون الإيجار القديم اول ديسمبر    منافذ جديدة لحجز تذاكر قطارات التالجو وVIP لتخفيف التكدس بمحطة القاهرة    انتهاء ترميم المبانى الأثرية بحديقتى الحيوان والأورمان    مجموعة مصر.. الأردن يضرب الإمارات بهدف على علوان في شوط أول نارى    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    تشكيل أرسنال - بن وايت أساسي.. وساكا وإيزي وتيمبر بدلاء أمام برينتفورد    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    قافلة طبية شاملة بالقرى التابعة للوحدة المحلية بسلمنت في الشرقية    أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد بعد الطلاق    الناخبون يشيدون بأجواء سير الانتخابات بالدوائر الملغاة.. تقرير لإكسترا نيوز    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    أهالي السيدة نفيسة يوزعون الشربات على الزائرين في المولد.. صور    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    بث مباشر مباراة أرسنال وبرينتفورد: قمة لندنية نارية لحسم صدارة الدوري الإنجليزي 2024-2025    ما حقيقة انتشار الدواجن السردة بالأسواق المحلية وتأثيرها على صحة المواطنين؟    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية: معايير جهار ترفع تنافسية القطاع الخاص    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    لجنة إدارة الإسماعيلي تؤكد سعيها لحل أزمات النادي المالية وإنهاء قضايا الفيفا    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    نجوم عالميون يقودون حفل واشنطن لسحب قرعة كأس العالم 2026    من واقع مذكراته وتجربته بالعراق.. كيف ينظر وزير الحرب الأمريكي لقواعد الاشتباك في الميدان؟    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    وضع مدرسة الإسكندرية للغات تحت إشراف مالى وإدارى بعد تعدى عامل على التلاميذ    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس‏..‏ اغنية طافية علي
نسائم الحرية والديمقراطية
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 12 - 2011

صغيرة في حجم رقعتها الترابية كبيرة في طموحاتها المستقبلية‏,‏ غنية بكنوزها التاريخية‏,‏ ثرية بحضاراتها العربية تشد اليها الأبصار بجمالها البسام‏, وتخطف اليها الأنظار بهدوئها الأخاذ, وتسكن قلوب زائريها بسحرها النفاذ هي الواقعة بجسدها المتدثر بردائه الأخضر الفتان.
تلك الساكنة عند الخاصرين بين سهول الساحل ورمال الصحراء غنية بأهلها الكرام وارضها الخصبة بالزيتون والأشجار والأعناب تلك العيون المتقدة ببريق الحب والإنتماء والعطاء والشخصية المتوهجة بعبقرية الموقع والتاريخ والأحداث, ومن صفاقس الي جرجيس حيث البهجة والإمتاع, ومن سوسة الي قابس ينتقل الحب في كل مكان, ومن بنزرت إلي صفاقس تسير الأمور بكل آمان.
هنا كانت القيروان قاعدة للفتوحات الاسلامية الي الاندلس وشمال افريقيا وجنوب الصحراء, هنا حمل جامع الزيتونة مشاعل الثقافة العربية الاسلامية قرونا طويلة بلا توقف أو انقطاع, هنا وريثة قرطاج السباقة مهد الثورات العربية التي طرقت ابواب الحرية والديمقراطية, هنا اشعلت صرخة بوعزيزي الربيع العربي يطالب بالكرامة وحقوق الانسان.
ها انا اعود الي تونس مجددا حيث الطبيعة الخلابة التي يترنم النخيل الولهان بانغام اغصان الزيتون فيها, اعود الي ارض هي مهد لأروع الحضارات واعمقها اثرا علي حضارة الانسان منذ ما لايقل عن ثلاثة آلاف سنة تبني وتشيد وتنجز وتشعل الإنتصارات تلو الإنتصارات فمنذ أن قدمت اليها قبائل الفينيقيين لتأسيس مدينة قرطاج الخالدة وهي تلهم اعظم الحضارات شأنا وقيمة.. ها أنا اعود مجددا الي البلد الذي يحتضن مدينة القيروان اشهر مدينة في المغرب العربي لكونها المركز الثقافي والديني والسياسي الاول الذي انشأه الفاتحون المسلمون, اعود الي البلد الذي اطلق نسمات الربيع العربي بشكل حضاري ومثالي وشعبي بلد بأكمله انتفض لاجل كرامة واحد من مواطنيه وهو الذي كان رمزا لهم في بحثه عن لقمة العيش والعمل والحياة الكريمة ها انا اشاهد ويشاهد العالم التوانسة وهم يصطفون بصبر وادب ونظام وامل امام صناديق الاقتراع وبالساعات الطويلة للإدلاء بأصواتهم في اول انتخابات حرة وحقيقية تقود بلادهم لرسم حرياتهم نحو المستقبل.
