في الوقت الذي تأخذ الموازنة الجديدة للدولة عن العام المالي 2005 - 2006 طريقها الدستوري لاقرارها من مجلسي الشعب والشوري ترصد العالم اليوم "الاسبوعي" في هذا التحقيق الفكر الجديد سواء من حيث الشكل والتبويب أو السياسات الجديدة التي عبرت عنها. وتأتي هذه الموازنة في ظل تحديات عامة تواجه الاقتصاد المصري وأخري تتعلق بالسياسة المالية الجديدة في التعامل مع عجز الموازنة بحيث يكون عنصر الحسم هو توليد النمو.. وليس قيمة العجز نفسه، وهو الأمر الذي يترجمه الخبراء من خلال امكانيات الربط بين تلك التخفيضات الجمركية والضريبية وما يترتب عليها من خفض للموارد، وقدرة القطاع الخاص علي تحقيق ذلك الرهان الذي اعتمدت عليه السياسة الجديدة للموازنة في زيادة النشاط، وبالتالي تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية ومن بينها زيادة الموارد. وفيما اتفق خبراء الاقتصاد والمالية ورجال الأعمال علي قدرة القطاع الخاص علي الوفاء بالتزاماته في الاستثمار وزيادة معدلات النمو، إلا انهم ربطوا بين تحقيق ذلك الهدف وعدد من الضوابط والاجراءات.. والمناخ العام بحيث ينجح ذلك الفكر الجديد في تحقيق أهدافه، وعلي رأس ذلك اختفاء الأمراض القديمة وعلي رأسها البيروقراطية وعدم معالجة القضايا الرئيسية مثل الدعم وترشيد الانفاق والدين العام وسوء إدارة أصول الدولة. موازنة العام الجديد تتضمن العديد من المستجدات التي كانت محل ترحيب وكان اهمها ذلك التبويب الجديد وتوزيع المصروفات علي أساس التصنيف الوظيفي وليس التصنيف المؤسسي وتقدير الايرادات علي اساس الفعليات في العام المالي الحالي وليس علي أساس تقديرات موازنة 2004/2005 فضلا عن تحويل فوائض هيئة البترول التي تقدر بحوالي 27 مليار جنيه إلي الموازنة العامة التي تقوم بدورها بتغطية الدعم المقدم للسلع البترولية، وأخيرا قانون حساب الخزانة الموحد الذي سيقدم قريبا للبرلمان سيطبق العام المقبل الذي يتيح للموازنة العامة تجميع جميع الحسابات الخاصة بالجهات الحكومية في حساب موحد، بما يسهل استغلال الأموال الراكدة في الجهاز المصرفي من قبل الخزانة العامة في تمويل العجز مع وضع الآلية التي تمكن هذه الجهات من الصرف من حساباتها في أي وقت من البنوك التجارية بحيث يصرف البنك للجهة ويحصل فيما بعد من البنك المركزي خاصة أن هذه الأموال الراكدة تقدر بحوالي 80 مليار جنيه. أستاذ التشريعات المالية والضريبية بجامعة المنوفية الدكتور زكريا بيومي من بين الفريق الذي يؤكد قدرة القطاع الخاص المصري علي تنفيذ الاستثمارات العامة التي أوكلتها إليه الموازنة العامة للدولة بدليل أن نسبة هذه الاستثمارات تزيد من عام إلي آخر في كل موازنة حتي بلغت حوالي 62% من موازنة العام المالي الجديد 2005/2005 ويدلل علي ذلك بتقليص الدولة لتدخلاتها خلال السنوات الأخيرة في الحياة الاقتصادية وزيادة الاعتماد علي القطاع الخاص سواء كان وطنياً أو أجنبياً. ورغم أن التخفيضات الجمركية في التعريفة وكذلك في أسعار الشرائح الضريبية قد تساعد القطاع الخاص علي النمو إلا أن د. بيومي لا يستبعد أن يكون لها تأثير سلبي علي العجز، ويشير إلي تأكيد وزير المالية أن هذه التخفيضات سوف توسع قاعدة المجتمع الضريبي من خلال تنشيط الاقتصاد وزيادة معدل النمو إلي 6% وبالتالي عدم زيادة العجز بل وتخفيضه في الموازنة الجديدة إلي 4.9% تقريباً بدلاً من المتوقع بنسبة 6.10% في موازنة 2004/2005 موضحاً أن التزام السياسة المالية بتخفيض الضرائب والجمارك لا يعني بالضرورة جذب الاستثمارات سواء كانت أجنبية أو محلية لأنها في المقابل ألغت الإعفاءات وهو الأمر الذي قد يجعل أي مستثمر يتساءل: لماذا استثمر في مصر مادامت هناك تيسيرات أكبر في تلك الدول الأخري مثل دبي والأردن؟ وتزداد أهمية ذلك السؤال من خلال المقارنة بين مصر وأي من تلك الدولة حيث سنجد أنه مازال في مصر الروتين والبيروقراطية. ويدعو د. زكريا بيومي الحكومة إلي العمل من خلال خطة لمواجهة العجز المحتمل في حالة عدم تحقيق تلك الزيادة المتوقعة في النمو الاقتصادي من خلال ترشيد الإنفاق العام في كثير من القطاعات كاستهلاك الكهرباء والمياه في الجهات والمصالح الحكومية ووسائل نقل كبار المسئولين في الحكومة التي تتكلف ملايين في الصيانة والوقود والعمل علي إجراء ترشيد حقيقي في شراء السيارات الجديدة. المأزق وتلفت سهير جلال زميل جمعية المالية العامة والضرائب إلي ضرورة فك الاشتباك بين موقفين متضاربين في الوقت الذي تسند فيه