تعليقا علي رسالة البيت القديم الذي روي فيها كاتبها قصته مع بيته القديم الذي شهد زواجه وانطلاقه في الحياة ثم انتقاله إلي فيللا جديدة نزولا علي رغبة أولاده ويعاوده الحنين الي المكان الذي ترعرع فيه. فإن كان هو الفنان المتميز الذي أعرفه وأحسب أنه هو الذي يشغل منصبا رفيعا في مصلحة مرموقة, فإنه شخصية مرهفة الحس, تؤثرك من اللحظة الأولي برقيها وتحضرها وعفويتها وتلقائيتها وبساطتها وتواضعها والتزامها ونقائها وسرعتها في الانجاز لإزالة أي اسباب للشكوي لمن امامها, ولا يتركك إلا مجبور الخاطر وهو مستمع جيد قليل الكلام, واذا وجهت اليه الدعاء وعبارات الشكر لما يفعله للآخرين إذ به يزيدك من فضله بأن يقول لك بل انت للتفضل علينا اذ جعلنا الله سببا في قضاء حاجتك, وينسب الفضل لمن اختاره لهذا المكان, ولا يكتف بذلك بل يظل يتابع المتظلم أو الشاكي حتي يتأكد أنه قد زالت كل أسباب شكواه تماما وأنه صار في أفضل حال بل أكثر من ذلك يبحث له عن كل ما يدخل السرور الي قلبه. انه شخصية في منتهي التهذيب والتدين والحياء والأمانة والنزاهة والأصالة والشياكة في التعامل والقول حتي إنه يرسخ في نفسك فكرة محترمة عن الوسط الفني عكس الفكرة المحفورة في أذهان أغلب الناس, وقد تعاملت معه في موضوع خاص بي بعد ما يربو علي العام ونصف العام من الظلم والإحباط و المرارة والمعاناة, وإذا به يحل مشكلتي في نفس اليوم دون سابق معرفة. ولقد عرفت انه عاني كثيرا في حياته ولذلك يشعر بمعاناة الآخرين ولا يحب لأحد أن يعاني مثله وعندما تراه تشعر كم هو انسان خلوق صاحب خطوة سوية يحمل بين جنبيه قلب طفل, يلقاك بوجه طلق بشوش وبخفة دم مصرية لا تشعرك بشيء من معاناته, وله قدرة رائعة مدهشة علي أن يبدل دموع المتألمين لابتسامات. إنه نموذج فريد للمسئول كأفضل ما يكون في موقفه, ومع ذلك لا يسلم من سهام الحاقدين التي يدرك كل من تعامل معه كم هي أكاذيب وافتراءات, ولكنها تزيده إصرارا علي العطاء, دون أن يجهد نفسه أو يهدر وقته في الرد علي أمثالهم, وربما لأنه يدرك أن الأشجار المثمرة فقط هي التي يلقيها الناس بالطوب والحجارة, فهو إنسان يتنفس عطاء ولا أبالغ في ذلك دون من أو تعال. وما فعله معي ومع غيري كثير ولا أستطيع أن أوفيه حقه من الشكر والتقدير والاحترام لو ظللت ادعو له حتي آخر يوم في عمري, واقول له ربما كان خطؤك يا سيدي من البداية أنك لم تنم في زوجتك واولادك ثقافة العطاء مثلك فقد اعتادوا الأخذ فقط, وان ترضخ دائما لطلباتهم. وأقول لزوجته وابنائه: لا تتخلوا عن مثل هذا الانسان فهو لم يفعل لكم الا كل ما هو جميل فمن يريكم كل هذا البر أليس جديرا بكم ان تردوا له ولو جزءا يسيرا مما قدمه لكم وأن توفوا بوعدكم له؟ وتذكروا ان من لا ماضي له لا حاضر له, وما يطلبه منكم ليس رفاهية او ترفا فمثله لا يستطيع أن يحيا ويتنفس الا وسط الناس وبالناس الذين يطلب منهم بمنتهي الصدق والتلقائية أن يكونوا اخوة له يقصدونه في أي مشكلة أو حاجة تعرض لهم في أي وقت, وبابه مفتوح دائما لكل ذي حاجة دون ضجر أو تأفف أو ضيق, فمثله بحاجة الي ان يجد من اهل بيته دعما له من الحنان والمودة لكي يواصل عطاءه ويشحن ويشحذ طاقاته علي العطاء لكي يظل يشع جمالا علي الآخرين فهو فنان حقيقي وكما يقال كن جميلا تر الوجود جميلا فقد يكون لدي زوجته وأبنائه الذوق الجمالي ولكن ليس لديهم الحس الجمالي الذي يجعلهم يشعرون بالآخرين. وتذكروا أن العبرة ليست بالمكان ولكن بمن يعيشون فيه فكم من قصور تفتقد الدفء والتواصل وكم من أماكن فقيرة تنبض بالحب والحياة!. وأقول له لا تحزن ولا تبتئس فلن تستطيع أن تتخلي عنهم ولا أن يتخلوا عنك, وحاولوا أن تصلوا معا لكلمة سواء ولغة حوار مشتركة, وألا تقطعوا كل الحبال حتي لا تشعروا بالغربة وسط من يجب أن تشعروا معه بالأمان, وفقكم الله ووقاكم وسدد علي طريق الخير خطاكم. ما أكثر الفضلاء يا سيدي الذين يوثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. وهم يستحقون دائما أفضل مما هم فيه لكنهم يرضون دائما بالقليل ويجدون سعادتهم في إرضاء الآخرين.. ألا يستحق هؤلاء بعض الاهتمام؟.. إنني أكرر ندائي لأبناء كاتب الرسالة سواء إذا كان هو من أشرت إليه في رسالتك أو غيره أن ينزلوا علي رغبة أبيهم في زيارة البيت القديم ولو يوما كل أسبوع حيث يجد سعادته في الوجود بين من أحبهم, وارتبط بهم من الأهل والجيران, كما أن في ذلك تواصلا لا ينقطع بين الأهل والأحباب.