اختلطت لدي المشاعر واشتعلت الاحاسيس لأسأل نفسي هل تهمني التجربة التونسية المحلية وهل يمكن ان تؤثر علي بحر به ملايين من العرب؟
عديدة هي الاسئلة التي راودتني وانا في الطريق من مطار قرطاج الي وسط العاصمة التونسية حيث فندق الاقامة لعل ابرزها كان شعار الثورة والتغيير.. هل يتجسد هذا المفهوم بكل استحقاقاته وشروطه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالشكل الذي يشبع توقعات التونسيين مجتمعا ونخبا ومعارضة؟
من المهم القول ان التغيير بالمعني الإصطلاحي هو التبدل الذي يطرأ علي مختلف بني المجتمع والذي يمس جميع أنواع الفاعليات ومايرتبط بها من التزامات تقتضي اعادة النظر في الوسائل والإمكانات لذلك فإنه لايمكن ان يكون جزئيا فقط والتغيير كمشروع سياسي يخضع الي ديناميكية متواصلة وضرورة لاتتوقف.
ها أنا أخرج من مطار قرطاج الدولي الذي اراه يلبس حله جديدة لتنصهر حواسي مستمتعة بالهدوء والجمال الأخاذ, وكما نقول نحن في مصر من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود اليها من جديد هنا في تونس يقولون ان كل من تكحلت عيناه بجمال تونس محكوم عليه بان يعود اليها ومن لايصدق فليجرب.
انا علي المستوي الشخصي كانت لي تجارب عديدة وجميلة للتمتع بجمال وروعة تونس لذلك فأنا اصدق هذه المقولة بدون اي شكوك هنا أعراف وأشكال والوان واشعار صوفية.
طبيعية خلابة وازقة عتيقة ملتوية ونخيل باسق يحمل علي رأسه باقات من الورود ومنازل وابنية ناصعة البياض, ومساجد وزوايا عامرة بالايمان.
ها انا انطلق للوصول الي قلب تونس العاصمة ذلك البلد الحضاري شكلت محطاته التاريخية عنوانا للتلاقي الثقافي والتمازج الحضاري, قرون موغلة في التاريخ والحضارة تعكسها الحجارة والمروة والخشب, ما اروع ان يقف الانسان علي ربوة تونس ليشهد عمليا كل الآثار من حوله مدينة قرطاج التي بنيت علي جلد ثور, هيكل الكابيتول ومسرح دكه التاريخي, حمامات انطانيوس بلوحاتها الفسيفسائية.
ها أنا اكاد اسمع صيحة الفاتح العظيم والصحابي الجليل عقبة بن نافع التي هزت الأرجاء وانطلقت تعبر البحار لتنشر الاسلام وتقيم منارة للدين الحنيف تتوارثها الاجيال.
ها انا امام جامع الزيتونه بمآذنه السامقة والذي حمل مشاعل الثقافة العربية والاسلامية قرونا طويلة بلا انقطاع او انفصال, في بلاد شهد التاريخ ان الاسلام لم يكن فيها عنصر فرقة او فتنة واصبح من اكبر الجامعات الاسلامية التي تخرج فيها اجيال من العلماء الافذاذ اكاد اري سماحة ووسطية واعتدال وزهد وعلم الامام العلامة الطاهر بن عاشور الذي كان خير سفير لثقافته وفكره ودينه علي المستوي الدولي أري رفاقه أمثال علي بن زياد واسد بن الفراق والامام سحنون والامام ابن عرفه.
انني اتأمل حلبة مسرح قرطاج الذي احتضن محمد عبدالوهاب وام كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز.
ها انا اسمع من فوق الربوة المرتفعة صوت شاعر الحب والثورة الذي رحل منذ مايقرب من ثمانين عاما الا ان اشعاره ملأت الدنيا وشغلت الناس والهبت الجماهير اسمع أبا القاسم الشابي يقول اذا الشعب يوما اراد الحياة.. فلابد ان يستجيب القدر.. نعم انها كانت صرخة وموعدا مع الحرية.
وتونس التي تقبع في احضان كل من ليبيا والجزائر تطل بشواطئها علي البحر المتوسط وتبلغ مساحتها حوالي164 الف كلم مربع وتخترق اراضيها سلسلتان جبليتان هما اطلس التل واطلس الصحراوي وتنتهيان في الشمال الشرقي بشبه جزيرة الرأس الطيب وتنساب من هاتين السلسلتين سهول خصبة في الوسط, ويبلغ عدد سكانها حوالي10.5 مليون نسمة.
