سيدي.. أكتب إليك قصتي, أو بمعني آخر محنتي, لأن زوجتي من قراء بريدك المستديمين, فربما تكون كلماتك سببا في إصلاح ما أفسدته, فلعل زوجتي تقرأها, وتنسي الألم والجرح الذي سببته لها. أنا شاب في العشرينيات من عمري, من أسرة متوسطة, بعد أن كانت ميسورة الحال, لي من الأخوة شقيق يعمل في إحدي دول الخليج, وأخت هي بمثابة أم ثانية لي, نشأت في أسرة عادية ككل الأسر المصرية, أم تربي أبناءها لتري فيهم أملها, ومستقبلها, وأب كان يعمل في البداية حتي يوفر المال, لكن بعد أن أعطاه الله الكثير أنفقه كله سعيا وراء إرضاء نفسه فقط, حتي أنفق كل ما يملك, وأصبح مدينا, وتركنا ونحن صغار ليس لنا إلا الله, ثم أمي, التي عملت ليل نهار حتي تقدر علي الوفاء بكل متطلباتنا, حيث كانت ومازالت كل شيء لنا في هذه الدنيا, فنحن لا نتخيل حياتنا بدونها, ضحت بالكثير من أجلنا إلي أن كبرنا, وتزوجت أختي, ثم أنهيت أنا وأخي دراستنا ودخلت بعدها إحدي كليات القمة, التي يطمح إليها الكثير من حولي. في هذه الأثناء عاد أبي مرة أخري إلينا بعد أن سدد كل ديونه, وكان أملنا فيه أن يعوضنا عن كل ما فات من حنان الأب الذي لم نلمسه مرة, وأن ينسينا قسوته التي كثيرا ما أثرت فينا حتي وقتنا هذا, كنا نأمل أن يكون والدي قد تعلم مما جري, ويعوض أمي التي انتظرته طويلا, وهي تقف موقف الرجال مع أولادها, ولكنه للأسف خيب ظنوننا, وعاد لمعاملة أمي بقسوة, ويهينها أمامنا, وساعتها أصبنا جميعا بالحسرة. بكل صراحة أؤكد ياسيدي أن هذه السلوكيات زرعت فينا آلاما لاتنسي, وتركت جرحا كبيرا غائرا, لم تستطع الأيام حتي الآن أن تداويه, والأقسي من ذلك أننا أصبحنا كلنا نعاني من تلك المرحلة في حياتنا, وورثنا للأسف بعض صفات أبي, كالعصبية, التي نحاول أن نعالجها في أنفسنا! تخرجت في كلية الهندسة, وسافرت إلي إحدي دول الخليج, وأعطاني الله كل ما يتمناه شاب في بداية حياته, من وظيفة محترمة, وراحة نفسية في شركتي التي أعمل بها, فكنت لا أفكر في شيء سوي مستقبلي إلي أن قابلت في أولي إجازاتي إنسانة وجدت فيها زوجة العمر, بكل معني الكلمة, تقدمت لخطبتها, ثم حدثت ظروف فلم أوفق في الارتباط بها, وحاولت أن أبحث عن زوجة أخري لكني لم أستطع أن أنسي هذه الفتاة الرائعة, فكنت أقارن بينها وبين كل من قابلتهم, فكانت كفتها ترجح دائما, إلي أن وفقني الله وارتبطت بها فعلا وليس هناك مساحة لذكر التفاصيل وكنت ومازلت أراها زوجة بكل الصفات التي يتمناها المرء, في الفكر والتربية, والخلق.. ولقد واجهت مشكلات كثيرة في خطبتي, خاصة من والدي الذي كان غير راض عن هذا الارتباط, ولا أدري سببا لذلك, مع أن كل من حولي كانوا يحسدونني علي هذا النسب, وفعلا كان نسبا يحلم به أي شاب, وجدت في هذه العائلة أبا بمعني الكلمة, يغمرك بحنان وخوف الأب اللذين طالما بحثت عنهما في أبي, ووجدت أما مثل أمي, وأخوة جعلوني واحدا منهم, وبدأت أنا وزوجتي بناء بيتنا الذي حلمنا به, فلم أشغل بالي أنا في ترتيب وتهيئة وفرش المنزل, وتركت هذه المهمة لزوجتي التي حملتها هي ووالدها بطيب خاطر, وحب, فقد كنت في عملي بالخارج وهما يقومان بكل شيء, أما والدي فكنت كلما طلبت منه عمل أي شيء في بيتي الجديد مع زوجتي يرفض, ويتعلل بأي شيء, مرة لظروفه الصحية, وأخري لانشغاله بعمله, المهم ياسيدي وفقنا الله وتزوجنا بالفعل منذ شهور