الحكومة للقطاع الخاص أكثر من 60% من الاستثمارات في الموازنة الجديدة لعام 2005/2006 نجد أنها تقلل من حجم الائتمان البنكي المتاح للقطاع الخاص، وفيما ترصد التشريعات المالية الجديدة التي وافق عليها مجلسا الشعب والشوري والتي تهيئ المناخ للقطاع الخاص توضح أن هناك بعض المطالب الأخري التي يجب تلبيتها لدعم القطاع الخاص، ويأتي علي رأسها التوسع في توفير الائتمان البنكي حيث انخفض حجم ما تم منحه للقطاع الخاص بنسبة 4.2% من حجم السيولة المحلية في يناير 2005 رغم ارتفاع حجم هذه السيولة إلي 470 مليار جنيه، كما تؤكد أن استكمال الإصلاح في القطاع النقدي سيسانده في تنفيذ دوره في مجال الاستثمار المحلي إلي جانب تلك الإجراءات التشريعية العديدة التي قامت بها الحكومة في مجال الضرائب والجمارك وقانون الشركات. وتلفت سهير جلال إلي أن الموازنة الجديدة لم تعط اعتمادات كبيرة إلي القطاعات الاجتماعية حيث مازال المخصص لها أقل من الاحتياجات الضرورية رغم تخصيص الموازنة أكثر من 3.35 مليار جنيه للدعم رغم علم الحكومة بأن أغلب هذه المخصصات تتسرب ولا تصل إلي مستحقيها وهو الأمر الذي كانت قد أكدت عند توليها أن هناك برنامجاً خاصاً بالدعم سوف تنفذه يكفل عدم تسرب الدعم. التبويب الجديد وفيما يتعلق بالتبويب والتطبيقات الجديدة في الموازنة يوضح الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس اكاديمية السادات أنه يتم حسب الأنشطة حيث تم فصل الأجور عن الاستثمار وبالتالي تم ترحيل الأجور المتعلقة بنشاط استثماري معين إلي باب الأجور وهو ما أدي إلي زيادة ذلك البند وانخفاض بند أرقام الاستثمار، كما نجد أن البند المتعلق بالكهرباء والوقود تم وضعه علي أساس ما يدفع لهذه الأغراض بصرف النظر عن الأماكن المختلفة الموجودة فيها، وظهر كذلك الدعم في بنود الخدمات المختلفة مثل الصحة والتعليم وغيرهما بعيدا عن المبالغ المخصصة للنشاط العادي، وهو ما يتيح معرفة حقيقة الدعم الصافي الذي تتحمله الدولة. ويلفت د. عبد العظيم ايضا إلي أن بند النفقات التحويلية مثل تحويلات رأس المال والمساعدات والمعونات وسداد الأقساط جاءت في التبويب الجديد علي أنها مبالغ دخلت في جانب الموارد وليس علي أنها استثمارات أو أنشطة حقيقية باعتبارها من الموارد التكميلية، بالإضافة الي تحديد نسبة 5% من ميزانية كل جهة كاعتمادات يتم التحرك بالزيادة في حدودها خلال العام المالي وموزعا حسب البنود المختلفة لاستخدامات كل جهة بحيث لا يمكن لأي جهة أن تتجاوزه عند طلب الاعتمادات الاضافية. أما فيما يتعلق بالزيادة في عجز الموازنة المتوقع بنحو 6.75 مليار بنسبة 3.9% من الناتج المحلي فيري د. عبد العظيم أنه يأتي نتيجة لخفض ايرادات الدولة المتمثلة في الجمارك والضرائب بتأثير التعديلات الأخيرة والتي أدت إلي زيادة العجز ب 15 مليار جنيه وارتفاع بند خدمة الدين بنحو 18% عن العام الماضي. ويتوقع أن يظل هذا العجز موجوداً لسنوات قليلة قادمة تتراوح بين 3 و5 سنوات، ويصف ذلك العجز بأنه مرتفع وتترتب عليه خدمة دين عالية تتمثل في اقساط وفوائد محلية تصل ل 7.14 مليار، وهو ما سيؤدي بدوره إلي زيادة صافي قيمة الاقراض الذي بلغ العام الماضي نحو 9.124 مليار جنيه. ترشيد الدعم ومن أجل مواجهة فعالة لذلك العجز يقترح د. حمدي عبد العظيم أن تعمل الحكومة علي خفض العجز الجاري الناتج من دعم الأنشطة المختلفة مثل التعليم والشباب والصحة والاسكان وترشيد دور الحكومة في النشاط الاقتصادي بحيث تفتح المجال أمام القطاع الخاص لشراء الديون المتراكمة في صورة أسهم وسندات أو كأسهم ملكية للشركات المطروحة للبيع وكذلك الأمر بالنسبة للديون المستحقة للبنوك وشركات التأمين والتأمينات الاجتماعية والتي لها اكثر من 67 مليار جنيه ديوناً متراكمة من خلال توريق هذه المديونية، كما يجب ايضا ترشيد الدعم للسلع وضمان وصوله لمستحقيه ومن خلال آليات السوق بدلا من ضياعه كما يحدث حاليا، والعمل علي أن يكون دور الدولة في الاستثمارات المطلوبة والتي تصل إلي نحو 5.2 مليار دولار مقصورا علي إنشاء البنية الأساسية، وهو جذب المزيد من الاستثمارات لزيادة الدخل القومي وتوفير فرص التوظيف واحداث الرواج الاقتصادي الحقيقي المتمثل في زيادة بالانتاج يقابلها زيادة في الأجور مشيرا إلي أن أي زيادة في الأجور بدون انتاجية ستنعكس في ارتفاع معدلات التضخم لتصل ل 16% تقريبا. ويؤكد أن الدولة هذا العام تحتاج ل 5.2 مليار دولار استثمارات جديدة لمواجهة العجز الموجود.2