ها أنا اعود الي الحضارة والتاريخ وكان لزاما علي الذهاب الي د. محمد العزيز ابن عاشور المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الكسو ومقرها في تونس هو مؤرخ بدرجة استاذ وعالم متبحر في دراسات الحضارة الاسلامية ومتخصص في فن المحافظة علي المواريث والتقاليد والتراث, وكان أول تونسي يفوز بجائزة الاغاخان بصيانة العمارة الاسلامية وتصدر كتابه جامع الزيتونة المعلم ورجاله علي قائمة افاضل الكتب واهمها, هذا الي جانب انه يحمل اكثر من شهادة دكتوراه من جامعة السوربون وهو في نفس الوقت حفيد العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور لذلك كان ابن عاشور هو المرجعية للحديث عن تاريخ وحضارة تونس حيث يقول تتميز تونس بتاريخها العريض الذي يرجع لأكثر من ثلاثة آلاف عام مرت فيه بالعديد من الاحداث الهامة والتي تركت أثر كبير عليها, وكان البربر هم السكان الاصليين لتونس وذلك قبل ان يهاجر الفينيقيون اليها والذين قاموا بتأسيس مدينة قرطاج في عام814 ق.م. ونتيجة للتنافس المستمر بين كل من مدينة قرطاج ومدينة روما عاصمة الامبراطورية الرومانية حول السيطرة علي حوض البحر المتوسط وقعت العديد من الحروب بينهم في الفترة مابين264 ق.م 164 ق.م وانتهت هذه الحروب بتدمير قرطاج وسقوطها في يد الحكم الروماني.
شهدت تونس في ظل الحكم الروماني مرحلة من الازدهار ثم تعرضت البلاد خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين لحملات هجومية من الوندال والبيزنطيين ويضيف ابن عاشور انه في منتصف القرن السابع انتقلت تونس لمرحلة جديدة عندما دخلها الفتح الاسلامي وتم نشر الاسلام في المدن التونسية انطلاقا من مدينة القيروان, ثم توالت بعد ذلك الاسر الحاكمة علي تونس, ففي عام800 م قام ابراهيم بن الاغلب بتأسيس دولة الاغالبة والتي استمر حكمها لتونس لقرنين متواصلين واتسمت فترة حكم الأغالبة بالرخاء والازدهار للبلاد سواء من الناحية الاقتصادية او الثقافية وتم بناء العديد من المعالم التونسية الهامة والتي مازالت تحتفظ بجمالها وقيمتها التراثية والثقافية حتي العصر الحالي منها العديد من المساجد الكبيرة مثل جامع القيروان وجامع الزيتونة الذي يعد منارة اسلامية عظيمة بتونس وجامعة علمية هامة في العصر الحديث.
ويسرد العالم والمفكر ابن عاشور انه في عام918 م تأسست الدولة الفاطمية علي يد عبد الله المهدي الذي قام ببناء مدينة المهدية وقام باتخاذها عاصمة له ثم قام الموحدون بتوحيد شمال افريقيا والاندلس وتأتي بعد ذلك الدولة الحفصية في القرن الثالث عشر الميلادي حيث شهدت البلاد فترة نهضة عمرانية عظيمة.
ويقول ان تونس خضعت للحكم العثماني عام1574 م واصبحت تابعة للخلافة العثمانية ثم انشئت الدولة الحسينية في عام1705 م علي يد حسين بن علي الذي قام بالاستقلال عن الدولة العثمانية.
وفي عام1881 اجتاحت القوات الفرنسية تونس وفرضت عليها الحماية الفرنسية في ظل معاهدة باردو, وبدأت تونس مرحلة جديدة من المقاومة ومحاولة التحرر من الاستعمار الفرنسي ونالت تونس استقلالها عام1956 م.
ها انا اخرج من مقر منظمة الالكسو من قلب مدينة تونس العاصمة وهي احدي اكبر المدن التونسية والمركز العتيق والحاضر الحديث وقد أنشئت المدينة خلال أوائل القرن العشرين علي نسق بعض المدن الداخلية الفرنسية, اسير في شارع بورقيبة أهم شوارع العاصمة وعلي الفور اتذكر الشانزليزية في قلب باريس فهو نسخة مصغرة منه علي جانبه الاشجار الباسقة والمحلات الكبري والبنوك وباعة الزهور.
