إذا كانت غالبية المصريين تري أن علي حكومة الجنزوري أن تشغل نفسها فقط بثلاث قضايا أساسية, هي معالجة الانفلات الأمني, وضمان إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها بيسر وأمان. وإنهاء التحقيقات في مصرع شهداء التحرير الذين سقطوا في شارع محمد محمود, فربما يكون المطلب الرابع من حكومة الجنزوري الذي لا يقل إلحاحا, أن تبادر بإحداث تغيير جذري في علاقة المواطن بالسلطة, ليس من خلال الكلمات أو إبداء المشاعر الطيبة أو مشاركة المواطنين أكلة فول في مطعم شعبي, كما كانت تفعل حكومة د. عصام شرف, ولكن من خلال سلسلة واضحة من الإجراءات المحددة, تلزم كل أجنحة الحكومة احترام حقوق الإنسان المصري وأولها حقه الأصيل في الكرامة, بحيث يدرك الجميع خاصة أجهزة الأمن والشرطة أن المواطن المصري قد تغير علي نحو جذري بعد 25 يناير, وأصبح أكثر إيجابية وأكثر إحساسا بحقوقه وأكثر تصميما علي أنه صاحب الحق الأصيل في هذا الوطن وليس مجرد رعية, وإن ما يؤلمه ويشق علي نفسه بعد ثورة 25 يناير أن يلقي سوء المعاملة والإهمال وقلة الاحترام من معظم أجهزة الدولة! وأظن أن هذا الشعور العميق بالعداء الدفين للشرطة والحكومة الذي عبر عن نفسه في إصرار شباب الميدان علي إقتحام شارع محمد محمود وصولا إلي مبني وزارة الداخلية في موجات متتابعة رغم الاصابات الجسيمة التي تلحق بهم, يعكس إختزانهم غضبا غير محدود من تصرفات بالغة السوء, تؤكد لهؤلاء الشباب أن شيئآ لم يتغير في مصر بعد الثورة سوي إنها أطاحت برأس النظام! وما من شك أن نجاح حكومة الجنزوري في تغيير هذه العلاقة من خلال إجراءات محددة تحترم آدمية الإنسان المصري, تحرم الكذب علي المواطن أو إساءة معاملته أو تضييع وقته أو احتجازه وتفتيشه وضبطه دون إذن من النيابة, سوف يسد فجوة الثقة الواسعة بين المواطن والحكومة, ويرسخ داخله يقينا بأن تحقيق العدالة الاجتماعية وإنجاز ديمقراطية مكتملة أمران آتيان لا ريب في ذلك, لأن الثورة حققت أول أهدافها في استعادة كرامة المواطن. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد