تعيش الحدود, والدواخل, في سوريا ولبنان والعراق, توترا واستنفارا هائلا, رائحة البارود بدأت تخرج في أكثر من ثغر علي الحدود, كما ان التوتر ما عاد بالإمكان حبسه. ثمة ما يشي بأن المنطقة تسير صوب إنفجار عظيم, يكون عنوانه حرب سنية شيعية, الأزمة السورية فاضت علي الحدود بقوة, وتكاد تغطي المناطق المحيطة بها. تبدو الأطراف كلها وقد غادرت مرحلة الحذر والتخفي, ففي الوقت الذي بدأ التحرك الإيراني وأدواته في المنطقة حكومة المالكي في العراق وحزب الله اللبناني, يأخذ طابعا علنيا وصريحا, فإن الطرف المقابل لم يعد يحتاج إلي عمليات تمويه للتعبير عن نفسه, وقد قالتها جامعة الدول العربية بوضوح كل دولة تريد تسليح المعارضة السورية فهي حرة في فعل ما تراه مناسبا. هذا يعني أن التسوية السياسية التي يجري الحديث عنها ليست سوي كلام للاستهلاك السياسي يراد منه تكريس التموضعات الجديدة في قلب الأزمة للانطلاق إلي أفق جديد ومختلف في الصراع ومرحلة جديدة اكثر دموية وخطورة وتدميرا من كل المراحل التي سبقتها. ولعل ما يعزز هذا الاحتمال, الإعلان الصريح من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية نيتها السماح بتسليح بعض كتائب الجيش الحر بأنواع من الأسلحة كالعربات القتالية والأجهزة الذكية, وهو قرار كثيرا ما ترددت هذه الأطراف باتخاذه إنطلاقا من حساباتها الخاصة المتعلقة بأمن إسرائيل ومستقبل الأمن في المنطقة عموما, علي إعتبار أن لهذه القوي ملحوظاتها وشكوكها تجاه بعض القوي والأطراف المنخرطة بالثورة. الغريب أن يتم اللجوء إلي هذه الإجراءات في ظل مناخ سياسي يغلب عليه طابع التفاهم, ولو اللفظي والشكلي, بين الطرفين الأساسيين اللذين يعتقد ان لهما التأثير الأكبر في مجري الأحداث, الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا, علي ضرورة تطبيق مبادئ وثيقة جنيف التي تم التوافق عليها في صيف2012 وعطلته لاختلافات في تفسير بعض البنود وخاصة ما يتعلق منها بدور الرئيس بشار الأسد في الترتيبات اللاحقة. يشير ذلك إلي أن أطراف الأزمة تخوض حرب أوراق وليست عملية سياسية, وأن الارتكاز في هذه الحرب سيكون بالاعتماد علي الميدان وما يعززه, كما يعني توسيع هامش المناورة إلي أبعد الحدود وإعادة خلط الأوراق بطريقة تسمح لكل طرف بتحسين شروطه التفاوضية ومواقعه وبلورة اشتراطاته علي وقع سعير الأزمة ولظي نارها المشتعلة. غير أن هذا النمط الصراعي يتضمن في طياته مخاطر عدة من كونه يتيح الفرصة للعبث بأسس التعايش الوطني في هذه البلدان الهشة اصلا, ويقامر بتفكيك الأنسجة الوطنية المضعضعة, كما يترك هذه البلدان مكشوفة أمام كل الاحتمالات السيئة, وهي مغامرة لا يمكن لأي عاقل السير بها لصعوبة عملية ضبط سيولتها في حالة ما تم تثويرها. هذا النمط من إدارة الأزمات ليس نمطا عقلانيا ولا رشيدا, حتي أنه يتميز بطابع لا إنساني, فضلا عن كونه يحمل مخاطر علي الامن العالمي برمته, إذ لا ضامن لعدم انتقال الأزمة وتوسعها خارج حدود الإقليم, كما أن سياسة ترك الأزمة تتفاعل وفق دينامياتها إلي أقصي حد من شأنها أن تغرق المنطقة والعالم بأثارها المدمرة, ثم من يضمن علي أنقاض الفوضي الشاملة التي ستخلفها هذه الأزمة إمكانية استمرار الحياة المدنية ومواصلتها في بقعة تتوسط المصالح العالمية وتزنر تخومها الحيوية. سياسة إغراق روسياوإيران في المشرق, سياسة انتهازية وعاجزة, وفيها الكثير من المغامرة, إذ أنه حتي يتم الإستفادة من ثمرتها, سيتطلب ذلك حصول دمار كبير في منطقة شرق المتوسط والخليج, بالمقابل أيضا تبدو سياسات إيرانوروسيا ذات الطابع الإنتحاري واللعب علي حافة الهاوية لتحقيق مكاسب علي صعيد الدور والمكانة سياسة غير أخلاقية لنهوضها علي جثة أوطان تم إرتهانها بطريقة أو أخري لصالح مشاريع هذه الدول. كل ما في المنطقة يشير إلي تصدع المشرق وما حوله, ما بين المتوسط وبحر قزوين, علي ما بشر يوما رأس النظام في سوريا, ولكن ليس كما يشتهي هو ومشغلوه, لظي النيران لن يوفر إيرانوروسيا ولا إسرائيل وتركيا, المنطقة كلها سيعاد صياغتها, ليس وفق ما يشتهي ويرغب أصحاب النظريات الإستراتيجية, ولا مثل ما يبشر أصحاب نظرية المؤامرة, الأشباح الطائفية والإثنية خرجت من قماقمها وأعلنت أن هذه المعازل لم تكن يوما دولا وطنية, وحدود الدم بدت ترسم بوضوح في مناطق التماس في أكثر من مكان, هو انتقام الجغرافيا والتاريخ, وبالأصح انتقام من كل السياسات, القومية والدولية. لمزيد من مقالات غازى دحمان