وتتميز تونس بالعديد من المتاحف منها متحف باردو القومي الذي يضم اكبر مجموعة فسيفساء رومانية في العالم وكذلك متحف القطع النقدية والمتحف القومي للفنون الاسلامية.
ها انا اتجه الي المدينة العتيقة حيث متحف الفنون والعادات الشعبية والمدينة تتميز باسواقها ومعمارها الفريد الامر الذي جعل اليونسكو يدرجها ضمن التراث العالمي الانساني, هنا الاسواق والحوانيت هنا الاكشاك والدكاكين حيث الروائع والعطور الورد والقماري والعتيد والحناء وعطور الياسمين التي كانت رمزا للثورة التونسية تقع هذه السوق بالقرب من مجموعة كبيرة من المعالم التاريخية حيث جامع الزيتونة المعمور الذي يقع علي بعد امتار والمدرسة الخلدونية ودار الكتب الوطنية.
انت تشم شذي المسك والعنبر ومستخلصات القرفة والمرغيم هنا رائحة البخور التي تجذب المارة والسائحين انه سوق فريد من نوعه في تونس فقلما تجد سوقا بذاك الحجم في اي منطقة اخري في البلاد انه سوف لايموت فهو ساكن في الذاكرة الجماعية لتونس منذ مئات السنين والذي يدخل المدينة العتيقة ولايزور السوق فكأنه لم يزور المدينة هكذا يؤكد نبيل المختار واحد من أكبر تجار العطورها انا اخرج من السوق العتيقة لأتجه الي ساحة الاستقلال حيث تمثال ابن خلدون احد اخر فلاسفة العرب في العصور الزاخرة واعظمهم علي الإطلاق في علوم الفلسفة الاجتماعية والافكار المتطورة ذلك هو المفكر والفيلسوف والعلامة ابن الوليد عبد الرحمن بن خلدون والذي اهدانا إياه القرن الرابع عشر الميلادي واهملته القرون التالية, وكان لابد من انتظار القرن الثامن عشر ليبعث ابن خلدون من جديد ولتحدث المفاجأة في الأوساط العلمية الأوروبية بترجمة المقدمة الي الفرنسية أولا ثم الي الإنجليزية مشمولة بتعليقات منها ماقاله المؤرخ وعالم الإجتماع ارنولد توبيني من ان مقدمة ابن خلدون اعظم مؤلف مننوعه لم يقم بإنجازه اي عقل من قبل في اي زمان ومكان, لم يكن طبيعيا ان اذهب الي تمثال ابن خلدون دون الذهاب الي البيت الذي ولد فيه فهو مازال قائما الي الآن في إحدي احياء تونس العتيقة والحي كله كان منطقة استقرار الجالية الأندلسية التي التجأت الي البلاد في العهد الحفصي من عام1248 الي1574 عند مجيء العثمانيين وتمتاز دار ابن خلدون بطابعها الإسلامي والأندلسي من ناحية الباء الزخرفي وتتكون من طابقين مع غرفة في السطح ويسمي الكشك واصبحت الدار الآن تابعة للمعهد الوطني للتراث طابقها العلوي مقر ارشيف المعهد ومقر الخريطة الوطنية للمعالم والمواقع والطابق السفلي تسكنه عائلة تونسية.
وابن خلدون الذي ولد في تونس وتوفي في مصر حيث احتضنه ونهل من علمها وتولي منصب كبير القضاة حتي رحيله عام1406 م لقد ربط ابن خلدون بين الشعبين المصري والتونسي منذ مئات السنين, كما ربطتهما اليوم المطالب بالحرية والكرامة.
ارهقني تجولي في السوق العتيقة, واسعدني اعادة قراءة مقدمة ابن خلدون حيث الكلمات الذهبية التي لاتصدأ والشموخ التاريخي الذي لاينحني, لكنني حاولت أن اتمهل في السير وأتمعن في الحجر واستمتع بقيم جمالية في لوحة تضافر في إبداعها جهد الإنسان وعطاء الطبيعة ليولد سحر جذاب يسمي سيدي بوسعيد انها واضحة وسرية, امينة ومغلفة, حجر مرصوف وفناء داخلي تصميم مثل المشربية يمثل الي الخارج دون ان تبدد الالفة الحميمة امام البحر فتحت الرابية المسحور ذراعيها وامام زوارها العابرين والسفن الراسية والمبحرة منذ منتصف القرن قبل الماضي هي موئل تأمل واستيحاء كوكبة دفاتر شعراء ولوحات فنانين كانوا يقبعون أمامهم منبهرين, انها اللقياء النادرة الفردوس الأرضي وماكانوا يدركون انها ليست إلا صورة جزئية أمينة عن المدينة العربية الإسلامية بطبيعتها الأندلسية
أنت الآن في الطريق الي سيدي بوسعيد حيث بيوتها شرفة علي المتوسط اصطفاها الادباء والفنانون الغربيون ومنهم فلوبير, اندريه جيد, بول كلي, غسبارو, ومحمود درويش تشبه طنجة المغربية في إجتذابها لمشاهير الأدب والفن ولكنها توفر بالإضافة الي ذلك هدوء التأمل ومتعة الاستراحة وهذا بالتحديد ماكنت ابحث عنه.
