الإنسان هو أصل الحضارة, وانقراضه يؤدي لاضمحلالها! ولقد تزايدت أخيرا التوترات الاجتماعية والثقافية التي تتمحور حول المسلمين في الغرب, من كراهيتهم واضطهاد جالياتهم, وتناول المقدسات الإسلامية بصورة مسيئة, والشكوي من عدم اندماجهم في المجتمعات الغربية, بل ومحاولة إعادة صياغةمناهج التعليم في بلاد المسلمين ذاتها. وفسرالبعض هذا بتخلف المسلمين الحضاري والثقافي وعدم فهمهم لدينهم, وغير ذلك من أسباب تتفاوت في صحتها. وكل طرف لديه مايقلقه من الآخر. كانت هناك دائما الأحياء الصينية المكتظة في كل المدن الغربية دون توترات كتلك الحادثة مع المسلمين( إلا في وقت الحروب التي لايقاس عليها) علي غرابة معتقدات الصينيين وملامحهم ومأكلهم وملبسهم وعاداتهم وطقوسهم, وعدم تمثلهم للثقافة الغربية. ماهو الشاذ إذن في حالة المسلمين عامة, وحالة الغرب في هذا العصر بصفة خاصة؟ تتوقع دراسات الأممالمتحدة عن سكان العالم حتي عام2050 انخفاض تعداد51 دولة غربية وأوروبية وشرق أوروبية مقابل تضاعف تعداد50 دولة مسلمة وفقيرة. ومعدل الخصوبة متدهورعموما بين البيض والمتأثرين بأيديولوجية التنوير والحداثة, التي تجعلهم يعزفون عن الزواج, وقد لايتزوجون من الجنس الآخر,وقد لاينجبون, ويكتفون عادة بطفل واحد. لقد أدت المادية والفردية الغربية إلي إضعاف مؤسسة الأسرة والعزوف عن الزواج والإنجاب, مما جعل الغرب يعاني خطر الانقراض. أما الزيادات المسجلة في بعض الدول الغربية فكلها بين المهاجرين, بل كان57% من المواليد في بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي عام2003 من المغاربة, وهذا يعني إحلال الأوروبيين بغير الأوروبيين. إن ما نقله الإعلام من أن اسم محمد هو أكثر أسماء المواليد في بريطانيا استخداما في السنوات الأخيرة يعني حب المسلمين لنبيهم, ويعني أيضا أن اسما يستخدمه5% فقط من السكان تفوق في العدد علي أي اسم يطلقه بقية ال95% من السكان علي مواليد الذكور مثل ويليام أوجون مثلا الذي كان في الماضي إسما علما علي الرجل الإنجليزي! أي أن معدل الخصوبة تهاوي إلي نسبة أسوأ بكثير من النسب المعلنة,ممايعد كارثة وجودية. وستتناقص ألمانيا وروسيا بمقدار ثلاثة أرباع مليون نسمة سنويا لكل منهما خلال نصف القرن الحالي, وهو انخفاض يكافئ مافعله وباء الطاعون في القرون الوسطي في أوروبا. وبحلول عام2050 سيكون هناك شخصان مسنان في الغرب مقابل كل طفل, ولايخفي بعض الخبراء قلقهم من تحول الغرب إلي مركز كبير للتمريض. وستنخفض نسبة المشروعات الجديدة, وسيضمحل معدل الإبداع والمخاطرة, وسيبدأ الجميع في تفكيك استثماراتهم وإنفاق مدخراتهم. وسينخفض الطلب علي المنتجات; لأن النمو السكاني أساس الاستهلاك والإنتاج والابتكار. وستتأثر الأنشطة العسكرية, وسينتج عن فقد كل جندي ضياع أسرة بأكملها. ونظرا لندرة الأبناء, نظمت الأمهات الروسيات لأول مرة في تاريخ الإنسانية مظاهرات ضد الحرب في أفغانستان. وينعي الرئيس الفرنسي بنفسه كل جندي يموت في مالي! وفي غضون20 عاما لن تستطيع أمريكا القيام بدور الشرطي العالمي, تماما كما تعجز أوروبا واليابان عن هذا اليوم. ولهذا يلجأون للطائرات دون طيار ولشركات المرتزقة. وأصبح مستحيلا علي الحكومات الالتزام بتعهداتها الاجتماعية لقلة العاملين بالنسبة للمتقاعدين. وزيادة الضرائب تؤدي لهجرة رأس المال والعمال, مما اضطرهم لتقليص الخدمات الاجتماعية ومحاولةخصخصتها. ولم تعد هناك قدرة علي الوفاء بمتطلبات الديمقراطية الاجتماعية, والبعض يتحدث الآن عن إمكانية تفكيكها. وطبقا لدراسة الأممالمتحدة, فإذا أرادت أمريكا المحافظة علي معدل العمال الحالي بالنسبة للمتقاعدين, فعليها أن تستوعب نحو11مليون مهاجر سنويا حتي2050, وعندها سيصل تعدادها إلي1.1 بليون,73% منهم من المهاجرين الجدد وأبنائهم. وسيتطلب تسكينهم ما يعادل بناء مدينة كنيويورك كل عشرة أشهر. ولهذا لم يكن هناك بد من تصدير الصناعات الأمريكية إلي جنوب آسيا والصين. كما قدر ديفيد ويليتس من حزب المحافظين البريطاني احتياج الاتحاد الأوروبي إلي700 مليون مهاجر حتي عام2050 لتعويض نقص المواليد والاحتفاظ بعجلة الاقتصاد دائرة. وهكذا أصبح المصدر الأساسي لسد الاحتياج البشري هو العالم الإسلامي, الذي يتزوج فيه الجميع ويتمتعون بمعدلات إنجاب عالية تزيد أحيانا علي5 أطفال للأسرة.وتزداد كل يوم في أوروبا مظاهر وجود المسلمين ومطالبهم التي تستغربها أوروبا. فهم يأكلون ويلبسون ويتصرفون ويتكلمون بطريقة مختلفة, وملامحهم التي لايعجب بها إنسان الحداثة العنصرية الغربي, تثير المشاعر الأوروبية. وأوروبا تجد نفسها في موقف شائك, فهي تحتاج إلي هؤلاء الأغراب المكروهين. ولعل هذا يفسرالهواجس الأمنية والتوترات والاعتداءات والإهانات التي تحدث بين حين وآخر. وفي24 إبريل1974 أعد هنري كيسنجر دراسة لمجلس الأمن القومي الأمريكي( رقمNSSM200) بعنوان عواقب النمو العالمي للسكان علي أمن الولاياتالمتحدة ومصالحها بالخارج. وعلي أساسها أصدرالرئيس فورد في16 أكتوبر1975 مذكرة تؤكد حاجة الولاياتالمتحدة لقيادة العالم في أمور السكان.وأكدت الدراسة أن النمو السكاني في بعض الدول النامية ذات الأهمية الإستراتيجية للولايات المتحدة يشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي. وحددت ثلاث عشرة دولة لتكون هدفا لجهود الولاياتالمتحدة للتحكم في عدد السكان, هي باكستان والهند وبنجلاديش وإندونيسيا والفلبين وتايلاند ومصر ونيجيريا وإثيوبيا والمكسيك والبرازيل وكولومبيا وتركيا. ومن المهم أن نتمعن فيما حدث في معظم تلك الدول من تدهور اقتصادي وأزمة مساكن وتفشي أمراض لم تكن موجودة من قبل.