قليلة, وكنا ننتظر أنا وزوجتي هذا اليوم بفروغ الصبر, فأنا أحبها كثيرا, وهي تبادلني المشاعر نفسها, وبالفعل كان هذا اليوم من أجمل, بل أجمل أيام حياتنا علي الإطلاق, ولكن وهنا تبدأ المشكلة بعد فترة قصيرة أصبحت أنا إنسانا غريبا, دائم الخلاف مع زوجتي, بسبب, وبدون سبب, وأكون المسئول الأول والأخير دائما عن هذا الخلاف ولم أكتف بهذا, فقد كنت صاحب الصوت العالي, حتي الزعيق, ومازاد الطين بلة أنني أصبحت أرميها بكلمات نارية تهينها, ولا أعرف ياسيدي كيف فعلت هذا, لكنها في كل مرة كانت تنسي ما أقول, وتعود إلي أفضل من ذي قبل, وأنا أعدها بأن أتغير, ولكن أعود إلي ما كنت عليه, إلي أن وصلنا الآن إلي طريق مسدود, فقد أهنتها مجددا, وطلبت هي الطلاق, وأصرت عليه, ولكني أريدها فعلا, ومتمسك بها, ليس حب امتلاك. ولكن أريدها كي أعوضها عن الجرح والألم اللذين سببتهما لها, ولكل من حولها, فقد أحسست الآن بمعني الظلم الذي كثيرا ما شعر بع, لكن الآن من زاوية أخري, وهي أن أكون أنا الظالم, وحاولت مرارا أن أثنيها عن قرارها, ونزلت في إجازة سريعة كي أحاول إرضاءها, ولكن وجدت تصميما لم يكن يخطر علي بال إلي أن توصلنا إلي حل, بأن أتركها فترة فقد تداوي الأيام ما فشل الجميع في مداواته, وعدت مرة أخري إلي عملي, أجر ورائي أذيال الخيبة, فأنا علي مشارف أن أفقد أعز إنسانة في حياتي, وكل ذلك بسبب أخطائي وفهمي الخاطئ للزواج, وكذلك نظري دائما إلي الماضي, لكني ياسيدي أقسم بالله أصبحت شخصا آخر, تغيرت من داخلي من أجل هذه الانسانة, أحلم بأن تعود إلي كي أنسيها ما فعلت في حقها, ولكني لا أدري ماذا أفعل؟.. أريد منها, وممن حولها إعطائي فرصة أخيرة, لمداواة ما سببته لهم من آلام وجروح, وفي الوقت نفسه هناك ضغوط علي ممن حولي لتركها, وأيا كان فأنا أريد منها أن تسامحني علي ما بدر مني, فهل تفعل؟! سيدي.. لا أعرف لماذا لا نفيق ونعرف قيمة شركائنا في الحياة مبكرا؟.. لماذا ننتظر حتي نصل إلي نقطة اللاعودة, إلي منتهي الأزمة, إلي حافة العلاقة, ثم نكتشف أننا أخطأنا وأسأنا ونسأل الطرف الآخر الصفح والعودة مع وعود لا تنتهي بحياة سعيدة؟! فمن المؤكد أن زوجتك الرائعة التي وقفت بجوارك وأسرتها قد فاض بها, وأنها سمعت مثل هذه الوعود كثيرا وصدقتك ولكنك لم تف بما وعدت, ففاض بها الكيل ويئست من إصلاح حالك. لقد كان والدك سامحه الله نموذجا غير جيد أمامك. انتقدت بنفسك سلوكه القاسي مع والدتك ومعكم, فلماذا سرت علي نهجه؟ في حين كان الطبيعي أن تفعل عكس ما فعل تماما؟ سيدي.. لا أريد إيلامك بما أقوله لك, ولكني أعفي زوجتك العزيزة مما ستعلق به علي رسالتك قبل أن أتحدث إليها وأرجو منها أن تتفهم سلوكك غير السوي, وأنه انعكاس لبيئة غير صحية نشأت فيها, وانك ربما كنت تحتاج إلي مثل هذه الصدمة حتي تفيق من قسوتك واستبدادك. وأناشدها إذا كنت صادقا فيما رويت وليس هناك في الأمر شيء آخر أن تمنح حياتكما فرصة أخيرة, فإذا تبدل الحال, ورأيت فيه الرجل الذي أحببته قبل الزواج, فإنك ستكونين قد حلت دون وقوع أبغض الحلال, وحتي لا يتسلل إليك اللوم في يوم من الأيام, أما إذا نكص بوعده, فليكن الأمر محسوما وليستحق وحدته وندمه, ولك أن تضعي ما شئت من ضمانات قبل عودتك وعليه الامتثال.. أدعو الله أن يهدي سركما ويجمع بينكما في الخير والمحبة والسعادة, وإلي لقاء بإذن الله.