سيدي بوسعيد فوق البحر ولها لونان الازرق والابيض أهي زرقة السماء القريبة ام زرقة البحر المحيط.. أهو بياض الغيمة العابرة أم بياض الموجة المنكسرة؟
تسهيلا للإجابة علي هذين السؤالين طلبت بلدية البلدة من مالكي البيوت ان ألا يصبغوا جدرانهم بغير اللون الأبيض ونوافذهم ومشربياتهم وابوابهم بغير اللون الازرق؟ هل كانوا يحتاجون الي مثل هذا القرار؟ أشك في ذلك.
دعنا نجلس ونستريح في مقهي سيدي شبعان اشهر واهم مقهي في المغرب العربي انها شرفة البحر ومرصد الخليج الصغير, حصائر من قش فوق مرتبات حجرية علي عدة طوابق في مكان مكشوف في الهواء الطلق في زاوية مرتفعة من الرابية تشرف علي خليج قرطاج القريب.. الشمس قوية لكي تجعل الجسم يتراخي بتكاسل يتمدد فوق الحصيرة والهواء الناعم لكي يهدهده في هذا المنام الشمس في هذا السرير الأبيض.. شمس وهواء انها معادلة المتوسط العجيبة.
رواد المقهي يستلقون هائمين حالمين متأملين هذا يسند رأسه الي يده اليمني ناظرا الي البحر ماذا يري؟
هل يري وبأي عين يري رؤية مايحيط بنا وأحلام اليقظة؟
حتي السياح الأجانب يكفون عن الثرثرة عن إبداء الدهشة عن التقاط الصور التذكارية عن طرح الأسئلة إلي أي سنة يرقي تأسيس هذا المقهي؟ هل كان اندريه جيد يزور المقهي يوميا, هل هناك سجل ذهبي يسجل عليه المشاهير عباراتهم الخالدة ؟
لاشيء من هذا ولا صورة فوتوغرافية تذكر بزيارة المشاهير, لاداعي لهذا كله ولا للأرقام.
الدقيقة فالأحداث والوقائع لاتشير هنا وفق خطوط واضحة وثابتة مثل القطار بل تنتقل بين الشفاه تتبدل وتتنوع مثل الحكايات.
ها هي سيدي بوسعيد تشهد مع الساهرين في الخارج ليلها عاطر ماذا يشهد بالفل والياسمين ليلا؟
سيدي بوسعيد فله تلقاها في يد البائع أمام البيت أو خلف اذن احد المشاهير.
انها قصيدة من بشر وشجر وحمام وخضرة وماء وحركة حياه ولاتهدأ القمر لكل ساهر الازقة ضيقة لدرجة انها تجعل لكل بيت قمره, والجدران بيضاء تقطع الزرقة المعتمة وداعة امنه لا شرطي فيها حتي في الليل معزولة مثل صومعة مختارة مثل محترف للرسم, مريحة مثل شرفة في حضرة البحر, عديدون طرقوا هذه الازقة الحجرية توقفوا امام هذه المئذنة وانتظروا شبحا في زقاق ملتو للمرة العاشرة حتي القديس لويس هام علي وجه في هذه الازقة فهو لم يمت ضحية الطاعون في إحدي الحملات الصليبية كما تؤكد روايات التاريخ بل وقع ضحية الحب.. الأرضي حين اسرته تونسية بجمالها وبشعرها الساحر تحت الحجاب الرقيق, كما تؤكد حكايا سيدي بوسعيد منذ مئات السنين تقاعس بدوره عن تحرير فلسطين وقضي بقية حياته في سيدي بوسعيد.
واقع الأمر كنت أحتاج لقسط من الراحة وجدته في هذه البقعة الساحرة وغادرتها والحسرة نفسها تأتي مع صوت أم كلثوم؟ المفاجيء المنسجم الهادر وهي تصدح في هذا العراء الأخضر امام البحر ياريت.. ياريت.. يارتني عمري ماحبيت؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.