ذهبت يوم أمس إلي مليونية الفرصة الأخيرة بالميدان متلهفا بأن ترقي المطالب والهتافات والتفاعلات بين جماهير المشاركين المصريين والمصريات من كل طيف وملة ولون إلي المستوي نفسه من الاكتمال والسلمية والإمتياز الذي شهدته مليونية الإنقاذ في وقت سابق يوم الثلاثاء. كنت أشعر بالحاجة الماسة للعودة إلي الميدان بعد الإحساس بالصدمة والمرارة والغبن والإهانة والغيظ ليس فقط بسبب ماحدث للمتظاهرين والمعتصمين المصريين والمصريات المسالمين من سحل وإلقاء جثث الشهداء في أكوام القمامة, وما تبعها من نزيف متعمد لدم الأبرياء علي أيدي القتلة والسفاحين من البلطجية وجنرالات الأمن والشرطة العسكرية, لكن أيضا باتت العودة للميدان حتمية لوقف التخبط والفشل الذريع في إدارة شئون البلاد علي كل المستويات الأمنية والسياسية والإقتصادية في الشهور العشرة الماضية. بالنسبة لي ولأمثالي من ملايين المصريين, التواقين إلي تحقيق درجات متقدمة يستحقونها من التنمية الاجتماعية والاقتصادية, فضلا عن حتمية فرض الأمن, والتمتع بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, أصبح الميدان هو الأمل والرجاء طالما عجزت الإدارة الانتقالية بما أوكل إليها من مهام ثورية, وسلطات تنفيذية وتشريعية مطلقة, وبعد أن بلغت الإتهامات الموجهة إلي تلك الإدارة ذروتها خاصة من جانب النخبة بوصفها إدارة إنتقامية من الثورة وليست إدارة انتقالية!! أصبح الاحتكام إلي الميدان هو الحل, صورة الميدان الرومانسية الرائعة التي بدا عليها في الأيام الأولي للثورة وقد جمعت القبطي بجوار المسلم والليبرالي إلي جانب السلفي والمحجبة إلي جانب شقيقتها بدون الحجاب والقومي إلي جانب اليساري والإخواني, مليونية حقيقية في الميدان ليست علي الطريقة الفئوية والطائفية والمذهبية المهينة التي بدا عليها لاحقا, خاصة المليونيات الفجة منها والانتهازية المتصارعة علي كرسي الحكم, ومنظموها أول من يعرفوا بأنهم من أنصار ركوب موجة الثورة في آخر لحظة, والثورة منهم بريئة. في مليونيتي الإنقاذ والفرصة الأخيرة لم يكن غريبا أن أشعر بإحساس مختلف عند الاستماع إلي هتاف مئات الآلاف في وقت واحد إرفع رأسك فوق.. إنت مصري. هل يعود الإحساس المختلف هذا إلي شعور بجرح عميق وصدمة مما فعلته الإدارة الانتقالية الانتقامية بالمصريين بسحلهم وإلقاء جثث شهدائهم في القمامة, وسحق هامات الشباب الأبرياء منهم تحت عجلات المصفحات, بما يفوق ما اقترفته آلة القمع غير المباركة من جرائم وآثام؟ هتاف آخر رددته حناجر مئات الآلاف في الميدان بالأمس القصاص.. القصاص.. قتل إخوتنا بالرصاص. أعرف أن الدم هو وقود الثورات, لكن ما لا يمكن قبوله علي الإطلاق هو إهدار دم الثوار علي أيدي من ادعوا حمايتها, ثم ألم يكن من الأجدي والأفضل, بالله عليكم يا أهل الحكم والحل والربط والتشريع بأن تسرع الإدارة الإنتقالية الإنتقامية في إذاعة رسالة الأسف والإعتذار الشديد( رقم84) لسقوط الشهداء من أبناء مصر المخلصين في مذبحة الميدان الشنيعة بدلا من الانتظار أياما طوالا كان الشعب فيها يغلي ويشعر بالإهانة والمهانة. لقد عاد الميدان إلي صدارة الأحداث مرة أخري وباتت كلمته هي العليا, ولا صوت يعلو علي صوته, لا قرار يعلو علي قراره, بعد أن ظهرت إلي العيان وانكشفت ممارسات أهل الحكم التي كان يتبعها رأس النطام المخلوع ودفع ثمنا غاليا. من هنا فصاعدا.. الميدان هو الذي سيشكل المجالس العليا وهو المسئول عن التطهير والاختيار والمراقبة والمتابعة. لن يقع الثوار المعتصمون الآن بالميدان في الأخطاء التي ارتكبوها من قبل, وبمنتهي حسن النية, عندما غادروا خيامهم المنصوبة في نشوة الفرحة لرحيل رأس النظام وبدون أن تبقي الكلمة العليا للثورة ورجالها الحقيقيين وليس الانتهازيين. إنتقلت الشرعية الثورية من جديد إلي الميدان بعد تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية.. الميدان أصبح أكبر مجلس شعبي تشريعي تنفيذي انتقالي.. الميدان هو الأكثر تعبيرا عن إرادة المصريين في التغيير وتحقيق أهداف الثورة. ثمانية مطالب يرفعها الثوار الآن في الميدان, أزعم أنهم لن يغادروا بدون تحقيقها هي: تشكيل مجلس رئاسي حكومة إنقاذ وطني لجنة تحقيق قضائية في مجزرة التحرير الشنيعة, وقف المحاكمات العسكرية منع أعضاء الوطني من المشاركة في الحياة السياسية تطهير مؤسسات الإعلام محاكمة رأس النظام السابق ومعاونيه بتهمة الخيانة العظمي عودة جيش مصر العظيم إلي الثكنات وإخراجه من المستنقع السياسي. ليت من بيدهم الأمر والحل والربط وأهل الحكم أن يسارعوا في الاستجابة لقرار الشرعية الثورية القادمة من الميدان قبل فوات الأوان. المزيد من مقالات كمال جاب الله