عندما تنظر إلى الصور الآتية من بلدان الربيع العربى ترى تلك الحشود الضخمة من الشباب. ويؤكد هذا الانطباع بأن الشرق الأوسط المسلم به انتفاخ شبابى هائل فهناك مئات الملايين من الشبان الذين ليس لديهم الكثير ليفعلوه. لكن هذه الرؤية فى سبيلها لأن يعفو عليها الزمن. كما يشير نيكولاس إيبرشتات وأبروفا شاه من معهد إنتربرايز الأمريكى، فقد عاش العالم العربى على مر العقود الثلاثة الماضية انفجارا سكانيا لم يكن ملحوظا بشكل كبير. ذلك أن البالغين العرب لديهم عدد أقل من الأطفال.
●●●
الأمر المعتاد هو أن الالتزام الدينى والدخل المنخفض يسيران جنبا إلى جنب فيما يتعلق بمعدلات المواليد المرتفعة. لكن طبقا لما ذكره مكتب التعداد الأمريكى، فإن معدل المواليد فى إيران فى الوقت الراهن مماثل لمعدل نيو إنجلاند، التى هى المنطقة الأقل خصوبة فى الولاياتالمتحدة.
إن سرعة التغير مذهلة. فالمرأة فى عمان الآن لديها 5.6 أطفال أقل مما كان عليه الحال فى عمان قبل 30 عاما. وشهدت المغرب وسوريا والمملكة العربية السعودية هبوطا فى معدلات الخصوبة بمقدار 60 بالمائة تقريبا، وهبط فى إيران بما يزيد على 70 بالمائة. وهذه من بين أسرع نسب الهبوط فى التاريخ المسجَل.
يدرك النظام الإيرانى كيف يمكن أن يؤدى تقدم السكان فى العمر بسرعة ونقص عدد الشباب الذين يدخلون قوة العمل إلى انخفاض طويل المدى. لكن ليس هناك الكثير الذى يمكنهم عمله. وربما كان الإيرانيون متشائمين بشأن المستقبل. وربما كان الآباء والأمهات الإيرانيون يرغبون فى أن تكون لهم أسر أصغر حجما.
ما يحرص إيبرشتات على الإشارة إليه هو أن الديموغرافيا ليست بالضرورة قدرا. إذ يمكن أن يكون لديك نمو اقتصادى مع خصوبة مرتفعة أو خصوبة منخفضة (كوريا الجنوبية وتايوان فعلتا ذلك قبل عقود). لكن على المدى الطويل من الأفضل أن تكون لديك قوة عمل متنامية، وليس قوة عمل منكمشة مقارنة بعدد المتقاعدين.
إذا نظرت فى أنحاء العالم فسترى دولا كثيرة أخرى تواجه رياحا سكانية معاكسة. وإذا كان القرن العشرين هو قرن الانفجار السكانى، فإن القرن الحادى والعشرين، كما يشير إيبرشتات، أشبه بقرن انفجار الخصوبة.
●●●
يعيش نصف العالم تقريبا بالفعل فى بلدان معدلات المواليد فيها أقل من مستوى الإحلال. وطبقا لما ذكره مكتب التعداد، فإن الزيادة الإجمالية فى القوة العاملة العالمية فيما بين عامى 2010 و2030 ستكون نصف الزيادة التى شهدناها فى القرنين اللذين انتهيا منذ قليل. وفى الوقت نفسه، وطبقا للعمل الذى قام به المعهد الدولى لأنظمة التحليل التطبيقية، فإن الزيادة فى عدد الملتحقين بالتعليم فى أنحاء العالم تتناقص.
يؤدى هذا إلى ما أسماه الكاتب فيليب لونجمان «التسونامى الأشيب» وهو الوضع الذى تكون فيها شرائح ضخمة من السكان فوق الستين وشرائح صغيرة تحت الثلاثين.
يزداد الأمر سوءا فى بعض البلدان عن غيرها. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتى، أدارت روسيا حيلة أن يكون لديها معدلات مواليد منخفضة ومعدلات وفيات مرتفعة. ومتوسطات الأعمار الروسية بشكل أساسى هى نفس ما كانت عليه قبل 50 عاما، وقد هبط عدد سكان الدولة بمقدار ستة ملايين تقريبا منذ عام 1992.
●●●
تتسم اليابان التى تشيخ بسرعة بواحدة من أسوأ الخصائص السكانية، وتشتهر معظم الخصائص السكانية الأوروبية بكآبتها. وفى الصين، قد يواجه النمو الاقتصادى طويل المدى قيودا سكانية خطيرة. فعدد المواطنين الصينيين كبار السن يتزايد بصورة كبيرة بنسبة 3.7 بالمائة كل عام. وبحلول عام 2030، كما يشير إيبرشتات، سيكون هناك عدد من العمال كبار السن (الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما) أكثر من العمال صغار السن (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما). وفى عام 2010 كان هناك ضعف العدد تقريبا من صغار السن. وفى الثقافة التى تكون فيها الثقة الاجتماعية منخفضة خارج الأسرة، يلد جيل من الأطفال فقط جيلا آخر من الأطفال فقط، ومن المقدر أن يؤدى هذا إلى تغير اجتماعى عميق.
حتى البلدان ذات التركيبة السكانية الأكثر صحة تواجه مشكلات. فالهند، على سبيل المثال، سوف تواصل إنجاب الكثير من العمال الشبان. وبحلول عام 2030، وطبقا لما ذكره معهد فيينا للديموغرافيا، سيكون لدى الهند 100 مليون من الشبان المتعلمين نسبيا، مقارنة بما يقل عن 75 مليونا فى الصين.لكن الهند تواجه تحديا إقليميا. فالزيادة السكانية مرتفعة فى الأجزاء الشمالية من البلاد، حيث الناس أكثر فقرا وأقل تعليما. وفى الوقت نفسه، معدلات الخصوبة فى الأجزاء الجنوبية، حيث الناس أكثر ثراء وأفضل تعليما، أقل من مستويات الإحلال.
كانت معدلات المواليد فى الولاياتالمتحدة منذ فترة طويلة أعلى من اليابان ومعظم الدول الأوروبية. ذلك أن عدد السكان الأمريكيين يزيد على كل مستوى عمرى، وهو ما يعود الفضل فيه بشكل ما إلى الهجرة. وأمريكا تشيخ، لكن ليس بالسرعة نفسها التى تشيخ بها البلدان الأخرى.لكن حتى هذا يبدو هشا. فقد أشار تعداد 2010 إلى أن الزيادة السكانية فى أمريكا تبطؤ على نحو أسرع مما توقعه كثيرون.
بالإضافة إلى ذلك، ربما يكون من الخطأ النظر إلى هذا على أنه منافسة سكانية. فسوف يضر العالم الشائخ والأقل ديناميكية مستوياتِ المعيشة الأمريكية، حتى إذا اجتذبت الولاياتالمتحدة العمال الشبان.
●●●
طوال عقود يتعامل الناس مع الديناميكية والنمو الاقتصادى على أنهما أمر مسلم به وينظرون إلى النمو الاقتصادى على أنه مشكلة. وها نحن الآن نتجه إلى الطرف الآخر، ومن الواضح أن الشباب مورد نادر. وفى القرن الحادى والعشرين قد تكون الولاياتالمتحدة القائد الذى يشيخ ببطء لعالم يشيخ بسرعة.