في كل دول العالم المتقدم تعكس أرقام الموازنة العامة صورة حقيقية لاقتصاد الدولة, بينما لم يكن هذا الأمر دقيقا في مصر قبيل عملية الإصلاح الاقتصادي التي تمت خلال السنوات الأخيرة, نتيجة الاعتماد علي أرقام ورقية وتمسك الدولة بحصيلة ثابتة من الضرائب والجمارك بغض النظر عن حالة السوق. لكن التقرير الذي أعلنته وزارة المالية أمس حول أداء الموازنة العامة للدولة خلال الفترة من يوليو حتي نهاية يناير الماضي يعكس بشكل صريح أوضاع الاقتصاد المصري, فتأثيرات الأزمة المالية العالمية تظهر واضحة في أرتفاع نسبة العجز الكلي كأنعكاس لأثر تباطؤ النشاط الاقتصادي المحلي وتداعيات تلك الأزمة, حيث انخفضت كل من الإيرادات العامة الكلية والمصروفات العامة بنسب متفاوته. وأدت تلك العوامل أيضا الي انخفاض حصيلة ضريبة الدخل علي الشركات والإيرادات المحصلة من الضرائب علي التجارة الدولية بينما حققت الإيرادات المحصلة من الضرائب علي الممتلكات ارتفاعا بنحو أربعة أمثال القيمة المحققة خلال نفس الفترة من العام السابق. ولكن بعض الأرقام تصبح خادعة في بعض الأحيان إذا لم يتم تفسيرها وفقا لحقائق السوق, فقد انخفضت فاتورة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنحو46,4% لتصل الي41,3 مليار جنيه مقارنة ب77 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالي السابق, وهذا الانخفاض لا يعني أن الدولة بدأت في تقليص حجم الدعم, ولكن الحقيقية أن حجم الدعم كما هو, والانخفاض جاء نتيجة تذبذب أسعار السلع العالمية وانخفاض سعر عدد كبير من السلع التي يتم استيرادها من الخارج. في الوقت نفسه يعكس ارتفاع الأجور وتعويضات العاملين بنسبة15,4%, حجم الزيادة في الأجور التي حصل عليها العاملون خلال تلك الفترة من علاوة غلاء وضم العلاوات الاجتماعية بالاضافة الي العلاوة الدورية. وبذلك تعكس أرقام الموازنة صورة حقيقية وصحيحة للأوضاع الاقتصادية.